أين هم (المجاهدون) في معركة يُباد فيها الفلسطينيون، وبعدهم اللبنانيون، أين الذين كان لا يستهويهم الغداء الا مع رسولنا الكريم، الذين ما سلمت مدينة منهم، ومازالت خلاياهم نائمة في البوادي وسفوح التلال الخالية، أليست هذه معركة قدسنا الشريف، مسرى الرسول الذي يريدون الغداء معه، هل من دليل أكثر وضوحا من هذا الدليل؟...
كنا نتطلع للوحدة العربية، فصار التضامن حلما، واستنكار ما يُرتكب بحقنا من جرائم ابادة عصي، ويُقال على مضض ان كانت للشجاعة بقية، أي عمر عربي هذا الذي يوصف فيه المتحدث عن امته بالخرف، بل وتصوب نحوه البنادق والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأحزمة الملغمة، تتلوها الدعوات الايمانية لنصرة (المجاهدين)، ومن أين؟ من أقرب الاخوان وأقدس مكان، وعلى مرأى الملايين وتتناقلها الفضائيات، ألا تذكرون؟
اذكّركم بالسنوات السود التي مر بها العراق، يوم كانت سماء بغداد سوداء من دخان عملياتهم الارهابية، حتى لا تعرف من أين تمضي الى عملك، وبلغ بنا الأمر أن نودع أهلنا كل صباح، لا ندري ان كنا سنعود مساء ام لا، وبدل التمتع بمرأى الزهور تصدمك جثث الشباب ملقاة على الطرقات، ولم نسمع صوتا من الاخوان مستنكرا، ولم يظهر قادة العروبة بأنطقتهم اللامعة في استعراضاتهم العسكرية ليقولوا قفوا: هذا العراق، عمود الامة الشامخ وعقلها الراجح.
وظل (المجاهدون) يصولون ويجولون بالروافض والمرتدين، فخربوا المدن وهجروا الاصلاء من أبناء العراق مسيحيين وايزيديين، وسبوا الحرائر وقتلوا الشيوخ والأطفال، لكن وعي العراقيين فتت هذا الخطب الجسيم، لا أظنكم نسيتم.
واليوم أين هم (المجاهدون) في معركة يُباد فيها الفلسطينيون، وبعدهم اللبنانيون، أين الذين كان لا يستهويهم الغداء الا مع رسولنا الكريم، الذين ما سلمت مدينة منهم، ومازالت خلاياهم نائمة في البوادي وسفوح التلال الخالية، أليست هذه معركة قدسنا الشريف، مسرى الرسول الذي يريدون الغداء معه، هل من دليل أكثر وضوحا من هذا الدليل؟
قد يكون من حرك الشيطان مخطئا بنظركم، وربما من ساندهم لم يحسب الأمر جيدا كما تقولون، أرجو الا نُعقد الأمور، فهي ببساطة شديدة ودون تعقيد تكمن في الاجابة عن السؤال: ماذا على الفلسطينيين فعله؟ بلادهم محتلة منذ سبعين عاما، وشعبهم بين مهجر في الشتات، او مكابد تحت مرارة الظلم الصهيوني، يحلمون كبقية البشر بدولتهم المستقلة، واخوانهم العرب اما مطبّع مع العدو، او ضعيف من حيث الامكانات وغير قادر على المساندة، والذي كانوا يصرخون مطالبين بالقضية صدقا او كذبا اما مسحول من حفرة او مجرور من انبوب او مقتول بطلقة في طريق، او مازال حيا ببلاد ممزقة تتقاسمها الدول الكبرى والمجاورة حتى لا يستطيع قول كلمة، فلزم الصمت ومازال لم يسلم من العدوان حتى اللحظة.
ومنذ سبعين عاما والقضية الفلسطينية تراوح مكانها في أروقة الأمم المتحدة، تصعد وتنزل في أدراج مجلس الأمن، ولم تُحل حتى مل العالم ويأس من أن يكون لها حلا، وأمريكا بوصفها قطب العالم الأوحد تراوغ دعما للكيان الصهيوني، ولا ترضى أن يطوله حتى استنكار مع انه لا يُقدم او يؤخر.
قدم الفلسطينيون تنازلات كثيرة في اتفاقيات، والعالم شاهد عليها، وقبلوا بحل الدولتين الذي سبقأن رفضوه ومعهم العرب يوم احتلت أرضهم، كل الطرق سدت بوجههم، وليس أمامهم سوى السلاح طريقا للتحرير، ولكن من أين يأتي السلاح والمال، لا أحد من اخوانهم يتجرأ على مساعدتهم، فحفروا الأنفاق للتهريب، وصاروا يقبلون بمساعدة أي غريب، مقتنعين به أم غير مقتنعين، عارفين بمصالحه ام غير عارفين، وطبيعي أن يكون للمساند أهدافا ومصالح، المهم بالنسبة لهم الحصول على السلاح، بينما يلوم العرب من يساعدهم، ويصفونه بالمتآمر على الأمة كلها.
لو كان حضن القيادات العربية دافئا، وحريصا على تحرير فلسطين، لما ارتمى الفلسطينيون او اللبنانيون في أحضان ايران او غيرها. ومع ذلك لو طبعّت كل الأنظمة مع العدو، فالقضية حية لا تموت، لأن الشعب العربي من خليجه الى محيطه لم يُطبّع، وهذا ما نساه العدو، ولكن هذه هي الحال، فكونوا منصفين.
اضف تعليق