آراء وافكار - مقالات الكتاب

أساليب وطرائق تركيز الانتباه

وإمكانية إنتاج ذاكرة شخصية فعالة

أي فرد لديه مقدار من الانتباه الإرادي بينما يحتاج الانتباه الإرادي الذي يمتلكونه إلى تطوير وتطويع قدرة هذا النوع من الانتباه لديهم، وتكمن هذه القدرة في الاستعداد وفيما بعد يأتي المران أو الممارسة. والتمرين على الانتباه كي يحث بصورة صحيحة على الفرد أن يجتهد في أساليب وطرائق...

يعاني كثير من الأفراد من نسيان موضوعات مختلفة سبق وان تعلموها بأي شكل ومستوى من أشكال ومستويات التعلم، وربما تكون أسباب هذا النسيان مرضية، أي تتعلق بفسيولوجية الذاكرة مثل إصابات الدماغ نتيجة لتعرض الدماغ إلى حوادث مختلفة مثل تصادم السيارات أو ارتطام الرأس بأجسام صلبة بشكل شديد، أو تلف خلايا دماغية معينة نتيجة لأمراض مختلفة تصيب الدماغ أو التقدم في العمر نتيجة للشيخوخة أو الخرف، ولكن هناك كثير من الأفراد تكون أسباب النسيان لديهم غير متعلق بواحدة مما ذكر، وإنما تعود في الأصل إلى إخفاق تذكر نتيجة لظروف تعلم غير صحيحة أو مناسبة، أي ليست أسباب مرضية أو فسيولوجية ومنها الانتباه أو الإدراك غير الصحيح أو المناسب أو الفشل في استرجاع ما مخزون من مادة متعلمة في مخازن الذاكرة.

 إن تمكن الفرد من تذكر الأشياء يتطلب أن تركت هذه الأشياء انطباعا واضحا في عمليات الذاكرة المتعلقة به، والعامل الرئيس لتسجيل الانطباع هو ما ندعوه بعملية الانتباه (Attention) والتي تعني قدرة التركيز على المعلومات أو البيانات أو المثيرات وإعطاء معنى مفهوم لها قبل إجراء عملية معالجة المعلومات لها فيما بعد.

لذلك فان الأمر يتطلب من الفرد الاختيار المستمر للمعلومات أو البيانات أو المثيرات التي يريد معرفتها كي يضمن إمكانية تذكرها فيما بعد، فإذا كانت لها أهمية بالنسبة للفرد فان عملية معالجة المعلومات لها تبدأ من عملية الانتباه حتى عملية خزنها في مخازن افتراضيها اختلف العلماء في تأكيد وجودها في الدماغ، مع ذلك فان العملية كي تحدث فان الانتباه يجب أن يحصل لهذه المعلومات بشكل مسبق.

 إن من أسباب ضعف التذكر هو ضعف الاهتمام بالموضوع المطروح. فالفرد ميال إلى تذكر الأشياء التي يهتم بها. وربما تكون لديه ذاكرة ضعيفة حيالها، ولكن عندما تأتي أمامه أشياء يهتم بها فانه يركز عيها، وانه يتذكر أكثر التفاصيل صعوبة فيها، وهذا يدعى بالانتباه اللاإرادي (involuntary attention). وهو نوع من الانتباه لا يحتاج الفرد فيه إلى جهد عالي أو استثنائي لأنه يتبع الاهتمام أو الرغبة الشخصية.

 النوع الثاني من الانتباه يدعى بالانتباه الإرادي (voluntary attention) وهو نوع من الانتباه يسلم جدلا أو يفترض أن الأشياء المعروضة غير مهمة أو لا تثير اهتمام الفرد أو الغرابة في الموضوع المطروح أو الجاذبية بالنسبة للفرد، وهو يحتاج إلى جهد واستعمال الإرادة لان الفرد فيه مخير في الانتباه او عدمه عكس النوع الاول الذي يحدث فيه الانتباه دون إرادة الفرد وإنما بشكل تلقائي.

 ومن المسلمات المعروفة للمتخصصين أن أي فرد لديه مقدار من الانتباه الإرادي بينما يحتاج الانتباه الإرادي الذي يمتلكونه إلى تطوير وتطويع قدرة هذا النوع من الانتباه لديهم، وتكمن هذه القدرة في الاستعداد وفيما بعد يأتي المران أو الممارسة. والتمرين على الانتباه كي يحث بصورة صحيحة على الفرد أن يجتهد في أساليب وطرائق وإمكانيات الانتباه، وهنا يمكن عرض بعض الاستراتيجيات الناجحة لمساعدة الفرد على اكتساب أساسيات هذه المهارة:

1- حتى يتمكن الفرد من وصف المعلومات أو البيانات أو المثيرات التي يتذكرها لابد له أن يوجه انتباهه إلى الأشياء التي لا تثير اهتمامه، ويدرس أو يدقق في كل تفاصيلها، وغالبا ما تكون مثل هذه العملية صعبة ومتعبة في البداية، ولكن على الفرد أن يقحم نفسه بمثل هذه المواقف كونه شرطا أساسيا لأداء هذه العملية. ويتدرب عليها مدة طويلة من الزمن في البداية، وهذا يعني أن عليه اخذ فترات استراحة ثم يحاول إعادة الانتباه والتركيز بفعالية قوية وبمرور الزمن يصبح الأمر أكثر سهولة وأدق اتقانا.

ومن الأمثلة التي يمكن أن يتدرب عليها الفرد هو ما ينطبق على اللمس والشم والشعور بتركيب الزهرة وكم تحتوي من أوراق مثلا، وعلى الرغم من أن هذا المثال بسيط، فانه فعال من حيث البدء في التمرين على أسلوب تركيز الانتباه.

2- ومن ثم يمكن أن يطور الفرد تمارينه في التدريب على تركيز الانتباه و قوة الانتباه الإرادي والإدراك للأشياء المختلفة المحيطة به، وهنا ليس مهما درجة إتقان التدريب بل المهم ممارسته، فالأماكن التي يقوم بزيارتها، طبيعة الإفراد الموجودين في تلك الأماكن وأوصافهم، على الفرد أن يبدأ بملاحظة هذه الأشياء أو الأمور. وبهذه الطريقة أو الأسلوب ستتطور لديه عادة ملاحظة الأشياء (noticing things) وهو أول الشروط المهمة في تطور التدريب على عملية الانتباه.

3- هناك عناصر تقوم بتشويه عملية الانتباه وتؤثر فيما بعد في عملية التذكر، على سبيل المثال عندما يكون يقوم الطالب بدراسة مادة ما في مكان ما، فهناك مجموعة من المتغيرات المتمثلة في مثيرات ومعلومات مختلفة تؤثر على حواسه الخمسة في ذات الوقت الذي يدرس فيه الطالب مادته، هناك صوت يصدر من مذياع قريب أو صور من تلفاز أمام هذا الطالب أو مجموعة من الأفراد الذين يتحدثون قربه بموضوع خاص أو روائح تصل إلى انفه لأكلات أو عطور أو أشياء أخرى، لذا على الطالب أن يعود نفسه بممارسة وتمرين تركيز انتباهه على مثير واحد في ذات الوقت الذي يحيط فيه مجموعة من المثيرات المختلفة، وكل ما يحتاجه الأمر التدريب والممارسة بعزل المثيرات الغير مرغوبة من مدى الانتباه.

4- الاحتفاظ بالتركيز على عملية التعلم يتطلب إثارة اهتمام الآخرين المحيطين بالفرد إلى أهمية الموضع المتعلم بالنسبة إليه، كي يعطيهم فكرة عن أهمية الموضوع بالنسبة له وبالتالي إبعاد اكبر قدر ممكن من المثيرات غير المرغوبة التي يمكن أن تشتت الانتباه وتضعف عملية الانتباه ومن ورائها عملية تذكر تلك الأشياء التي يتعلمها.

5- الاحتفاظ بتسلسل الأفكار فمتى ما يجد الفرد نفسه انه اكتساب المعلومات أصبحت أكثر صعوبة أو مشوشة عليه أن يتوقف، وعلى الفرد تذكر أن التركيز الجيد ينتج ذاكرة جيدة، فإذا وجد الأفكار انتقلت إلى مخازن الذاكرة فهذا يعني أن عملية الانتباه تسير بشكلها المطلوب والعكس أيضا صحيح.

6- يعطي الفرد اهتماما ورغبة لامتلاك مهارات ذاكرة جيدة، وعليه حب ما يعمله، وعليه أن يقحم نفسه في مواقف إحياء الذاكرة الصورية أو التخيلية أو حتى نصا مكتوبا أو شعرا مثلا، وعليه تشكيل كل فكره في كل نشاط يقوم به. فإذا لم يحدث ذلك فان الأمر يؤدي بالنتيجة إلى أن تكون الفرص ضعيفة لتذكر تفاصيل الأشياء، وفي الاتجاه نفسه لا يجبر الفرد نفسه على عمل غير راغب فيه، لان القيام بعمل ما دون رغبه أو محبة هو سلب أو تلف للذاكرة وجعلها لا تحتفظ بأي معلومات عن العمل غير المحبوب أو المرغوب فيه.

7- على الفرد التسلح بالدافعية، لان ما يندفع إليه يكون أفضل بكثير من الانتباه للإعمال أو الموضوعات التي لا دافعية لنا نحوها، فمن له دافعية أن يكون طبيبا أو معلما أو عسكريا أو أي مهنة أخرى يكون مبدعا فيها ويتقن و يتعلم متطلباتها بشكل كبير والعكس صحيح، كما أن الأهداف ومسابقة الزمن تعضد وتدعم الدافعية، والدافعية تعزز من الذاكرة الحادة، ولأجل زيادة الدافعية لدى الفرد عليه مكافئة نفسه على أي عمل ينجزه، وعليه أن يوفر لديه حافز خاص به لكل الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، على سبيل المثال يكافئ نفسه بالذهاب إلى مطعم راقي بعد انتهاءه من انجاز مشروع ما بشكل صحيح من مشروع ما، وعندما ينجز الفرد مهمة كبيرة بإمكانه القيام برحلة سياحية مثلا، على الفرد أن يقوم بشي ما يسره ويسليه بعد إتمامه لمهمات معينة أو كبيرة، عليه أن يتذكر هناك أشياء بطبيعتها جميلة يمكن له استغلالها في تسليته، وفي المجتمعات المتحضرة على الفرد أن يضع له أهدافا حتى يشعر بذاته وانه غير هامشي، فكل مكافئة لنفسه في كل نجاح يحققه ستجعله يندفع للعمل أكثر ويطور اهتماماته أكثر في نشاطاته اليومية، علما بان زيادة الاهتمامات تزيد من فعالية ونشاط الفرد وتجعله منتجا وناجحا أكثر.

8- على الفرد أن يعطي لنفسه شعورا بإمكانية وقدرة تذكر ما يريد أن يتذكره حتى ولو كان بجهد أو بعد جهد جهيد، وان يردد مع نفسه كلما خانته الذاكرة على استرجاع موضوع أو مثير أو موقف أو حالة حدثت له في الماضي ((أني امتلك القدرة على تذكر هذا ولكن احتاج إلى التركيز وتوافر الظروف المناسبة للتذكر وإني قادر على توفير هذه الظروف)).

 إن تطبيق تلك الاستراتيجيات التي تعين أو تساعد على تركيز الانتباه سعيا نحو ذاكرة فعالة ومنتجة يحتاج إلى مواصلة في التمرن من جهة والى إرادة وإصرار على تحقيق الهدف العام من التمرن عليها، فإذا تمكن الفرد من توفير هذين الشرطين الأساسيين قبل الشروع في التمرين فانه يعد المدخل الرئيسي نحو النجاح في الاستيعاب والإفادة من هذه الاستراتيجيات والتي أشارت كثير من البحوث التي أجريت على الانتباه وظروفه إلى نجاحها وبمستويات دالة إحصائية مقارنة بالأساليب التقليدية عند الأفراد. 

وهو ما يقود بالنتيجة إلى تحقيق انتباه جيد لما يتعلمه الفرد ومن ثم الإدراك والتذكر الجيد للتعلم بعد خزنه بشكل صحيح في مخازن الذاكرة، وهذا ما يعني أن المرور إلى الإدراك الجيد لا يكون إلا عن طريق الانتباه المناسب واستعمال مثل هذه الاستراتيجيات سيشعر الفرد انه في الطريق الأمثل للمحافظة على الذاكرة وتحسينها وزيادة حدتها.

* نشر في شبكة النبأ المعلوماتية- نيسان 2011 / جمادى الأولى 1432

اضف تعليق