البذخ عندهم شأن طبيعي وسلوك يومي تقليدي، يريدون من خلاله أن يعرفوا وينتشروا على وفق هذه المظاهر، من دون أن يفكر هذا النوع من البشر؛ إن المرء لا يقاس بما يملكه من مال وثروات وقصور وأراضٍ شاسعة، وإنما بما يملكه من قدرة على إدارة شؤون نفسه وعائلته بالحكمة والسلامة والنباهة...
على عاتق (الفيسبوك) وذمة صديق معني بكل ما هو طريف وغريب؛ «أن وسائل إعلام إماراتية، احتفلت مؤخرا بمرحاض ـ اجلكم الله ـ مرصع بـ 40،815 ماسة، بلغ مجموع أوزانها 434 قراطا بقيمة 1،28 مليون دولار، وتم تسجيله في موسوعة غينيتس للأرقام القياسية، وقد حصل صاحب هذا المرحاض المرصع بالألماس على شهادة أصالة من قبل اكبر عدد من جامعي وتجار الألماس في العالم».
وهذا يعني أن طبع البداوة والتخلف ما زال يسري لدى أولئك، الذين نشؤوا وشاخوا، وهم في هذا الطبع المتخلف الذي لا يعرف كيفية استخدام المال الفائض عن الحاجة، والذي بين اياديهم.. وهو الأمر الذي جعل أصحابها يعملون على تمييز أنفسهم دون غيرهم من الناس، ومن دون أن يحسوا بأن هؤلاء البشر بهم حاجة إلى سد قوت يومهم والى ماء نقي يروي ظمأهم، وإلى علاج يقيهم من أمراضهم وإلى مأوى يصون وجودهم الإنساني، وإلى عمل يوفر لهم العيش بالحد الأدنى لحياة آمنة مستقرة.
ومثل هذا الرجل الغني كثيرون، لا يفهمون شأن غيرهم، وإنما كل ما يعنيهم هو الإبقاء على ما هم عليه من بذخ وجاه وتخمه، وان كان هذا الحال لا يتجاوز المظاهر الكاذبة.. فالرجال الأثرياء من هذا الطراز، لا نجد عندهم العقل الراجح ولا الموقف الإنساني النبيل ولا الوعي المدبر.
البذخ عندهم شأن طبيعي وسلوك يومي تقليدي، يريدون من خلاله أن يعرفوا وينتشروا على وفق هذه المظاهر، من دون أن يفكر هذا النوع من البشر؛ إن المرء لا يقاس بما يملكه من مال وثروات وقصور وأراضٍ شاسعة، وإنما بما يملكه من قدرة على إدارة شؤون نفسه وعائلته بالحكمة والسلامة والنباهة.. ومن ثم ينتقل إلى خدمة المجتمع.
إن المال اذا كان موفورا، قد لا يبقى إلى الأبد.. وإن بقي فإنه يستخدم عندهم في أمور ليست في محلها وفي غير مكانها وزمانها.. وهو الأمر الذي يجعل صاحب هذه الأموال مجردا تماما من حضوره الإنساني، ليبق وجوده المالي هو الحاضر فقط. وهذا لا يعني شيئا في المقاييس البشرية المعروفة، وإنما يكشف عن أنانية وأمية وجهل صاحبه، وعن موقفه السلبي من الناس الفقراء وعدم معرفته بمدى حاجتهم إلى ابسط المستلزمات الضرورية، من دون أن يتولى أمثال هؤلاء المتخمين بالمال إسعاف فقراء الناس والذود عن حياتهم الإنسانية.
فهل يمكن أن نحترم هذا التباهي الأجوف، وهل يمكن أن نعد هذا الإسراف اللامعقول.. معقولا أمام هذا الكم من الجياع والمشردين والحفاة حول العالم كله؟!
إن الطبع الإنساني الذي جبله الله على الخير والمحبة والسلام وإغاثة الآخر؛ لا يمكن له احترام هكذا بشر يثرون بشكل مثير للانتباه، ولهم القدرة على السخاء بما تجود أياديهم في اتفه الأمور، بدلا من صرف المال على الترهات.. ولا علينا من أين جاء هذا الثراء، فهذا شأن آخر يمكن أن يكون له حديث آخر وجدل آخر وأدلة أخرى، ولكننا بصدد هذا الثراء، ولنقل ثراء موروثا في أحسن الأحوال، فهل ترى أن هذا المال لا يستحق أن يصرف على بلاد وشعب وكائنات تعاني الكثير من ضنك العيش.. ألا تستحق البشرية أن نعاضدها ونتعاون معها بوصفها كائنات تماثلنا؟
اضف تعليق