الملاحظة الاولى أنَّ جهتين في امريكا وفي العالم تتعاطى مع اسرائيل، ووفقاً للمصلحة الاستراتيجية والعليا للكيان المحتل؛ جهة رسميّة وهي الادارة الامريكية بمختلف مؤسساتها، و جهة ثانية شبه رسمية وهي اللوبي الصهيوني، وبمختلف مؤسساته ودوائره في امريكا وفي العالم...

ابتدأ بثلاث ملاحظات قبل الاجابة على السؤال، وهي ضرورية لقراءة واستيعاب السؤال والاجابة .

الملاحظة الاولى أنَّ جهتين في امريكا وفي العالم تتعاطى مع اسرائيل، ووفقاً للمصلحة الاستراتيجية والعليا للكيان المحتل؛ جهة رسميّة وهي الادارة الامريكية بمختلف مؤسساتها، و جهة ثانية شبه رسمية وهي اللوبي الصهيوني، وبمختلف مؤسساته ودوائره في امريكا وفي العالم. 

ودوره اكبر واكثر تأثيراً من دور الادارة الامريكية ولا يمكن للإدارة الامريكية اتخاذ قرار او موقف تجاه اسرائيل، وهي تشعرُ بأنَّ القرار او الموقف يزعج اللوبي الصهيوني او لا ينال رضاه، وكلا الجهتيّن الادارة الامريكية و اللوبي الصهيوني مُسّخرتان في خدمة وفي مصلحة اسرائيل .

الملاحظة الثانية أنَّ امريكا كما هو معروف دولة عظمى وكبرى، ولكن هي ليس كذلك ازاء اسرائيل. تصغرُ امريكا تجاه اسرائيل، ولا تتخذ موقفا او قرارا ما لمْ يحظْ برضى اسرائيل واللوبي الصهيوني، وسياسة امريكا تجاه المنطقة مبنيّة على ضوء مصلحة اسرائيل، وأمن إسرائيل هو جزء من الامن القومي الأمريكي. هذه حقائق دامغة، ولا نحتاج إلى براهين وشواهد وتفاصيل .

الملاحظة الثالثة ان الادارة الامريكية لا تريد توسيع الحرب في المنطقة، وترغب، ولأسباب عديدة في ايقاف الحرب، ولكن نتنياهو وحكومته يريدان ويعملان على استمرار الحرب وتوسيعها، والإدارة الأمريكية لم تستطعْ، حتى اليوم، التغلب على ارادة نتنياهو، بل مُلزمة بالمضي معه وعلى هواه، إرضاء للصهيونية، وخشية خسارة الدعم اليهودي والصهيوني، في الانتخابات القادمة، في غضون سبعين يوماً .

مسؤولون في الادارة الامريكية يسعون جادين إلى وقف الحرب وابعاد نتنياهو والعمل على حل الدولتين، في مقدمتهم رئيس ال CIA السفير وليم بيرنس، وهناك حراك دولي وبوسائل ناعمة، ومدعوم حتماً في تجاه الإتيان بسياسي اسرائيلي، ضّدَ نتنياهو، ويدعم حّلْ الدولتيّن، وقد يكون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ايهود أولمرت، الشخص المناسب، والمفضّل للإدارة الأمريكية، وينشط حالياً، لاسيما، خارج إسرائيل في العمل على مشروع حّلْ الدولتيّن .

مسؤولون آخرون، وفي مقدمتهم وزير الخارجية بلينكن، يسايرون الادارة الأمريكية في جهودها، ولكن يؤيدون نتنياهو .

لم يبقْ امام الرئيس بايدن وحزبه الاّ شهرين لموعد الاستحقاق الانتخابي، ايقاف الحرب وابرام صفقة سلام، واعادة الاسرى الإسرائيليين ستكون انجازات له ولحزبه وتساهم في دعم نائبته في سباق الرئاسة، فهل وبالتعاون مع وليم بيرنس، رئيس الCIA يبدأون بخطة باء للتعامل مع نتنياهو والحرب على غزّة؟ 

الخطة الاولى (خطة أ)، والتي اتّبعتها الادارة الأمريكية، وقوامها عامل الوقت وعامل التفاوض وعامل الضغط السياسي والدبلوماسي على نتنياهو من اجل ابرام صفقة سلام، فشلت مع نتنياهو، لكنها نجحت مع أطراف المقاومة، وخاصة إيران وحزب الله. وقد تكون الجهود الأمريكية (خطة أ) احد اسباب تأخّر الرّدْ الإيراني، لا سيما وإيران تبدأ مشوارها برئيس جديد، وكل تصريحاته هي عن السلام والانفتاح والتعاون الدولي والاقليمي .

خطة باء الأمريكية تجاه نتنياهو وحكومته تقوم على تسويق شخصية سياسية اسرائيلية (أولمرت)، غير متورطة مع حكومة نتنياهو، ومعارضة لها ولتوجهاتها، وتقوم ايضاً على تفعيل واثارة الشارع، وهذا ما يحصل ونشهده الآن في اسرائيل. 

يحارب نتنياهو اليوم في غزّة وفي الضفة وفي شمال فلسطين، ويتعرض لضغوط سياسية كبيرة في الداخل ومن حماس، وخاصة بعد مقتل الاسرى الاسرائيليين الستة وكذلك من امريكا. وكتبت صحيفة (وول ستريت جورنال) يوم امس مقالاً (الاثنين 2924/9/2)، تحدثت فيه عن الانتكاسات التي يواجهها الجيش الاسرائيلي على الجبهات الثلاث، فهل سيصمد نتنياهو؟ 

يبدو، من خطابه يوم امس، انه يربط وجود ومصير الكيان بوجوده واستمراره في الحرب، وهذا ما يتعارض كلياً مع الارادة الأمريكية ومع ٨٠٪ من الإسرائيليين، الذين يرون انهيار الاقتصاد وهجرة معاكسة وافلاسا لكثير من الشركات وتدهور العملة والبورصة .

تحرّكَ نتنياهو واستدعى يوم امس رئيس حزب (هناك مستقبل) وزعيم المعارضة الاسرائيلية، ورئيس الوزراء السابق يائير لبيد، وكان لقاء فاشلاً حيث انتقد لبيد وبشدة خطاب نتنياهو ووصفه بالكذب والخدعة.

لا يزال نتنياهو يحظى وبقوة دعم اللوبي الصهيوني في امريكا وفي العالم، وكل الضغوطات الأمريكية والداخلية في اسرائيل ضد نتنياهو تسقط امام دعم و موقف اللوبي الصهيوني مع نتنياهو. ويعتقد اللوبي الصهيوني، مثلما يعتقد نتنياهو، بأنَّ الحرب التي يخوضها الكيان هي حرب مصيرية وحرب وجود او لا وجود لإسرائيل. 

نتنياهو هو واجهه للوبي الصهيوني في اسرائيل و امريكا والعالم، متى ما ادرك هذا اللوبي انه والكيان المحتل بحاجة إلى توقّف واستراحة في الجرائم وحرب الابادة سيبادرون ويأتون بالبديل .

الجميع يراقب ويتابع المشهد، بل مشاهد وليس مشهدا واحدا، ولكن اولئك الذين سواعدهم على الزناد والعبوات على راحتيهم، والصامدون والصابرون في الإنفاق (غزّة) وفي الأحراش والوديان والجبال (لبنان) هم الذين يحركّون المشاهد وهم أبطالها وصانعوها، وبيدهم خواتيم وعواقب الأمور .

اضف تعليق