لاشك ان التشريع سياسة وفن, فهو سياسة لأنه يعمل على بلورة الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستلهما في ذلك روح الدستور والفكرة السائدة فيه واعادة طرح هذه الحاجات في قالب بنيوي يحتويه النص القانوني، اما كونه فن فنعني بذلك مهارة وقدرة الصائغين في تجسيد هذه الافكار والحاجات...

لاشك ان التشريع سياسة وفن, فهو سياسة لأنه يعمل على بلورة الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستلهما في ذلك روح الدستور والفكرة السائدة فيه واعادة طرح هذه الحاجات في قالب بنيوي يحتويه النص القانوني، اما كونه فن فنعني بذلك مهارة وقدرة الصائغين في تجسيد هذه الافكار والحاجات في قالبها الصياغي البنيوي للقانون الذي يستوعب هذه الافكار مستلهما في ذلك اصول الصياغة القانونية واللغوية، وليكون القانون على قدر عالي من الجودة يجب ان يكون مستجيبا للواقع وقابلا للتطبيق فترة طويله وان يكون شاملا ليستوعب كل الفرضيات التي يمكن ان تحدث في الواقع أو على الأقل يستوعب اغلب الفرضيات التي يتوقعها المشرع، لأن القاعدة الفقهية تقضي بأن النصوص متناهية والوقائع غير متناهية، لذا فأن من أخطر عيوب التشريع هو عدم احاطته بموضوع المشكلة أو الحاجة أو الحق محل الحماية والتنظيم بموجب القانون.

وبالتالي فأن النقص أو الاغفال الجزئي يجعل من هذا القانون قاصرا من الناحية التشريعية ومن المؤكد سيثير مشاكل في التطبيق العملي، ان مسودة قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية تضمنت عيبا تشريعيا جسيما، هذا طبعا دون الخوض بموضوع التشريع ذاته ودوافعه ومبرراته لان ذلك يحتاج لمقال اخر اكثر تفصيلا.

عيب تشريعي

هذا العيب التشريعي يتمثل بما تضمنه مشروع التعديل من احالة تشريعية مفرطه الى جهة غير تشريعية لتنظيم مدونات للأحوال الشخصية للمذاهب الخمسة، وهذا يعد تنازلات عن اختصاصه التشريعي الذي ينفرد به وفقا لمبدأ الانفراد التشريعي وقواعد توزيع الاختصاص الى جهة اخرى غير تشريعية لإعداد مدونات تعد اصل التشريع لاحقا.

وهذه مخالفه لاصول العمل التشريعي لان القواعد القانونية بما يجب ان تتصف به من عمومية وتجريد يجب ان لا تثير اي أشكال أو اجتهاد في التطبيق ولاسيما ان الامر يتعلق بوضع مدونات من قبل هيئات دينية تتعلق بالأحوال الشخصية وفقا لكل مذهب حتى يتسنى تطبيقها على معتنقيه لاحقا في حال حصول نزاع معروض امام القضاء.

واذا ما تجاوزنا جدلا الخلافات الفقهية داخل المذهب الواحد بسبب اختلاف الاجتهاد في المسائل التي لم يرد فيها نص في القرآن والسنه وكانت موضع اجتهاد العلماء واليه ترجيح الاجتهاد واجب التطبيق أو تحديد الاجتهاد المشهور، فأن هذا التعديل اذا ما كتب له الصدور سيولد ميتا من الناحية التشريعية لان مجلس النواب تخلى عن اختصاصه التشريعي واحال التشريع الى جهة اخرى غير تشريعية دون سند أو نص في الدستور وهذا يسمى في الفقه القانوني بالاغفال التشريعي غير المباشر أو(التسلب من الاختصاص) ومثل هذا الاغفال عيب تشريعي بين، ففي هذه الحالة نجد ان مجلس النواب بادر واتخذ موقف ايجابي اتجاه حالة اجتماعية وجدت ضرورة ملحة للتدخل تشريعيا. 

الا ان هذا التدخل جاء خلافا لاصول التشريع لأنه تخفف من عبء ممارسة اختصاصه التشريعي وتنازل عنه بصورة غير مباشرة من خلال الاحالة التشريعية لتنظيم احكام الاحوال الشخصية، ان قانون الاحوال الشخصية يمكن للمشرع اجراء التعديلات عليه لإعادة التوازن في بعض الاحكام الوضعية المخالفة للشريعة الاسلامية في مسائل النفقة والحضانة والمشاهدة والاصحاب والاشراف والرعاية.

اما بقية الاحكام الشرعية الواردة في القانون لا تتضمن مخالفه للشريعة الاسلامية واستقر التطبيق القضائي عليها، كما ان هنالك بعض الأشخاص لا يلتزم بمذهب معين وفقا لقاعدة (العامي لا مذهب له) قد يطلب تطبيق الحكم الشرعي الوارد بالمذهب الذي يراه افضل له أو أكثر حفاظا على حقوقه. 

لذا نرى ان التعديل يحتاج لتشكيل لجنه من فقهاء القانون والشريعة الاسلامية من مختلف المذاهب لاعداد مشروع تعديل القانون وفقا للدستور دون أي احالة تشريعية لأنها تشكل عيبا تشريعيا ينال من القانون لأن مجلس النواب عندما يصوت على اقرار هذا التعديل يكون قد صوت على احكام غير موجودة وقت التشريع واعتبرها بمنزله التشريع عند صدورها في المستقبل ومثل هذا الاغفال يجعل القانون محلا للطعن بعدم الدستورية مستقبلا… والله الموفق.

اضف تعليق