على نتنياهو ان يدرك أن امريكا لا تقاتل بدلاً عن نتنياهو وجنوده، تزوّد اسرائيل، بكل ما تحتاجه من سلاح و دعم واستشارة الخ .. لكنها لاتقاتل بالنيابة، وليس لديها ملكة الصبر، بل بالعكس، جزعت وفشلت في الحروب التي خاضتها، والتي اختارتها او أشعلت فتيلها...

لقاء وداع مهزوم لمهزوم. لقاء مجرم حرب لآخر أعانه في ارتكاب الجرائم. ومثلما وصفه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بيرني ساندرز، في مقابلة له على قناة “ام إس ان بي سي”، بتاريخ 2024/7/20، وقال: ”لن احضر خطاب مجرم حرب امام الكونغرس الأمريكي”، قاصدا، بطبيعة الحال خطاب نتنياهو امام الكونغرس الأمريكي .

على الانسانية وتاريخ الشرف والاخلاق، ان يذكروا أن امريكا، بلد الديمقراطية وحقوق الآنسان، كرّمت مرتكب جرائم حرب وابادة وضدّ الانسانية بخطاب رسمي امام ممثلي الشعب الأمريكي. ولعلم القارئ الكريم، أنَّ هذه التوصيفات للجرائم المُرتكبة (جرائم حرب، وابادة، وضد الانسانية) شُرِّعتْ ودوّنت باتفاقيات اممية ودولية على أعقاب النازية والحرب العالمية الثانية، اي بمعنى آخر هي جرائم نازيّة !

هذه الزيارة وحدها تكفي لإدانة معنويّة اخلاقية حضاريّة لأمريكا، لستُ أنا او انتَ مَنْ يُدين، ولكن شرفاء وعقلاء العالم، والتاريخ وكل مَنْ يدرك الأبعاد الاخلاقية والانسانية لتكريم مجرم حرم .

لم يهملْ نتنياهو ما ينبغي عمله واتخاذه، قبل لقائه بايدن، والادارة الأمريكية واللوبي الإسرائيلي في امريكا، فأوفد إلى الدوحة معتمديه في مفاوضات صفقة تحرير أسراه في غزّة، والغرض تهدئة وتطيب خواطر لمن ينتظره في امريكا بسؤال او عتاب عن الاسرى. كما لم يغادر إسرائيل قبل ان يأمر بقصف المنشآت النفطية اليمنية في ميناء الحديدة، رداً على مسيّرة يافا التي انتحرت في تل ابيب. اعتداء نُفّذَ بتعاون إسرائيلي أمريكي بريطاني وآخرين .

للزيارة اهداف وابعاد سياسيّة ودعائية لنتنياهو اكثر من اهداف عسكرية او اعلان حرب، اللهّم إلا طلب نتنياهو وحكومته التعجيل في ايصال الذخيرة التدميرية، وعدم إزعاجه في مواصلة ارتكاب الجرائم، ومساعدته في إسكات او تهدئة قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

عنوان زيارة نتنياهو هو القاء خطاب الهزيمة وارتكاب الجريمة في غزّة، وعدم تحقيق الاهداف، ولكن جدول أعمال الزيارة يتضمن فقرات معلنة واخرى غير مُعلنة، بطبيعة الحال لقاؤه مع الرئيس بايدن ومع صقور الادارة الأمريكية ومع اللوبيات الصهيونية .

ماذا سيقول نتنياهو في خطابه، وعلى اي موضوع سيركّز ويدغدغ مشاعر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، بن غاردين، والمعروف بدعمه المطلق لإسرائيل، ومواقفه غير الوديّة لمصر ولايران ودول اخرى في المنطقة؟

سيتجنب ذكر غزّة، لأنَّ ذكر غزّة سيعرض فيلماً طويلاً في مخيّلة كل إنسان مستمع، لمشاهد وصور عن الأطفال والنساء والشيوخ الذين ذبحوا ودفنوا احياء، وصور عن الغزاويين، وهم مقتادون حفاة عراة، من قبل احفاد اليهود، على شاكلة طوابير الهولوكست .

سيتجنّب ذكر غزّة، لان نطق الكلمة، يذكره بفشله في تحقيق اي هدف، ويرعبه ويخيفه وهو لا يريد ان يبدو مرتبكاً وخائفاً في خطابه، سيركّز على ايران وحماس، ويعتبرهما مصدر الإرهاب، ليس فقط لإسرائيل وانما لحلفاء إسرائيل والمنطقة، وتركيزه على ايران فيه رسالة اخرى للرئيس المقبل، بخصوص الملف النووي .

سيكون الجديد في خطاب نتنياهو امام الكونغرس ،مقارنة بخطابه عام 2015، هو ان نتنياهو جاءهم ،هذه المرّة بعدو جديد لإسرائيل، ألا وهو اليمن، ليتَ يلتفت ويدرك المشرعون الأمريكان والسياسون والنخب الأمريكية، وهم يستمعون إلى خطاب نتنياهو، أنه جاءهم، هذه المرّة، بعدو جديد وهو اليمن. تمرّ السنون ودائرة العداء والمقاومة لوجود الكيان تكبر وتقوى .

مقاومة إسرائيل لم تعد محصورة على بلدان الطوق، والتي اصبحت فاعلة مقاوماتياً بالفصائل والحركات والرفض الشعبي لوجود الكيان، وانما ايضاً ببلدان وحركات عابرة لبلدان الطوق (المقصود ببلدان الطوق هي الدول الحدودية لفلسطين المحتلة)، وهو مفهوم سياسي وجغرافي كان سائداً في تسعينات القرن الماضي، لوصف وضع وسياسة إسرائيل في المنطقة .

ماذا عن اللقاء بين نتنياهو وبايدن، والذي يمكن وصفه وباستحقاق، بأنه لقاء المهزومين؟ كلاهما في ورطة، وخاصة نتنياهو، أمامهما خياران، أحدهما اسوأ من الآخر: خيار توسيع الحرب، ولكن توسيع الحرب على مَنْ؟ على غزّة واصبحت مقفرة ولا بنك اهداف، وحتى ركام الدمار اصبح سواتر للمقاومة، وعلى حزب الله ام على اليمن ام على ايران؟

انشغال وتفرغّ إسرائيل لاحدهم، يدعو الجميع للانشغال بإسرائيل، ويفتح عليها ابواب الجحيم، واذا اختارت اسرائيل توسيع الحرب، ليس هي من تقرر حصرها او وقفها، امريكا واسرائيل تدركان ذلك جيدا بأنَّ الحرب القادمة ليست لايام او شهر، وإنما لسنوات .

إسرائيل امام عدو في غزّة تدعمه ميدانياً ساحة إسناد وجبهة إسناد، والجميع يقاتلون دون سقف زمني، نتنياهو عاجز عن توسيع الحرب، ومعنى توسيع الحرب هو هجوم جوي و بري على لبنان، يبحث نتنياهو اليوم عن مخارج سياسية، ليس مع الفلسطينيين ولا مع حزب الله، ولكن مع الامريكين، لتحقيق شبه انجازات سياسية واسترداد المعنوية له وللمستوطنين. انجازات سياسية تتمثل بتوسيع دائرة التطبيع، حمايته من الملاحقة القانونية، دعم أمريكي للملمة الداخل الاسرائيلي المنقسم واليأس، دعم أمريكي لتهدئة الرأي العام الدولي ضد ما ارتكبته إسرائيل في غزّة .

لذلك، سيعود نتنياهو ”بخُفّيْ حُنيَّنْ”، لا تغيير للمنطقة بعد الزيارة، سيعود وسيسخر منه منافسوه في المعارضة. على نتنياهو ان يدرك أن امريكا لا تقاتل بدلاً عن نتنياهو وجنوده، تزوّد اسرائيل، بكل ما تحتاجه من سلاح و دعم واستشارة الخ .. لكنها لاتقاتل بالنيابة، وليس لديها ملكة الصبر، بل بالعكس، جزعت وفشلت في الحروب التي خاضتها، والتي اختارتها او أشعلت فتيلها ، ادرك محور المقاومة ذلك، لذا نجدُ المقاومة في غزّة وساحة وجبهة إسنادها يقاتلون بشجاعة وبثقة عالية، ولديهم الجرأة على التحدي والإقدام .

*سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /

اضف تعليق