هل تنجح القوى السنية من المضي بتجاه الإقليم؟ وفق المعطيات والظروف الحالية لا يمكن تحقيق ذلك ولعدة أسباب، السبب الأول ان الشخصيات المطالبة في الانفصال بالوقت الحالي لا تتمتع بمقبولية في الوسط السني، مع الاخذ بعين الاعتبار وجود شريحة عريضة تريد الاستقلالية، اما الاسباب الاخرى فهي...

منذ تغيير الخارطة السياسية في العراق على يد قوات الاحتلال الأمريكي تعالت الدعوات الى تغيير الخارطة الجغرافية للبلد، ومنذ ذلك الحين تطفوا الى السطح الرغبات السنية بإنشاء الإقليم السني الذي يشمل المحافظات الغربية من البلاد وحزام بغداد ونينوى.

كثرة المطالبات بهذا الإقليم من قبل الجانب السني جعلت البعض يتوقع الا يصمد هذا البلد طويلا امام رياح التغيير الهابة من المناطق الغربية، تحمل معها توصيات ورغبات لزعماء دول عربية لا تريد ان ترى عراقا موحدا يعيش ابناءه تحت خيمة الوطن الواحد.

ومع التوجيه الذي جاء لأبناء المناطق الغربية بعدم الاشتراك بالانتخابات البرلمانية الأولى، وبالفعل التزم اغلب أبناء تلك المحافظات في المقاطعة غير المدروسة، والتي اثرت بشكل مباشر في عملية التمثيل السياسي للسنة، وبما ان الاغلب مقاطعون فأن مشاركتهم في العلمية السياسية كانت ضعيفة تتناسب مع نسبة المشاركة في الانتخابات.

الحظوظ القليلة في المناصب السيادية بالنسبة للسنة جعلت نبرة التقسيم ترتفع مجددا، مصحوبة بعملية تحريض جماهيري لتأليب أبناء تلك المحافظات على القوى الشيعية التي اذت بزمام الأمور وتولت علمية إدارة البلد وتقسيم المناصب بعيدا عن الشركاء الذين اختاروا عدم الدخول الى مضمار السياسة في ظل الاحتلال.

وما عضد هذه المطالب هو مجيء الدستور العراقي المصوّت عليه عام 2005، ليكرس هذا التوجه وإن كان بصيغة مُخفّفة، يوم أُطلِق عليها اصطلاح الأقاليم، والتي شُرعت وفقاً للدستور وبات من حقوق المحافظات العراقية أن تنتظم بنفسها أو بمفردها، في إقليم خاص بها بعد تصويت ثلاث محافظات على الانفصال.

لم يتعظ الاخوة في المناطق السنية بعد فشل التجربة الشيعية المطالبة بإقليم شيعي يتضمن المحافظات الجنوبية والوسطى، على الرغم من إمكانية تحقيقه؛ لوجود الكثير من العوامل المساعدة، أولها الأغلبية على المستوى السياسي والشعبي، وكذلك وجود موارد اقتصادية هائلة في المحافظات الجنوبية كالنفط والموانئ والمنافذ الحدودية البرية.

بالإضافة الى ذلك فان الانفصال حق كفله الدستور، لكن المفارقة في السياسية العراقية ان المواد الدستورية في كثير من الحالات تركن وتُفعّل التفاهمات والتوافقات السياسية، ولان الظروف غير مواتية لإقامة إقليم الوسط والجنوب لم تمض القوى الشيعية بهذا الاتجاه وفضلت الهيمنة على رأس السلطة في بغداد.

 فكرة التقسيم الى اليوم غير مستساغة من قبل العراقيين على اختلاف توجهاتهم وطوائفهم وعرقياتهم، تولد لديهم شور أن الذي يحصل ليس سوى بداية لتقسيم دائم، فوقفت كثير من تلك القوى والتيارات السياسية، وحتى الدينية والمجتمعية، ضد الفكرة التي سوّقها داعموها أنها ستمنع عودة الديكتاتورية، ونظام الحكم الشامل، اللذين عانى منها العراق كثيراً.

ورغم اجهاض فكرة المركزية المطلقة التي صوّت عليها إقليم كوردستان، فلا يزال العرب السنة متمسكين بكرة الإقليم السني ولديهم اعذارهم او نقاط قوتهم كما يسمونها، لإقناع جمهورهم الداخلي، منها ان المواطن السني أصبح يُعامل على انه مواطن من الدرجة العاشرة وليس الثانية او الثالثة.

وكذلك لديهم ملاحظات على ممارسات بعض القوات الأمنية ومنها الحشد الشعبي الذي احكم قبضته على المدن بمعية التشكيلات الأخرى، وهو ما شكل عنصر ازعاج لمن يريد ان يعيث في الأرض فسادا ويزعزع استقرار هذه المدن بعد ان قدم البلد تضحيات جسيمة لطرد المجاميع الإرهابية.

فهل تنجح القوى السنية من المضي بتجاه الإقليم؟

وفق المعطيات والظروف الحالية لا يمكن تحقيق ذلك ولعدة أسباب:

السبب الأول ان الشخصيات المطالبة في الانفصال بالوقت الحالي لا تتمتع بمقبولية في الوسط السني، مع الاخذ بعين الاعتبار وجود شريحة عريضة تريد الاستقلالية.

اما السبب الثاني ان عدد كبير من الساسة السنة المنخرطين في العملية السياسية في بغداد ومحافظاتهم غير مستعدين للتخلي عن امتيازاتهم التي من المؤكد ستختفي بعد انشاء الإقليم.

ثالث هذه الأسباب هو الوضع الدولي والإقليمي لا يسمح بهذه الحركة وعلى الأقل في الوقت الحالي والسنوات الليلة القادمة، في ظل النزعات الدولية القائمة بين الأقطاب الدولية.

والسبب الرابع وهو ربما الأهم، ان مسألة التلويح بالإنفصال والاقليم هي أداة من أدوات الابتزاز السياسي يتم استخدامها بين فترة وأخرى لتحقيق مكاسب ومن ثم تختفي من الوجود. 

اضف تعليق