لم يتفق شعب في العالم على إطلاق تسمية (الدفتر) على العشرة آلاف دولار امريكي و(الورقة) على المئة دولار، إلا نحن الذين أعرنا الكون بهجته، حتى أن صديقاً من لبنان سألني مرةً عن سر هذه التسميات العجيبة لدى العراقيين ومتى اتفقنا عليها وكيف نميّز بينها وبين دفاتر التلاميذ في المدارس، ومن الذي إخترعها؟...

لم يتفق شعب في العالم على إطلاق تسمية (الدفتر) على العشرة آلاف دولار امريكي و(الورقة) على المئة دولار، إلا نحن الذين أعرنا الكون بهجته، حتى أن صديقاً من لبنان سألني مرةً عن سر هذه التسميات العجيبة لدى العراقيين ومتى اتفقنا عليها وكيف نميّز بينها وبين دفاتر التلاميذ في المدارس، ومن الذي إخترعها؟ وبالطبع ليس بالإمكان معرفة أسماء السادة المخترعين لمثل هذه المصطلحات التي تملأ حياتنا ولانعرف مصدرها.

لكن هذا الميل نحو الإختصار او الترميز الشعبي لا يخلو من مهارة وطرافة، ويُعد بحد ذاته دليلاً على ان العراقيين يمكن أن ينهوا جميع خلافاتهم ويتفقوا على كل شيء يوماً ما، لكن لا ادري متى يأتي (يوماً ما)؟ أما الغريب في قصة الأوراق والدفاتر فهي ان الشاب العراقي المكافح يجهد نفسه كثيراً بالعمل الشريف حتى يمتلك ألفاً او عشرة آلاف دولار، ولو تسأل أي شاب ماذا تفعل لو كنت تملك (دفتر ونص) أي خمسة عشر الف دولار؟ 

فقد يكون حلمه شراء سيارة أجرة او الزواج او مساعدة عائلته بشراء منزل او دفع أقساط دراسته في الكلية الأهلية ليصبح طبيباً ويفتح عيادة، لكن رياح الفساد حين تهب تفسد حتى أحلام الشباب، ومن أخبار هيئة النزاهة الإتحادية الخاصة بهذا النوع من الأحلام الوردية الضائعة في مهب رياح الفساد، هو خبر الإيقاع بضابط كبير في جهاز الأمن الوطني مُتلبّـساً باقتراف جريمة الرشوة بمبلغ قدره (15,000) ألف دولار أمريكي مقابل تعيين أحد الشباب الذي أتعبته الحياة ويريد أن يقبض راتباً شهرياً ويستريح، وبعد تقديم الشكوى بحق الضابط المرتشي تم ضبطه متلبساً بالجرم المشهود أثناء تسلمه مبلغ الرشوة مع ضبط عشر معاملات تعيين في سيارته الشخصية. 

وإذا إفترضنا ان الضابط قد طلب مبلغ رشوة لكل معاملة بخمسة عشر الف دولار فمجموع الرشاوى هو (عشرة دفاتر) أي مئة وخمسون مليون دينار عراقي تقريباً، لكنّ هذا الضابط المضبوط انتهت قصته بالقبض عليه بالجرم المشهود وتكفّل قاضي النزاهة المختص بإكمال القصة وتبديد حلم الدفاتر في الهواء ووراء القضبان، ولو يحقق المحقق ملياً في الموضوع فلا أستبعد أن يجد الضابط قد تعيّن بدفتر او نص دفتر، لأن الفساد يجر الفساد وحبل الفساد قصير ايضا.

وأعود للسؤال ماذا لو كنت تملك خمسة عشر الف دولار؟ هل تدفعها لموظف او ضابط ليحصل لك على درجة وظيفية بعد ان جمعتها بعرق جبينك؟ ثم لا تحصل عليها ولا يهنأ بها المرتشي، وإذا إفترضنا انه أفلت من العقاب وتمكّن من تحويلك الى ضابط مثله فهذا من سوء حظ الشعب أولاً، والأمن ثانياً، والشاب ثالثاً الذي يتعيّن برشوة وينتهي برشوة وبخبرٍ عاجل من أخبار هيئة النزاهة عن نهاية ضابط مضبوط بمذكرة ضبط أصولية.

اضف تعليق