بعد استعراضي في الحلقات السابقة لدور الجيش العراقي كمصدر رئيس من مصادر القوة الاجتماعية في العراق منذ تأسيسه ولغاية حله على يد الاحتلال بالامر رقم 2 الذي اصدره الحاكم المدني (بريمر)، بدأت في تحليل دور القوة العسكرية في العراق في ضوء انشاء الجيش الجديد بحسب امر سلطة الاحتلال رقم 22...

بعد استعراضي في الحلقات السابقة لدور الجيش العراقي كمصدر رئيس من مصادر القوة الاجتماعية في العراق منذ تأسيسه ولغاية حله على يد الاحتلال بالامر رقم 2 الذي اصدره الحاكم المدني (بريمر)، بدأت في تحليل دور القوة العسكرية في العراق في ضوء انشاء الجيش الجديد بحسب امر سلطة الاحتلال رقم 22 في اب 2003. 

قلت ان هذا الجيش (الجديد) بحسب امر تشكيله وطريقة تشكيله اريد له ان يخدم اساسا قوات الاحتلال الامريكي التي كانت تعاني من عدم قدرتها على ضبط الامن في اعقاب حركة المقاومة المسلحة الواسعة لها،والتي لم تتوقعها كما يبدو، وكذلك بسبب التوترات الطائفية التي كانت تنذر بوضوح بامكانية حرب اهلية في العراق. 

وبعد القضاء على عصابات القاعدة في العراق في 2007-2008 نتيجة التعاون بين قوات الاحتلال والصحوات في المناطق (السنية) وكذلك قوات الجيش العراقي الجديد، بدأت مرحلة جديدة تمثلت بهدوء نسبي في التوترات الامنية، لكنها كشفت ايضا عن عدم قدرة الجيش العراقي الجديد على القضاء على القاعدة بدون الاعتماد على الجيش الاميركي من جهة، وسكان المناطق (السنية) الذين شكلوا بمساعدة الاميركان ميليشيات مسلحة سُميت بالصحوات لعبت دورا رئيسا في دحر القاعدة. 

وعلى الرغم من ان ذلك التعاون مع الصحوات كان يمكن ان يشكل منطلقا قويا لتأسيس علاقة جيدة بين الجيش وبين ابناء مناطق (الصحوات) وبما يعزز من تماسك الامن الداخلي من جهة، فضلا عن تعزيزه لدور الجيش كمصدر قوة في المجتمع، الا ان من جرى بعد ذلك من ممارسات في تصفية الصحوات وملاحقتها وقطع رواتبها عمق الفجوة بين ابناء تلك المناطق وقواتها المسلحة.

تحديات امنية

كما كشفت تلك المرحلة عن تنامي قوة الميليشيات في العراق وبدء تحديها العلني لسلطة الدولة وجيشها (الجديد). لقد كانت «صولة الفرسان» في اذار 2008، احد اوجه ذلك التحدي والتي اثبتت نتائجها مرة اخرى عدم قدرة الجيش العراقي (الجديد) على مواجهة التحديات الامنية دون الاستعانة بقوات الاحتلال الامريكي.

وبغض النظر عن تقييم موقف حكومة المالكي انذاك من صولة الفرسان، او من الصحوات ومحاولات تفكيكها واضعافها، لان ذلك ليس من اختصاص هذه الدراسة، فقد كان واضحا ان الجيش العراقي (الجديد) ولعوامل كثيرة كان غير مهيا لحفظ الامن في العراق، بل مثلت مواجهاته تلك وطريقة تشكيله وقيادته وحركاته عامل مضاف من عوامل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي كما كشفت عن ذلك استطلاعات الراي العام التي اجريت في مناطق العراق المختلفة والتي اظهرت تباين، بل تناقض، في مواقف العراقيين تجاه جيشهم الجديد. 

ففي الوقت الذي اظهر فيه (الشيعة) رضا عام، وليس تام، عن الجيش الجديد والقوات المسلحة عموما، كان هناك تاييد اقل في المناطق الكردية ومعارضة اشد له في المناطق (السنية). ويبدو ان القيادة السياسية في العراق ادركت انذاك نواحي الضعف وقلة الكفاءة التي برزت في مواجهات الجيش (الجديد) سواء مع عصابات القاعدة او في صولة الفرسان التي اراد فيها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، القضاء على جيش المهدي فلم يستطع ذلك على الرغم من التقوق العددي والتسليحي للجيش مما اضطره للاستعانة بالقوات الامريكية لحسم المعركة! 

لهذه الاسباب ولسد النقص والفراغ الامني الذي سيحصل نتيجة انسحاب القوات الامريكية الوشيك انذاك، فقد صدر قرار في 2010 باعادة 10 الاف ضابط من الجيش والقوات الامنية للنظام السابق للعمل ضمن الجيش وباقي افرع القوات الامنية. لقد تبوا كثير من هؤلاء الضباط فيما بعد مناصب قيادية داخل منظومة القوات المسلحة العراقية.

 شهدت الاعوام 2008-2013 غليان سياسي ومواقف متشجنجة بين كل اطراف العملية السياسية في العراق انعكست سلبا على دور الجيش العراقي الجديد والقوات المسلحة الاخرى فيه وفاقمت من التحديات التي يواجهها العراق وقواته المسلحة. 

ففي ت2 2008 اقر البرلمان العراقي الاتفاقية الامنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي مع اميركا بجلسة صاخبة شهدت معارضة قوية لها. وفي شباط 2009 اعلن الرئيس الاميركي، باراك اوباما، وطبقا لتلك الاتفاقية انسحاب القوات الامريكية من المدن والبلدات العراقية، وحدد انتهاء المهام القتالية بحلول اب/ اغسطس 2010 على ان يتم الانسحاب النهائي نهاية العام 2011. 

وبذلك استلمت القوات العراقية كامل المسؤولية الامنية في العراق. ترافق ذلك مع ازمة سياسية خانقة نتجت عن انتخابات 2010 التي اسفرت عن فوز القائمة العراقية برئاسة علاوي باغلبية المقاعد، ومع ذلك اتفق الاميركان والايرانيين على تسليم رئاسة الوزراء الى المالكي، بمساعدة المحكمة الاتحادية انذاك والتي اصدرت قرارا غريبا منح التحالف (الشيعي) المنافس للقائمة العراقية سلطة تشكيل الوزارة الجديدة ورئيسها! 

وبذلك فقد تجنب الاميركان غضب ايران واتباعها في العراق مما قد يؤدي لانسحاب (صاخب) وغير سهل لقواتهم القليلة المتبقية انذاك. وهكذا تم نقل مسؤولية السيادة على العراق بسلاسة ودون خسائر امريكية الى حكومة المالكي الثانية. كان لهذا الموقف اثر كبير على القوى (السنية) والعلمانية المشاركة في العملية السياسية واججت فيما بعد كثير من المشاكل الامنية بخاصة في المناطق»السنية» التي خرجت باعداد كبيرة للتصويت لقائمة علاوي. 

ترافق ذلك مع بدء حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق (بخاصة بغداد) والتي على الرغم من انها سبقت في بداياتها احداث ما سمي بـ (الربيع العربي) لكنها زادت في حدتها وانتشارها متاثرةً بذلك الربيع. وشهد عامي 2012-2013 تصاعد الخلاف السياسي في المناطق (السنية) مع بغداد وخروج الكثير من التظاهرات هناك مما قاد الى مهاجمة القوات العراقية للمتظاهرين والمحتجين في الحويجة في نيسان 2013.

مقتل متظاهرين

واسفر ذلك عن مقتل 54 متظاهر وجرح العشرات! كما شهدت تلك الفترة اختراقات امنية خطيرة من قبل المجاميع الارهابية التي ارسلت انتحارييها باعداد كبيرة ليرتكبوا مجازر كبيرة في كل مدن العراق. مهدت هذه التعقيدات في المشهدَين الامني والسياسي الى مرحلة جديدة ليس في تاريخ الجيش والقوات المسلحة، بل في تاريخ العراق الحديث حينما تمكن بضع مئات من ارهابيي داعش من اجتياح مناطق واسعة من العراق بدات بالموصل وانتهت عند تخوم بغداد في حزيران 2014 وفي اعقاب انتخابات برلمانية جدلية قادت لمزيد من المشاكل وعدم الاستقرار السياسي. تلك المرحلة هي ما ساناقشه في المقال القادم.

اضف تعليق