فلو كشف النقاب وظهرت حقيقة الريع للجميع وان مفهومها واقعا لا يختلف عن أية سرقة أخرى فإنها إما ستضمحل أو تتضاءل، وإما في أقل التقادير سيتعامل مع المولعين بها كما يتعامل مع اي مجرم أو جان آخر ولكن لابد وأن يأتي يوم للمحاسبة...
كيف تؤثر الدولة الريعية على قيم العمل وثقافة الإنتاج في المجتمع؟ وماهي السياسات اللازمة لتشجيع حب العمل ونبذ الكسل بين أفراد المجتمع؟
لو راجعنا القاموس التقليدي من كتب الأثر والتراث بل وربما حتى النصوص الدينية لوجدنا أن مفهوم الريع هو نفسه المتداول عند الأقدمين وكان يوصف بالربا، وفي الأزمنة المتقدمة وصف بالاستثمار وجني الأرباح البنكية أو جوائز السحب واليانصيب او المنح وما أشبه..، وكل تلك المفاهيم مع تعدد أسمائها وصفاتها تؤدي إلى نفس النتيجة حيث تثمر أموالا جاهزة من غير تعب أو مشقة والذي يؤدي بدوره إلى الخلل في النظام الاقتصادي حيث يدعو إلى الكسل والخمول بدل العمل والنشاط والإبداع في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
فالأصل في الحياة هو الاستفادة العامة وتلبية حاجات المجتمع واستثمار جميع الفرص للحفاظ على الحقوق، إلا ان الظاهرة الريعية بجميع مفاهيمها تؤدي إلى انتفاع فئة على حساب فئة أخرى، ذلك لأن الهدف قد تحوّل من انتفاع الغير أو حتى الانتفاع المتبادل؛ إلى انتفاع شخصي بحت فصار الهم تكثير الثروة بأي ثمن من الأثمان ولو على حساب السلب والنهب والسرقة وذلك في نوعه الجديد وعنوانه البراق الذي يعنون بعنوان النظرية الريعية..
من هنا وبناء على هذا الأساس ولو عدنا مرة أخرى إلى الأثر الذي يذكره القرآن عن الربا نراه يصف هذه الفئة بـ "لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" حيث خرجوا عن طريق الاعتدال وأصبحوا سكارى الأموال التي تأتي إليهم بسهولة ويسر، إضافة إلى حالة الأنانية والانفراد التي تصحبهم في نهب الثروات العامة وتخصيصها لأنفسهم، وتركهم "أحل الله البيع" وهو رمز للعمل والنشاط الذي يخدم جميع الأطراف..
ومن جهة أخرى من يحصل على هذا النوع من المال لا يستطيع أن يترك هذه الطريقة وهو قد حصل عليه بسهولة فكيف يترك الأسهل ويتجه نحو الأصعب..
أما الحل أو السياسة اللازمة لنبذ هذه الظاهرة؛ فهو في الدرجة الأولى يكون بالكف عن تلميع جميع صوره وأشكاله في الإعلام والثقافة العامة التي غيّرت مسمياتها إلى أسماء جذابة ممدوحة ومحببة، فالذي يحظى بأرباحها يطلق عليه اسم المحظوظ والذكي والعبقري والقدوة في مجال جني الأرباح والذي ينبغي أن يحتذى به، بل ويطلقون على أنه نوع من التجارب المقبولة؛ "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا"، فلو كشف النقاب وظهرت حقيقة الريع للجميع وان مفهومها واقعا لا يختلف عن أية سرقة أخرى فإنها إما ستضمحل أو تتضاءل، وإما في أقل التقادير سيتعامل مع المولعين بها كما يتعامل مع اي مجرم أو جان آخر -وإن لم يكف المجرمون عن إجرامهم-.. ولكن لابد وأن يأتي يوم للمحاسبة..
اضف تعليق