الإخفاقات الحكومية في إيجاد الحلول لبعض المشكلات القائمة والمتجذرة في البلد يدفعها الى اتخاذ بعض القرارات ذات الابعاد السلبية على الحكومة والافراد دون استثناء، والمضي بهذا الاتجاه وعدم التراجع ربما يشجعها على رفع قيمة الفواتير الأخرى كالماء والكهرباء، ويبقى المتضرر ومن يدفع ضريبة أخطاء إدارة البلد هو المواطن...
تعرضت النظرة الإيجابية التي كونتها حكومة محمد شياع السوداني الى هزة شعبية غير متوقعة، فالنظرة الحسنة جاءت بعد توظيفها أكثر من 800 ألف مواطن في القطاع العام، وعملها الدؤوب من اجل فك الاختناقات المرورية التي تشهدها العاصمة بغداد، لكنها بعد القرار الأخير المتعلق برفع سعر البنزين المحسن الى 850 دينار للتر الواحد، من المرجح ان تعرض نفسها الى موجة غضب صاخبة.
حكومة السوداني تعتقد ان القرار الأخير الخاص برفع سعر البنزين عالي الاوكتان يندرج ضمن الحلول الاقتصادية النافعة لتحسين المدخلات الحكومية، لكنها اغفلت ان هذا العلاج هو علاج اقتصادي مر لا يمكن ان يتجرعه الشعب، فالتجرع يعني امتصاص لدماء المواطنين من جميع الشرائح وليس الشريحة المتوسطة او ذات الدخل المرتفع فحسب.
واعطت حكومة السوداني نفسها المجال لعدم شن الهجوم الشعبي عليها، ذلك من خلال ابقاءها على التسعيرة القديمة للبنزين العادي البالغة 450 دينار للتر الواحد، في خطة منها لتخفيف الضغط على أصحاب سيارات الأجرة المعتمدين في كسبهم على التجول اليومي في الطرقات.
هنالك حقيقة ربما غائبة عن رئيس الحكومة الحالية وفريقه من المستشارين الذين أشاروا عليه بضرورة رفع السعر، هذه الحقيقة هي ان أصحاب عجلات الأجرة ومنخفضي الدخل يلجئون الى التزود بالوقود المحسن نظرا لرداءة المنتوج العادي وانخفاض نسبة الاوكتان فيه، لذا فالضرر سيأخذ مديات أوسع عما تتصوره الحكومة واقتصاره على الطبقات من ذوي الدخل المرتفع.
المواطن كان يتطلع من الحكومة الحالية إصلاحات اقتصادية شاملة، ولم يتوقع ان تقدم على صفعه بخبر القرار الذي كون لديه صدمة، وقد تنضج الى ردود فعل شعبية متمثلة باندلاع المظاهرات التي اخذت بوادرها بالظهور في بعض مناطق البلاد لاسيما جنوب البلاد ومظاهر متفرقة في بغداد.
الاعتراض عادة ما يأتي على الأشياء والقرارات غير المنطقية او غير المدروسة، وخير الأمثلة على ذلك عدم الاعتراض على خطوة نصب الكاميرات الذكية في بغداد والمحافظات، كبادرة لتقليل المخالفات المرورية والحد من وقوع الحوادث الدموية نتيجة السير بسرعة جنونية وعدم مراعاة خصوصية المناطق والسير وفقا لهذه الخصوصية.
لكن الغضب بخصوص رفع قيمة النزين له دواعيه ومبرراته التي ذكرت سلفا، ومن المتوقع ان يقود الى نتائج سلبية أخرى تنعكس على الشارع، فغالباً ما يتسبب الغضب الشعبي بتراجع حظوظ رئيس الوزراء الانتخابية؛ ما يعني إمكانية تراجع السوداني عن قرار زيادة سعر الوقود، أو أن يواجه تداعياته المحتملة، لكن الأرجح هو العدول عن القرار وتأجيله الى مرحلة أخرى.
للمختصين رأي مغاير تماما عن الآراء الشعبية، فهم يقولون ان رفع سعر البنزين يعد قرار جريء ويعبر عن قوة الحكومة في معالجة الازمة الاقتصادية التي تراكمت منذ قرابة العقدين حتى وصل الدَين الخارجي الى ما يقرب من الــ 70 مليار دولار بحسب مؤشرات رسمية، وهو ما أدى الى التفكير ببعض المعالجات والخروج من عنق الزجاجة الدولية التي اخذت تضغط على الحكومة الحالية للإيفاء.
ومن الأسباب التي قدمتها الحكومة لزيادة الأسعار هي للمساهمة في تقليل الازدحامات المرورية وفقك الاختناقات التي تشهدها أكثر مناطق العاصمة حيوية، مما أدى الى التأثير عمل المؤسسات الحكومية، مما أجبرت الرئيس مجلس الوزراء الى اتخاذ قرار بتغير أوقات الدوام بين الوزرات كتجربة خاضعة للتقييم بعد ثلاثة شهور من التنفيذ.
العراق من البلدان الداعمة وبشكل كبير لأسعار الوقود، ومقابل هذا الدعم تتكبد خسائر كبيرة إلى جانب اشتراطات وضغوط تمارسها مؤسسات مالية دولية للضغط على العراق ليتراجع عن دعم السلع والخدمات التي تثقل كاهل اقتصاده المثقل أصلاً، فمن الصحيح ان تلتزم الحكومة بالرؤية الدولية الخاصة في المجال.
من الحق ان ينضوي العراق تحت المضلة الاقتصادية العالمية، لكنه في الوقت نفسه عليه ان يُشعر المجتمع الدولي بخصوصيته المتمثلة بأنه من البلدان النفطية في المنطقة وله ثقله في مجال الإنتاج والتصدير، وامام المحيط الدولي خيار أفضل من الضغط باتجاه رفع أسعار البنزين، وهو التحكم بأموال الواردات النفطية والسيطرة على مواطن صرفها.
الإخفاقات الحكومية في إيجاد الحلول لبعض المشكلات القائمة والمتجذرة في البلد يدفعها الى اتخاذ بعض القرارات ذات الابعاد السلبية على الحكومة والافراد دون استثناء، والمضي بهذا الاتجاه وعدم التراجع ربما يشجعها على رفع قيمة الفواتير الأخرى كالماء والكهرباء، ويبقى المتضرر ومن يدفع ضريبة أخطاء إدارة البلد هو المواطن الذي سيتجرع الدواء الاقتصادي المر.
اضف تعليق