هل استطاع ترامب الآن ترميم وضعه كي يضمن اصوات اللوبيات اليهودية والصهيونية ؟ نعم، استطاع ترامب أن ينهض من جديد، و مَنْ منّا كان يعتقد عودة ترامب، وبقوة، إلى المشهد السياسي،على الرغم مما واجهه من دعاوى قضائية و تهم سياسية وادارية ومالية كثيرة...
إنتهت الانتخابات الروسية، وقُدّرت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع مابين ٥٨ إلى ٦٠ ٪ ، لم يهتم الغرب كثيراً،هذه المرّة في الانتخابات الروسيّة، لا في التحشيد الإعلامي المُضاد للانتخابات والتشكيك في ديمقراطيتها، ولا في التوقّع والتحليل لنتائجها. وضُعف الاهتمام يعود لأمرين: الأمر الاول هو تسليم الغرب والعالم بفوز بوتين، وهذا التسليم او “الاستسلام ” يجسّد فشل الغرب، في امتلاك وسائل وقدرات التأثير على سير الانتخابات، او تحشيد رأي عام روسي مناهض او معكّر لجو وسير الانتخابات؛ والأمر الثاني هو ادراك الغرب بعجزه او شعوره بالحياء والخجل من وصف الانتخابات الروسية بانها غير “ديمقراطية ”! من الصعب، اليوم وبعد كُلَّ الذي شهده العالم من جرائم في غزّة، أُرتكبتْ بدعم وتأييد من حكام الغرب واعلام الغرب، أن يتحدث هؤلاء الساسة عن غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا البلد او ذاك !
سيمّرُ فوز بوتين بسلاسة، داخلياً وخارجياً، وسيكون بوتين الخامس (نسبةً لولايته الخامسة) غير بوتين الرابع والثالث والثاني، من حيث قوة وسرعة القرار وحجم الدور والنفوذ. و قد استبقَ الغرب (وخاصة امريكا ) هذا الفوز و تداعياته، فوكّلَ الرئيس الفرنسي ماكرون بمهمة إعلان موقف الغرب و استعداده، على الاقل، لتبديد نشوة الفوز ومحاولة فرملة تطلعّات وامنيات الرئيس بوتين.
حيث شّنَ ماكرون هجوماً كلامياً قاسياً على الرئيس بوتين،خلال مقابلة تلفزيونية قبيل بدء الانتخابات الروسية، اي في ٢٠٢٤/٣/١٤، وهدّدَ بارسال جيش أوروبي للقتال في أوكرانيا، معتبراً انتصار بوتين في الحرب، تهديدا خطيرا لمصالح اوروبا.
لكن، الجميع يدرك عدم جدوى ما يقوله الرئيس الفرنسي، لأنَّ ما يقوله لا يمثّل الموقف الأوروبي، ولأنه تهديدٌ فات أوانه، ولأنَّ الرئيس بوتين الخامس سيكون اقوى وأمضى قدماً في مشروعه، إخضاع أوكرانيا، وكل المقومات الداخلية الاقتصادية والنقدية لروسيا تُعزّزُ موقفه.
فبالرغم من العقوبات الأمريكية و الحرب، فإن الاقتصاد الروسي يحقق،وللسنة الثانية، نمواً بنسب معقولة، كما ان فرصة ترامب للفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة باتت شبه مؤكدة، الامر الذي يشجّع الرئيس بوتين على المضي سريعاً في استكمال خارطة تقدّم الجيش الروسي في الأراضي الاوكرانية،وقبل فوز ترامب، والذي سيتفق مع بوتين على خطة سلام في أوكرانيا،تُراعي المصالح الأمريكية والروسية، وستكون على حساب المصالح الاوروبية .
ما يريح ويعزّز وضع بوتين هو الاحتمال الكبير لعودة ترامب وفوزه في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
لماذا سيفوز ترامب ؟
بغض النظر عن السلبيات الشخصيّة لمنافسه الرئيس بايدن، والمتعلقة بصحته وكثرة ” شطحاته ” وافتقاره للديناميكية المطلوبة، يُعيب عليه الرأي العام الأمريكي والدولي فشله في ايجاد حّلْ للحرب في أوكرانيا، و فشله في كبح جماح روسيا او وقف تقدمها العسكري في أوكرانيا، او التأثير على نموها الاقتصادي . تدرك الشعوب الأوروبية وشعوب العالم التبعات الاقتصادية السلبية التي واجهتها وتواجهها جراء الحرب في أوكرانيا، وتُعزي هذه الشعوب لأمريكا والناتو مُسببّات الحرب، و التي كان من الممكن تفاديها . كذلك تدرك شعوب الغرب بأن يرافق وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة الامريكة أملٌ كبير بإيقاف الحرب .
وليس من المُستبعد لجوء الرئيس بوتين إلى التصعيد في أوكرانيا لتعزيز حظوظ فوز ترامب !
لنْ يفلت الرئيس بايدن من عقاب غزّة، جهوده المتأخرة و الدعائية لإغاثة ضحايا غزّة (من خلال الميناء العائم ذي الأغراض المتعدّدة) لن تطمسْ مشاركته في جرائم الابادة والتجويع والحرب التي أُرتكِبتْ في غزّة، من خلال الدعم السياسي والعسكري اللامحدود لجيش الاحتلال،ومن خلال استخدام الفيتو لمنع وقف الابادة الجماعية،ومن خلال تزويد جيش الاحتلال بأسلحة الابادة .
الرئيس بايدن في موقف سياسي و انتخابي، لا يُحسدْ عليه، و لا أعلمْ إنْ كان في حالة وعي وادراك تسمح له بالشعور بالندم، لدعمه المُطلق لنتنياهو في ما عمله في غزّة ؟ فهو (اي بايدن) خَسِر الكثير من الرأي العام بسبب الجرائم البشعة التي ارتكبت في غزّة ومن قِبلْ جيش الكيان المُحتل والسلاح والدعم الأمريكي، من دون ان يحقق هذا الزخم من القتل والدعم الاسرائيلي الأمريكي اي هدف.
كما انَّ المصير الانتخابي للرئيس بايدن هو الآن بين يدي مَنْ يبغضه (واقصد نتنياهو) و ينتظر فوز صديقه (ترامب)! يكفي ان يقوم نتنياهو الآن بأقتحام رفح،ليشهد العالم، مرّة اخرى، جرائم التوحّش والابادة والتشريد بحق اكثر من مليون ونصف المليون من الأطفال والنساء والمسنين، ويطّلع العالم مرّة اخرى على تواطؤ امريكا او عجزها، ما يؤثرُ ذلك سلباً على الحملة الانتخابية للرئيس بايدن، لذلك يقوم الاخير بالضغط على نتنياهو وحكومته،ويلوّح بتبنيه لمشروع قرار أمريكي في مجلس الامن يطالب في وقف إطلاق نار فوري ودائم في غزّة ويحذّر من اجتياح رفح .
ولكن هل سيمنح اللوبي الصهيوني ويهود امريكا اصواتهم،هذه المرّة، لصالح ترامب ؟
للتذكير، كان من بين اسباب خسارة ترامب، في الانتخابات السابقة هو ان ٨٣ ٪ من أصوات اليهود في امريكا ذهبت لصالح بايدن، وعلينا ان نميّز بين التصويت الصهيوني والتصويت اليهودي في امريكا، رغم ان كلاهما مشروط بالمصلحة الاسرائيلية، ولكن بتفاوت؛ فالتصويت الصهيوني يتوجّه صوب المرشح الأمريكي الصهيوني،كما هو حال الرئيس بايدن، اما التصويت اليهودي فيضع مصلحة اليهود في امريكا والعالم قبل مصلحة اسرائيل .
هل استطاع ترامب الآن ترميم وضعه كي يضمن اصوات اللوبيات اليهودية والصهيونية ؟ نعم، استطاع ترامب أن ينهض من جديد، و مَنْ منّا كان يعتقد عودة ترامب، وبقوة، إلى المشهد السياسي،على الرغم مما واجهه من دعاوى قضائية و تهم سياسية وادارية ومالية كثيرة ؟
عودته دليل ومؤشر لحاجة الدولة العميقة واللوبيات المؤثِرة له .
اضف تعليق