من أساليب الرصد والدفاع لمكافحة هجمات الاستيراد السلعي الفوضوي المادي، أن يتم تقنين النشاطات الاستيرادية سواء من قبل القطاع العام (الدولة)، أو من قبل القطاع الخاص والتجار وأمثالهم، فعمليات الاستيراد يجب أن لا تكون منفلتة، صحيح يحاول المتأخرون اقتصاديا اللحاق بعجلة الاقتصادات الحرة وسياسات السوق الحرة...
الاستيراد لفظة اقتصادية تعني ما تقوم به الدولة والتجار من مواد وسلع مختلفة، لغرض إشباع الحاجات الأساسية، الغذاء وأنواع السوائل، والطاقة، وأساسيات النقل المختلفة، وكل ما يحتاجه الناس لإدامة حركتهم وأعمالهم ونشاطاتهم الحياتية المعتادة.
الدولة يقع على عاتقها جانب مهم من إشباع الحاجيات التي تديم حياة المجتمع، والقطاع الخاص أو التجار يقع عليهم جانب مهم أيضا، قوامه استيراد ما يحتاجه الناس من دول قريبة مجاورة أو بعيدة، الهدف من ذلك تحقيق أرباح للتجار، وفي نفس الوقت تغطية ما يحتاجه السوق من سلع مهمة لإدامة الحياة.
هناك مشكلات ترافق هذه العمليات الاستيرادية، بعضها اقتصادي، وبعضها سياسي، ولكن الأخطر من هذه المشكلات ما يتعلق بالجانب الثقافي، وقد لا يخطر في بال كثيرين، بأن الخطر الثقافي يكمن في عملية الاستيراد الفوضوي.
أما المقصود بجملة (الاستيراد الفوضوي)، فهو إطلاق العنان للدولة ومؤسساتها التجارية والاقتصادية المختلفة، لكي تستورد كل ما تشاء وبصورة عشوائية، بعيدا عن قراءة وتخمين أو تحديد الحاجات المهم الحقيقية التي يحتاجها المجتمع، كذلك يقوم التجار والقطاع الخاص بنفس الخطأ، فيتم استيراد فوضوي لحاجات وأشياء لا يحتاجها الناس.
أضرار ثقافية كبيرة
عدم الحاجة هذه للسلع تخلق مشكلة كبيرة، لها أضرار اقتصادية كبيرة، ولكن مع كل هذه المخاطر، هناك ما هو أكبر وأكثر ضررًا، ونعني به الأضرار الثقافية الكبيرة التي يقترن بها الاستيراد السلعي الفوضوي، لأنه في الحقيقة معظم السلع الكمالية ذات الطابع المادي البحت، لها أهداف مبيَّتة هدفها الأساس التأثير الثقافي على الناس خصوصا الشباب.
فالدول القوية اليوم، والغربية منها على وجه التحديد، تريد أن تصدر ثقافتها إلى الدول والمجتمعات الأخرى عبر الانتاج السلعي المادي، وتحاول أن تسّرب ثقافتها عبر هذه السلع، فلو أننا تطرقنا إلى الملابس سوف نجد تصاميم محددة فيها غرابة وفيها نوع من الانحلال والتفسخ، وضياع الحدود بين التذكير والتأنيث، وتختلط القيم وتتشابك الأغراض المبيّتة.
ليس الملابس وحدها، بل الأطعمة مثلا آخر، كما نلاحظ في ثقافة الوجبات السريعة وما تحدثه من أضرار صحية هائلة، فضلا عن كونها لا تلتقي مع القيم التي نؤمن بها، وإذا تكلمنا عن السيارات الفارهة، فإنها سلع مادية تسعى لتخريب عقول الشباب، فيصبح هدفهم الملبس المادي المبالغ به، والطعام المشبع بالأضرار، والسيارات الفارهة، والعيش في عالم مادي بعيد عن الشعور بالمسؤولية أو الالتزام بالقيم الإنسانية والأخلاقية.
وهكذا نلاحظ أن الاستيراد السلعي المادي الفوضوي، يمكن أن يخرب عقول الناس في المجتمعات ذات الثقافات الضعيفة، وحين تُترَك الأمور على الغارب، وتستمر ثقافة الاستيراد الفوضوية، فإن النتائج سوف تنعكس بشكل واضح على المجتمعات الأضعف، والأسرع تأثّرا بالثقافات الوافدة عبر الاستيراد، بالإضافة إلى اساليب التأثير الأخرى.
ومنها الانفتاح الهائل على منصات إلكترونية ومواقع تواصل وثقافات مفتوحة ومتاحة ما أنزال الله بها من سلطان، النتائج التي ستفرزها هذه السياسات الاستيرادية غير المسيطَر عليها خطيرة وكبيرة، ستخلق ضياعا وتيها عند الشباب بصورة خاصة، ويتم تدمير القيم الأصيلة في سلسلة من الهجمات المعادية المبرمجة، وهذا يمثل جرس إنذار للمجتمعات المتأخرة والضعيفة ثقافيا.
أساليب مكافحة الاستيراد العشوائي
من أساليب الرصد والدفاع لمكافحة هجمات الاستيراد السلعي الفوضوي المادي، أن يتم تقنين النشاطات الاستيرادية سواء من قبل القطاع العام (الدولة)، أو من قبل القطاع الخاص والتجار وأمثالهم، فعمليات الاستيراد يجب أن لا تكون منفلتة، صحيح يحاول المتأخرون اقتصاديا اللحاق بعجلة الاقتصادات الحرة وسياسات السوق الحرة، إلا أن هذا الأمر لا يعني إطلاق العنان لعمليات الاستيراد الفوضوي.
يجب أن ترافق عمليات الاستيراد، دراسات واقعية للحاجات الفعلية، كما أن النوع السلعي الذي يدخل البلاد، يجب أن لا يحمل طابعا ثقافيا مغرضا، له أهداف مخفية تريد أن تسرّب ثقافات وافدة تدمر القيم وأصالة المجتمع وتقاليده الصالحة.
هناك من يعترض على مثل هذه الملاحظات المهمة، ويدعو لإطلاق عمليات الاستيراد بلا حدود، بحجة الانفتاح الاقتصادي، والدخول في عوالم الاقتصاد العالمي الحر، ولكن نحن نؤشر ظواهر ثقافية خطيرة ترافق عمليات الاستيراد بطرائق غير مسيطَر عليها، بينما نحن نقول بأن منظومة القيم لابد أن تبقى محمية وثابتة خصوصا عن الأجيال الشبابية.
لابد أن توضع خطوات عملية لمكافحة ربط عمليات الاستيراد بتلويث القيم الأخلاقية، وهذه هي السياسة الواضحة التي تتبعها بعض القوى التي تحاول أن تهيمن على المجتمعات الأضعف، من خلال تمرير الثقافات التي تسعى لتدمير أصالة تلك الأمم والمجتمعات، وهذه المهمة في الحقيقة مهمة كبيرة جدا لا يمكن أن تنجح إلا بجهود عملاقة للدولة وللمنظمات الثقافية الأخلاقية الدينية المعنية بحفظ منظومة القيم من الثقافات الدخيلة.
اضف تعليق