ان اللغة في حقيقتها ليست مجرد قواعد ولا هي اصوات تؤدي الغرض بمفردها بل هي نتيجة تفاعل بيئي انساني وحضاري واجتماعي وسياسي واقتصادي مترابط ضمن عملية تكاملية تضامنية تؤدي الغرض من اطلاقها بترابط حروفها وطبيعة اصواتها اجهاراً واخفاتاً، وبهذا لايخفى تجليات التوظيف اللغوي في سلوك وخطاب الزعماء...
يقول (جورج أورويل) وهو كاتب وروائي بريطاني، (لقد صُممت اللغة السياسية لكي تجعل الاكاذيب تلبس ثوب الحقائق).
تعد عملية التلاعب اللغوي الاداة التأثيرية للبلاغة اللغوية، إذ يكون تركيز الخطاب السياسي أيًّاً كان مصدره الجوهري على اقناع الجماهير وايهامها لتغيير اتجاهاتها أو سلوكياتها السياسية ضمن سياقه العام، وفق عملية التلاعب اللغوي هذه.
وخلال تصفحنا لأغلب الوثائق التي خلفها (المقبور صدام حسين)، ونظامه المجرم استذكرت مقولة أورويل هذه، لتكشف لنا حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها بحق العراقيين ودول الجوار.
إذ وظف مفردات لغوية (تلاعبية) في اغلب الوثائق الصادرة عن اجهزته القمعية، عبر زج مفردات لغوية اراد عن طريقها الباس انتهاكاته الصارخة واقعياً ثوب الحقيقة للتمويه، وصرف النظر عن افعاله الاجرامية الواقعة والصادرة عنه، تحقيقاً لغاياته ومطامعه المريضة وارضاءً لغروره وتشبثه بالسلطة، ومحاولة الدفاع والتبرير عما لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه، بواسطة توظيف لغوي من قبيل التلطفات اللغوية (Euphemism) والغموض الإبهامي المطلق (Sheer Cloudy Vagueness)، فضلاً عن الاستعارات الفاسدة والكلمات الطويلة والمنمقة والمصطلحات المنهكة المعسولة التي قرفت منها الأوراق التي تنزل عليها.
وبهذا تمثل هذه المظاهر بعض الخصائص اللغوية والبلاغية للخطاب السياسي الفاسد الذي يتم اللجوء اليه بشكل ممنهج، حين توجد فجوة بين الأهداف الحقيقية المضمرة والخطاب التسويق السياسي المعلن.
ومن أبرز هذه المظاهر اللغوية الآنية المتلاعب بها في اللغة الإعلامية، هي إطلاق تسمية “عمليات التهدئة” على تدمير القرى العزلاء وتهجير سكانها بعيداً عن أوطانهم وابادة الحرث والنسل، أو إطلاق مصطلح “ترحيل السكان” على انتزاع ملايين المواطنين من أراضيهم وزراعتهم وتركهم هائمين في الطرقات المفتوحة ليكونوا صيداً لنيران الطائرات.
ومنها إطلاق توصيف التخلص من العناصر التي لا يمكن الاعتماد عليها أو “ تحييد العناصر المشبوهة “ على عملية إطلاق الرصاص على رؤوس ابناء الشعب غير المنسجمين مع توجهاته الاجرامية، أو إلقائهم في السجون لمدد طويلة بدون محاكمة تحت عنوان “ تدابير احترازية”، أو توصيف “تبييض السجون”، الذي يفهم منه اصدار قرارات العفو وإخراج السجناء إلى أجواء الحرية والعودة لأهاليهم، بينما في الواقع هي عملية إبادة تامة للسجناء السياسيين الذي يقضون مدة محكوميتهم بمدد متفاوتة، رغم انها تمت وفق مواد قانونية تم تطبيقها عليهم ظلماً وجوراً.
ان اللغة في حقيقتها ليست مجرد قواعد ولا هي اصوات تؤدي الغرض بمفردها بل هي نتيجة تفاعل بيئي انساني وحضاري واجتماعي وسياسي واقتصادي مترابط ضمن عملية تكاملية تضامنية تؤدي الغرض من اطلاقها بترابط حروفها وطبيعة اصواتها اجهاراً واخفاتاً.
وبهذا لايخفى تجليات التوظيف اللغوي في سلوك وخطاب الزعماء وقادة ومناصري الأحزاب والحركات السياسية، عن طريق استخدام الأدوات اللغوية كافة، لنقل الرسالة السياسية بواسطتها، وفي بعض الاحيان تزييف الحقائق السياسية لتغطية بشاعة سلوكهم الاجرامي الاستئصالي أو مصالحهم الفئوية الضيقة، وصفقاتهم الفاسدة على حساب المصلحة العليا للبلد وحقوق شعبه.
اضف تعليق