لا بد للدولة أن تحدد عمل ملاكاتها بدقة، بدءا من اصغر منظومة ادارية، إلى أعلى موقع تتولاه، حتى يتبين اصغر موظف إلى اعلى مسؤول؛ حدود مسؤوليته، وطبيعة عمله الذي سيكون مسؤولا عن مدى نجاحه فيه، واخفاقاته فيه كذلك، فلكل حساباته ولكل ضرورته التي يفترض أن تثبت، سواء كانت هامشية أو فائضة...
في أحاديثنا اليومية؛ نعدُّ الكلام المطول وفي الشؤون المختلفة ثرثرة. وفي الكتابة يعد الايجاز بلاغة وحكمة، وتناول الطعام أكثر من حاجة الإنسان إليه تخمة تلحق بصاحبها الضرر، وفي ادارة شؤون البيت؛ يقال عن تشعب أدوار أفراد العائلة، بأنه بيت لا قرار له، ولا احترام داخله، ولا رأي نهائيا لاي فرد فيه، وعندما نضع هذه الامثلة وسواها امامنا، ونحن نتبيَّن هذا الترهل الاداري في جميع مرافق الدولة
نعجز عن وضع القرارات الصائبة في محلها، مثلما نعجز عن تحديد المسؤوليات بأصحابها، ذلك أن هذه المسؤوليات تتعدد وتتداخل، وتصبح الحلول معقدة وسائبة وغير مناطة بأشخاص يكون لهم القرار الفصل.
من هنا نجد أن العناصر الوظيفية في جميع الوزارات والمؤسسات، وصولا لأصغر وحدة ادارية مترهلة، وفي كثر من موظفيها فائض عن الحاجة، حتى ليصبح عقبة في طبيعة العمل، مما يؤدي إلى تعقيده وثقل أدائه الاداء المنطقي السليم.
مدير المدرسة مثلا، ليست به حاجة إلى أربعة معاونين ليساعدوه في عمله، مثلما لا حاجة بالمدير العام إلى طاقم من الوكلاء، في وقت نجد دائرته بكاملها هي فالاساس فائضة عن الحاجة، بوصفها لا تقدم عملا ولا خدمة عامة، وإنما هي سلسلة ادارية بنيت على خطأ!
وفي اعلى المناصب لا بد لنا أن نتساءل، اذا كان هذا المسؤول الذي يتقلد المناصب العليا في ادارة البلاد، لا يفقه في الاقتصاد والصحة والتربية والصناعة والزراعة، ولا التعليم العالي، وإنما هو (قيادي) سياسي حسب؛ فإن هذا لا يحسب له ولا للجهة التي رشحته للمنصب ذلك ان (السياسة ) هي نبض المعرفة في كل الميادين، بوصفها العلم الذي ينظم العمل في كل مرافق الحياة على وفق علم وفهم واستيعاب وتخطيط أمثل.
إنه لا بد ان يكون على معرفة بالحد الادنى لكل شيء، وليس بالضرورة أن يكون متخصصا في شأن من الشؤون. السياسي مُعد أساسًا، لكي ينظم ويدير ويرسم خارطة العمل في كل الميادين، ولا بأس من استعانته بفقيه لغة، يراجع له خطبته أو كلامه الذي يخاطب به هذه الفئة أو تلك، ولا بأس من الاصغاء إلى فقهاء المال والاقتصاد، في رسم السياسة المالية والاقتصادية للبلاد.
ولا بأس كذلك من الاصغاء إلى خبراء في الصناعة أو الزراعة أو الصحة أو التأثير في عقول الناس إعلاميا، فلكل شيء اختصاص له رجاله وخبراؤه ورواده والمهتمون الأساسيون به، هذا امر مطلوب ومقبول، بل يصبح في أحيان كثيرة ضروريا. لكن أن تكون هذه الاستشارة وهذه الخبرة ثقلًا إداريا على ادارة الدولة، فهذا أمر سيجعل من الدولة عاجزة عن أداء الأدوار الاساسية المناطة بها ذلك أنها ستنصرف إلى شؤون صغيرة وتخضع لآراء عديدة، ولعب ادوار مختلفة لا تفضي إلى اختيار الطريق الصواب، كما ستتحول هذه الحلقات المتعددة والمتشعبة والمتزايدة يوما بعد آخر، وفي كل مرافق الدولة؛ إلى حلقات زائدة وفائضة عن الحاجة بل هي عبء مالي وإداري يلحق الأضرار والترهل في مسيرة عمل الدولة، ولو توفرت الخطط العلمية من قبل كل وزارة؛ لوجدنا أن حلقاتٍ كثيرة كان ينبغي إلغاؤها، من دون أسف على الغائها لانها في حقيقة امرها حلقات لا حاجة لنا بها فعلام ترهق ميزانية الدولة وتشتت عملها وتجعلها في حكم اللا دراية في كل الاختصاصات، ومن ثم اللا دراية في نضج ومعرفة وامكانات هذه التخصصات العلمية والمعرفية.
بإيجاز لا بد للدولة أن تحدد عمل ملاكاتها بدقة، بدءا من اصغر منظومة ادارية، إلى أعلى موقع تتولاه، حتى يتبين اصغر موظف إلى اعلى مسؤول؛ حدود مسؤوليته، وطبيعة عمله الذي سيكون مسؤولا عن مدى نجاحه فيه، واخفاقاته فيه كذلك، فلكل حساباته ولكل ضرورته التي يفترض أن تثبت، سواء كانت هامشية أو فائضة، الامر الذي ينبغي فيه أن يعالج أمرها، ومن ثم يستغنى عن كل الحلقات الزائدة.
اضف تعليق