هي شعيرةُ الله الموسمية، شعيرةٌ راح ضحيتها (4156) بين قتيل وجريح، حادثةٌ ليست هي الأولى من نوعها، إنما سبقتها حوادث مأساوية عديدة سَجلها لنا التأريخ، بدأت منذ القرن السابع الهجري وانتهت مطلع الألفية الثالثة متمثلة بحادثة الحج الأخيرة التي تنطوي تحتها إشكالات عديدة.
ان الشيء الذي تمتاز به هذه الحادثة هو دخولها اللعبة الإقليمية التي تسببت بالكوارث والهزات الاجتماعية والسياسية والعسكرية العنيفة التي شهدتها ولاتزال تشهدها المنطقة، فاللغط المرتبط بالحادثة، فضلا عن عدد الوفيات أثار الريبة والشك في النفوس، والريبة والشك المتبلور حول القضية، يستند فيه أصحابه على دلائل عدة أهم ما في هذه الدلائل هي أشرطة الفيديو التي تسربت عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تثبت على ان هناك أمراً ما كان مبيتا، حيث تظهر بعض اللقطات رجال امن سعوديين يعتقلون بعض الحجاج وهم يهرعون مفزوعين على الطريق المؤدي الى منى، أما الدليل الآخر الذي يجعل من الحادثة عملية منظمة، هو اختفاء بعض القيادات الامنية (عراقية، لبنانية، إيرانية) من مكة المكرمة.
تضع بعض الدول والجهات الإقليمية اللوم المباشر على السعودية متهمة إياها بالتقصير في أداء مهامها في رعاية الحجيج، فضلا عن اتهامها باختطاف بعض القيادات من حزب الله اللبناني والبعض الآخر من القيادات الإيرانية، فضلا عن مقتل خمسة ضباط عراقيين من أكفأ الضباط الكبار الذين اشتركوا بعمليات محددة في العراق من بينهم العميد المتقاعد إسماعيل السويعدي مدير جرائم بغداد سابقا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل دخلت شعائر الله اللعبة الإقليمية؟ وماهي العلاقة بين هذه الحادثة والحرب الإقليمية الدائرة في المنطقة؟ خصوصا وان بعض الأطراف الإقليمية تحاول أن تربط هذه الحادثة بكثير من المشاكل الإقليمية القائمة في المنطقة!!.
السعودية أحالت أسباب الحادثة الى عدم التزام الحجاج بالشروط والتعليمات وشكلت لجنة تحقيقية للبحث في ملابسات القضية، إيران وحزب الله يعتقدون ان الحادثة مدبرة ومحبكة جيدا ومخطط لها بدقة، بدلالة اختفاء أسماء محددة من حزب الله اللبناني، وأسماء أخرى من إيران فضلا عن ان اغلب الذين قتلوا من جراء هذه الحادثة هم إيرانيين وكأن وفد الحجاج الإيرانيين كان الهدف المطلوب من هذه الحادثة.
بعض التحليلات ترى ان هناك علاقة بين حادثة منى من جهة، وبين الحرب الطائفية الدائرة في المنطقة، وتدفع بعض الآراء كلا الطرفين لتبني وجهة نظر عدائية ضد الطرف الآخر، خصوصا مع وجود أعداد كبيرة من السعوديين يحتجزهم الحوثيين كرهائن.
وبغض النظر عن الحقائق التي اختفت مع أرواح الحجاج، تطالب إيران اليوم السلطات السعودية بالاعتذار الرسمي وتتهمها اتهاما مباشرا بالتقصير، واصفة السلطات السعودية باللامسؤولة، ولا تتحلى بالآداب الإسلامية التي تليق بالحج كشعيرة من شعائر الله، واضعة التساؤلات أعلاه في ذهن المواطنين في المنطقة، وأهم هذه التساؤلات هي: ما علاقة حادثة منى بالمشاكل السياسية والعسكرية في المنطقة؟ وهل بالإمكان ربط هذه الحادثة بالحرب الطائفية في المنطقة وماهي الجهة الإقليمية والدولية التي من مصلحتها أن تندلع حرب مباشرة بين السعودية وإيران؟، حربا تعني بوضوح سنية شيعية منظمة على مستوى دول وجيوش نظامية، ومن ثم حربا عربية فارسية بمعنى ان هناك جهة محددة ترسم خارطة طريق لزج المنطقة بحرب طائفية وعنصرية، وتزامنا مع حركة الكيان الصهيوني في القدس والانفلات السياسي الذي لاحظنا سلوكياتهِ وأخلاقياتهِ تتمحور في بنيامين نتنياهو وتصريحاته وقوانينه الجديدة المتجسدة في قمع الحجارة برصاصة قناص وتخويل الجنود بقتل المتظاهرين في حال تجاوزوا على أي جندي إسرائيلي، والقصد تتقدم الخطط الإسرائيلية في المنطقة أي خطة لرسم سياسة ومسار الشعوب في المنطقة.
ربما تصنف هذه الحادثة كجزء من خارطة طريق مستقبلية سباقة لمشروع سايكس بيكو الجديد، ذلك المشروع المبرمة اتفاقاته وتوقعات أحداثه في لندن العاصمة البريطانية وريثة المشروع القديم، ومن المؤكد سوف تساهم هذه الأحداث وتداعياتها في المنطقة بإعادة تشطير المنطقة وتقسيمها وفق ما مرسوم لها فالحرب السنية الشيعية، أو الحرب القومية التي يتوقع مفتعلي هذه الحادثة ستُحدِث عملية تسريع لتخندق طائفي عرقي مناطقي، التخندق سوف يؤكد المشروع ويساهم في تحقيقه على أرض الواقع بحيث لا تستطيع أي خطة سياسية جديدة احتواء الموقف.
ثم تدخل قضية الحرب على اليمن لِتحتل موقعا فاعلا في هذه الحادثة، فمن نفوذ إيران في هذه القضية، ونقصد مدى تأثيرها على الحوثيين كطرف نزاع على الأرض، الى الأسرى السعوديين الذين اٌعتقلوا من قبل اليمنيين، فظلا عن القضية اليمنية وتداعياتها وتداخلاتها وإشكالاتها كلها نقاط ساهمت في زيادة حدة الصراعات ودخلت عنصرا فاعلا في تأجيج أحداث منى، بل ويعتبرها رجال المخابرات الإقليمية سببا مباشرا في غياب عناصر محددة ومعينة من الحجاج، ويضاف الى القضية اليمنية قضية أخرى تختبئ خلف كواليس السياسة الإقليمية، وهي قضية البحرين وثورة الشعب البحريني المعلقة، ورغبة الأسرة الحاكمة في البحرين ذات التأثير المباشر على العائلة الحاكمة بتقليص وتحجيم الحجاج الإيرانيين وبتعبير أدق (الحجاج الشيعة) كجزء من عملية التحجيم والعزل الفكري والسياسي، بغية السيطرة على الأوضاع القائمة، خصوصا وان السعودية ومجلس التعاون الخليجي بدأت تعيش مرحلة هستيرية خطيرة جدا، وربما ستتبعها أكثر من ردة فعل مستعجلة وغير منظمة من قبل مجلس التعاون الخليجي، وبالمقابل ربما ستشهد السياسة الخارجية الإيرانية مفاجئات عديدة.
أخيرا يمكن القول: ان العزف على أوتار الانتماء العرقي أو القومي أو الديني، تسبب في جلب الكثير من الدمار والخراب، وسوف يزيد المنطقة احتراقا، خصوصا مع وجود هذه الأفكار العنصرية والطائفية المتطرفة، وستساهم هذه القضية بزيادة تمدد داعش وربما ستبتلع داعش كل دول مجلس التعاون الخليجي لان الجماعات التي تحمل هذا النفس الطائفي والعرقي والتي ساهمت مساهمة مباشرة في هذه الأحداث ستنقلب على السلطة الحاكمة التي باتت تشجع هذه الأحداث وتدعمها وتقوم بإرباك المسارات العامة في المنطقة، وإدخال الشعائر الدينية ميدان اللعبة الإقليمية سوف يؤدي الى تفجير المنطقة بموجة أحداث جديدة لا تُحمد عواقبها فإيران ليست قاصرة بالرد المباشر، خصوصا بعد أن أثبتت تواجدها في النادي النووي وباتت قوة عالمية لا يستهان بها، والسعودية تعاني من مشاكل عديدة: أولها مشاكل سياسية تستهدف البيت الحاكم فيها، وآخرها الاختناق الشعبي للمجتمع السعودي الناتج عن سلوكيات الملوك المتعاقبين والحكمة يفهمها العقلاء.
اضف تعليق