عندما يخطئ المجتمع في جدولة أولوياته، يقع في مأزق يؤدي إلى هدر كبير للطاقة التغييرية. ولكن من خلال التفاوض البنّاء واتخاذ القرارات الفعّالة وفق معايير العدالة والشمولية، يمكن تصحيح هذا الخطأ واستثمار الطاقة التغييرية بشكل أفضل نحو بناء مجتمع أفضل وأكثر استدامة...
يهدر المجتمع طاقته التغييرية حينما يخطئ في جدولة اولوياته. منذ العام ١٩٥٨ الى اليوم والاحزاب العراقية مشغولة بالكثير من المواضيع التي ليس من بينها التنمية المستدامة على سبيل المثال.
يمكن مراجعة الشعارات السياسية للاحزاب العراقية وبخاصة الحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الدعوة وتظاهرات تشرين واخيرا الفصائل المسلحة للتأكد من صحة المقولة السابقة.
قد تكون شعارات تلك الاحزاب والحركات صحيحة بذاتها، لكن الخطأ قد يقع في الجدولة، اي جدولة الاولويات، في التقديم والتأخير، الامر الذي يؤدي الى استخدام طاقات المجتمع التغييرية في غير اوقاتها الصحيحة. هذا ما اسميه هدر الطاقة التغييرية للمجتمع.
يشير مفهوم الطاقة التغييرية للمجتمع إلى القدرة التي يمتلكها المجتمع على تحقيق التغير والتحول نحو الأفضل. امتلك العرب في فجر الاسلام على سبيل المثال طاقة تغييرية مكنتهم من ايصال كلمة الاسلام الى اوروبا في غضون مئة عام. لكن تبدل الاولويات عندهم ادى الى توقف المد الاسلامي وتراجعه.
عندما يخطئ المجتمع في جدولة أولوياته، فإنه يضيع هذه الطاقة بطريقة تؤثر سلباً على انطلاقه نحو التطور والتحسن.
أولاً، دعنا نناقش ماهية الطاقة التغيرية للمجتمع. الطاقة التغييرية للمجتمع هي القوة والحماس الذي يحمله الأفراد والمؤسسات داخل المجتمع لإحداث تحولات إيجابية وتغييرات تسهم في تحسين الحياة. هذه الطاقة تتجلى في الرغبة في تحسين البنية التحتية، تطوير الخدمات الاجتماعية والصحية، وتعزيز فرص التعليم والعمل، وكذلك حل المشاكل البيئية والمجتمعية.
عندما يخطئ المجتمع في جدولة أولوياته، يمكن أن يحدث ذلك لعدة أسباب. على سبيل المثال، قد يتم التركيز بشكل زائد على القضايا السياسية أو الخلافات الداخلية، وبالتالي يتم تجاهل الاحتياجات الحقيقية والضرورية للمجتمع. كما يمكن أن يحدث خطأ في جدولة الأولويات نتيجة لعدم القدرة على التفاوض واتخاذ القرارات الفعالة في إدارة الموارد المتاحة.
عندما يقع المجتمع في خطأ في جدولة أولوياته، يحدث هدر كبير للطاقة التغييرية. يؤدي هذا الخطأ إلى تبديد الجهود والموارد في اتجاهات غير فعالة، مما يعرقل القدرة على تحقيق التحول والتغير الإيجابي. بدلاً من العمل المشترك نحو تحقيق أهداف مشتركة، ينفق المجتمع طاقته ووقته في صراعات داخلية غير مثمرة وتصارع على المصالح الفردية.
لتصحيح هذا الخطأ، يجب على المجتمع إعادة النظر في عملية جدولة الأولويات والتركيز على الأهداف والقضايا التي تسهم في تعزيز التطور والازدهار الشامل. يجب أن يقوم المجتمع بتعزيز ثقافة الحوار والتعاون الفعّال بين مكوناته المختلفة، وتحفيز التفكير الإبداعي والابتكار للتأكد من أن الموارد والجهود تستخدم بشكل أمثل نحو تحقيق الأهداف الجماعية.
توضع جدولة الأولويات على أساس عدة عوامل. تشمل هذه العوامل النظر إلى الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمجتمع، وتقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للقرارات، وتعزيز الشفافية والحوكمة القوية في عملية اتخاذ القرارات. يجب أن تكون تلك الأسس مبنية على إدراك الحاجة إلى توفير الفرص والموارد لجميع فئات المجتمع، وضمان تحقيق التكافل الاجتماعي والعدالة في توزيع الثروات والفرص.
حاولت الامم المتحدة مساعدة المجتمعات على وضع جدول صحيح الاولويات حينما وضعت وثيقة التنمية المستدامة التي تتضمن ١٧ هدفا في عام ٢٠١٥ في إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي انبثقت عنها خطة مدتها 15 عامًا لتحقيق هذه الأهداف بحلول عام ٢٠٣٠. بمراقبة الوضع في العراق نستطيع ان نقول انه مازال ابعد ما يكون عن خطة التنمية المستدامة لان الخطة تتطلب باختصار وجود دولة تتبناها.
باختصار، عندما يخطئ المجتمع في جدولة أولوياته، يقع في مأزق يؤدي إلى هدر كبير للطاقة التغييرية. ولكن من خلال التفاوض البنّاء واتخاذ القرارات الفعّالة وفق معايير العدالة والشمولية، يمكن تصحيح هذا الخطأ واستثمار الطاقة التغييرية بشكل أفضل نحو بناء مجتمع أفضل وأكثر استدامة.
اضف تعليق