كما فقدت فيها متلازمة الدولة القوية أفضليات ادارة التعقيد. فالقبول والتكيف للحصارات الدولية والعزلة عن العالم والخوف والترقب من المحيط الخارجي على سبيل المثال امست بمثابة (أفيون) لاستمرار فقدان ادارة التعقيد بدلا من قبول التعاطي مع المسارات الخطية ومدركاتها المجتزئة كحالة من الادمان وترقب ومجاهيل لا ندركها الا...
تمثل ادارة التعقيد complexity management في البلدان (القوية غير الهشة) المجال المعرفي الذي يدرس فاعلية الادراك البشري لبلوغ نتائج مستقرة مستدامة بغية الحصول حالة التحسن المرغوبة على مستوى الجزئي والكلي، ويأتي ذلك في نطاق توافر نظام مناسب وهيكل تنظيمي متسق يسعى الى تحقيق اهداف محددة بشكل ايجابي في الامد البعيد.
وبخلاف ذلك فان تدني (ادارة التعقيد) ستلازم مفهوم (الدولة الهشة) ولاسيما عند انعدام تقبل الحقائق الجزئية المتوقعة وتدنّي قدرة الاستعداد للمفاجآت، واللجوء الى التفكير (الخطي linear) كبديل عن التفكير الاستراتيجي (الشامل). لذا تصبح ادارة التعقيد وعلى وفق انعدام الكيان المعرفي لإدارة الازمات، حالة من الركود المستمر في محيط يقود الى تنامي الدولة الهشة soft State كما أدركها عالم الاقتصاد كونار ميردال في كتابه دراما الاسيوية Asian drama: التحقق في فقر الامم الصادر في العام 1968.
فالادارة المنقلبة للتعقيد والتي فقدت خواصها المعرفية في تاريخ بلادنا منذ العام 1968 يوم نشر ميردال كتابه الموسوم: دراما الاسيوية على اقل تقدير، قد شكلت متلازمة سالبة تراكمية لنشوء الدولة الهشة في العراق في سنة صدور الكتاب نفسه.
وهكذا اصبحت اخفاقات ادارة التعقيد إرثا واقعاً في السلوك النفسي العام وهو ارث اعتادت عليه البلاد في ادارة صراعات خطيرة بعيدة عن فكرة ادارة التعقيد وتحديدا منذ العام 1980 ولغاية 2003.
كما فقدت فيها متلازمة الدولة القوية أفضليات ادارة التعقيد.
فالقبول والتكيف للحصارات الدولية والعزلة عن العالم والخوف والترقب من المحيط الخارجي على سبيل المثال امست بمثابة (أفيون) لاستمرار فقدان ادارة التعقيد بدلا من قبول التعاطي مع المسارات الخطية ومدركاتها المجتزئة كحالة من الادمان وترقب ومجاهيل لا ندركها الا في ازمنة غير منظورة).
وهو سلوك افقد الحياة الاقتصادية والاجتماعية و السياسية لوازم ادارة التعقيد نفسه، رافق ذلك فقدان القدرة (البانورامية الشاملة) على مواجهة الظروف الصعبة وتعقيداتها في شتى وظائف الحياة اليومية.
اذ صار تفضيل التعثر في ذلك المسار الخطي جزءاً من الحياة اليومية التي يغلب عليها طابع قبول الانعزال والعزلة عن الآخرين والعالم واستدامة حالة الخوف من المجهول نفسه.
ولكي نجري تقييما لعقد الدولة الاجتماعي في بلادنا بعد العم 2003، فلابد من ان يكون لكونار ميردال حضورا في موضوع الدولة الهشة soft state. اذ يشخص ميردال حالة امم اسيا بعد الاستقلال قائلاً: ان العامل الرئيس المسبب للدولة الهشة او اللينة ان جاز التعبير، هو ما قامت به القوى الاستعمارية من تدمير للعديد من المراكز التقليدية للسلطة والنفوذ المحلي والفشل في إيجاد بدائل قابلة للتطبيق. واقترن بهذا تطور موقف عصيان ازاء أي سلطة مركزية من اجل ارساء السياسة الوطنية، واستمر هذا الموقف بعد الاستقلال كنمط تمردي. ويُنظر إلى مثل هذه (الدول الهشة) عندما يقول ميردال على أنها من غير المرجح أن تكون قادرة على فرض سياسات التنمية الصحيحة ولن تكون على استعداد للعمل ضد الفساد في جميع المستويات.
وأخيراً، آن الاوان لبناء مستقبل بلادنا وادارة المصاعب بدلا. من ادارة الصراعات، ومغادرة اخفاقات الدولة الهشة التي صاحبت فقدان ادارة تلك المصاعب بمنظور معرفي مستقر شامل، ومغادرة سلوك ادارة الصراعات في كل صغيرة وكبيرة كبديل لقوة المعرفة في مواجهة التحديات الذي عانت منها البلاد على مدار نصف قرن، والتطبع نحو ادارة الصراعات اي ادارة (بلا مصاعب) خالية الاهداف تتبنى سلوك السبات بشكل خطي في محيط أدمن على التفكك والحصارات والحروب، وهو امر لم تجني منه البلاد الا موروث تراكمي من (الدولة الهشة) التي تسعى وراء تحصيل الريع وفقدان التنمية المستدامة.
ختاماً، فان اصلاح (ادارة المصاعب) هو بلاشك اولوية اولى لتوفير متلازمة (الدولة القوية) بعقل معرفي واسع كي نغادر الماضي القاتم الذي حول (ادارة المصاعب complexity management) الى ادارة صراعات عقيمة conflicts management خالية من اهداف عنوانها المستقبل.
اضف تعليق