اغلب القوى السياسية التقليدية ارادت من اجراء انتخابات مجالس المحافظات بمثابة جس نبض كمقدمة لانتخابات مجلس النواب القادمة التي لم يحدد لها موعد الى الآن فكانت النتائج مخيبة لعدد كبير من هذه القوى، إضافةً الى المقاطعة الكبيرة في الانتخابات سواء التي كانت جراء مقاطعة التيار الصدري وعدد من القوى...
اجريت انتخابات مجالس المحافظات في 18 كانون الأول 2023، وهو الموعد الذي حددته السلطة التنفيذية برئاسة السيد محمد الشياع السوداني المحسوب على قوى الإطار التنسيقي وسط تباين في الموقف من جدوى اجراء هذه الانتخابات من عدمها بعد تشريع قانون انتخابي جديد يلبي طموحات القوى التي دعت الى هذه الانتخابات وتغيير مجلس المفوضين.
وفي ضوء ذلك يمكن لنا ان نجري استقصاءً سريعاً على العملية من كافة النواحي كالقوى السياسية والاجتماعية التي شاركت في الانتخابات، ونسبة المشاركة، وانسيابية التصويت الخاص والتصويت العام، وصولاً الى النتائج التي افرزتها هذه الانتخابات، وذلك من خلال النقاط الاتية:
أولاً: القوى التي شاركت في انتخابات مجالس المحافظات والقوى المقاطعة
شارك في انتخابات مجالس المحافظات اغلب القوى التقليدي مثل القوى الشيعية المنضوية في تحالف الإطار التنسيقي، والقوى السنية مثل قوى عزم من جانب وتقدم من جانب آخر وما الى ذلك، والقوى الكردية المتمثلة بالحزبيين الكرديين الديمقراطي والاتحاد وقوى أخرى وسط تراجع لهذه القوى في كركوك، ومشاركة متميزة من قبل أحزاب المحافظين الذين كانوا على رأس المحافظة قبل مرحلة اجراء الانتخابات بمدد مختلفة مثل تصميم التابعة لمحافظ البصرة السيد اسعد العيداني، وتكتل واسط اجمل التابعة للسيد محمد جميل المياحي محافظ واسط، وتحالف ابداع كربلاء التابعة لمحافظ كربلاء السيد نصيف الخطابي، إضافةً الى (نينوى لأهلها) الكتلة المدعومة من محافظ الموصل المستقيل السيد نجم الجبوري، ومدينة ديالى ومحافظات أخرى، وقد تباينت صعود وسقوط هؤلاء المحافظين تبعاً لمعيار الإنجاز وأسباب أخرى مثلما سيتضح لاحقا.
وقد شارك لأول مرة في هذه الانتخابات عدد من القوى الناشئة والجديدة التي افرزت الى الساحة السياسية بعد حراك تشرين 2019 مثل تحالف قيم المدني وهو خليط من القوى السياسية المدنية، وتكتل إدراك، واشراقة كانون، وواثقون، والمدار، وتحالف الأساس العراقي برئاسة السيد محسن المندلاوي القريب من الإطار التنسيقي وقوى أخرى تتباين من محافظة الى أخرى.
فيما شهدت هذه الانتخابات مقاطعة كبيرة وقد تكون الأولى من نوعها على مستوى الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات، ومن أبرز القوى التي قاطعت هذه الانتخابات التيار الصدري بعد انسحابه من العملية السياسية ولأسباب تتعلق بأقصاء التيار من تشكيل الحكومة الاتحادية بعد تعثر مشروعه السياسي القائم على الأغلبية الوطنية.
ثانياً: دلائل نسبة المشاركة المنخفضة في الانتخابات
ذهبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات في تقريرها في منتصف اليوم عند الساعة 12 ظهراً الى ان نسبة المشاركة كانت 17%، وقد لوحظ للمراقبين ان مراكز الاقتراع بدت فارغة كلياً الا من رجال الامن وموظفي الاقتراع، ومع انتهاء الوقت المقرر لعملية التصويت عند الساعة السادسة مساءً ذهبت المفوضية بالتصريح الى ان نسبة المشاركة الكلية للتصويت العام والخاص ارتفعت الى 42%، صحيح ان نسبة المشاركة على مستوى التصويت الخاص بالقوى الأمنية شهد نسبة عالية بالتصويت لأسباب تتعلق بالضغط من قبل قيادة الأركان مثلما اشارت عدد من التقارير والمنظمات، وهذه النسبة بدت كبيرة للغاية مع ضعف الاقبال، ومن ذلك ذهبت جهات ومصادر أخرى بأن نسبة المشاركة اقل من ذلك بكثير ولا تتجاوز الـ30% مرتكزين على المعادلة الآتية:
عدد الناخبين الكلي في انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم لسنة 2023 = 23,367,081 ناخب، عدد المصوتين (العام + الخاص)= 6,599,668 ناخب، تحسب نسبة المشاركة الحقيقية وفق المعايير الدولية عن طريق حاصل قسمة عدد المصوتين على عدد الناخبين الكلي، فلذلك فإن نسبة المشاركة الفعلية الحقيقية في انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم= 28%.
عموماً كان هناك ضعف في الاقبال في انتخابات مجالس المحافظات 2023 بدا واضحاً بالمقارنة مع كل الانتخابات السابقة ومنها الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول 2021 التي كانت نسبة المشاركة أيضاً متراجعة، وهناك جملة من الدلائل حول هذه التراجع في الاقبال على المشاركة منها: ان الناس تدرك الابعاد الشكلية للعملية الانتخابية وتفوق حالة المحاصصة والتقاسم الحزبي للسلطة على مختلف المواقع السياسية والوزارية والدرجات الخاصة، السبب الثاني مقاطعة قوى سياسية واجتماعية فاعلة مثل التيار الصدري، والسبب الثالث عدم الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، إضافةً الى أسباب أخرى.
ثالثاً: نتائج انتخابات مجالس المحافظات
تباينت نتائج الانتخابات وفي ظل المقاطعة الكبيرة خصوصاً في العاصمة بغداد حيث افرزت الانتخابات عن صعود قائمة تقدم بزعامة السيد محمد الحلبوسي بالمرتبة الأولى ويليها تحالف نبني ومن ثم دولة القانون وقوى الدولة الوطنية وهنا صعود قائمة الحلبوسي تضمن أكثر من مؤشر:
المؤشر الأول: الأثر الذي تركه مقاطعة الصدريين للانتخابات وفي ظل ضعف الجمهور المؤيد لقوى الإطار التنسيقي في الأوساط الشيعية في الاحياء والمناطق الشيعية وحتى المختلطة.
المؤشر الثاني: اقصاء الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب الذي وقف خلفه أطراف نافذة في الإطار التنسيقي وبعض القوى السنية المناوئة للحلبوسي عادت بالفائدة على قائمته الانتخابية إضافةً الى صعوده شخصياً منذ ان كان محافظاً للأنبار وصولاً الى هذه المرحلة.
كما حقق الحلبوسي نصراً في المحافظات الأخرى وبنسب متفاوتة من محافظة الى أخرى، اما بالنسبة لقوى الإطار التنسيقي فقد شهدت نسب متباينة في صعودها او نزولها في عدد من المحافظات لكنها حتى في حالة تقدمها في عدد من المحافظات مثل النجف، وكربلاء، والحلة، وميسان فكانت نسبة لا تؤهلها للحصول على الأغلبية كما انها دخلت الانتخابات في تحالفات، وفي حالة توزيع المقاعد ستنشطر حسب الكتل المشاركة مع احتفاظ دولة القانون بزعامة المالكي على تقدمه في عدد من المحافظات وتراجعه في عدد اخر بالمقارنة مع انتخابات مجلس النواب في تشرين الأول 2021.
فيما حقق عدد من المحافظين فوزاً ساحقاً مثل محافظة البصرة التي حققت فيه قائمة تصميم على 12 مقعد من أصل 24 في حين كانت بعض قوى الإطار التنسيقي ضاغطة بقوة للحصول على منصب محافظ البصرة لما لهذه المدينة من أهمية اقتصادية وجيوسياسية وابعاد أخرى، والامر كذلك الى حداً ما مع محافظة كربلاء التي فازت قائمة محافظها على اعلى الأصوات، وهو ما حصل أيضاً مع محافظ واسط حيث حصدت قائمة واسط أجمل اعلى الأصوات.
ومما تقدم، تشكل المحافظات الثلاثة إضافةً الى بغداد بالنسبة لقوى الاطار التنسيقي خيارات غير متوقعة تسعى الى قلب المعادلة التي رسمتها نتائج الانتخابات فيها بأي طريقة، كما لابد من الإشارة الى ان اغلب القوى السياسية التقليدية ارادت من اجراء انتخابات مجالس المحافظات بمثابة جس نبض كمقدمة لانتخابات مجلس النواب القادمة التي لم يحدد لها موعد الى الآن فكانت النتائج مخيبة لعدد كبير من هذه القوى، إضافةً الى المقاطعة الكبيرة في الانتخابات سواء التي كانت جراء مقاطعة التيار الصدري وعدد من القوى والشخصيات او تلك الناجمة عن سخط الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب العراقي على الطبقة السياسية الحاكمة.
اضف تعليق