معرفتك بنفسك وقدراتك والثقة بها هي السبيل للوصول الى ما تريده، فقط لا تقلل من قيمة نفسك او قدرتك على صنع الفارق، فالبحر تكون من قطرات من ماء، والجبل الشامخ من حصى صغير، والصحراء المترامية الأطراف من ذرات رمل، وكذلك الأثر الذي ستصنعه رسالتك في حياتك بالنسبة للآخرين...
في الحياة والممات حكمة بالغة للإنسان الذي يتعظ ويعرف بأن لكل شيء بداية ونهاية، فالبعض مر في هذه الدنيا مروراً سريعاً من دون أثر يذكر قد يدل على حياته، والبعض الآخر لم يرحل قبل صنع الأثر الذي خلده (ربما قبل مماته وبعدها) في مجال تخصصه، وأفاد من خلاله أجيال واجيال استنارت بأفكاره وابداعاته وعطاءة الذي لم يبخل به امامهم.
الحديث عن صنع الفارق يعطي قيمة كبيرة للحياة التي يعيشها الأنسان لمرة واحدة وكيفية استغلالها بالطريقة المناسبة قبل فوات الأوان، فالإيمان بأن لكل انسان رسالة، وان الله لم يخلق الانسان من دون حكمة او معنى (أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون) سيعطي الدافع نحو انطلاق الانسان الى آفاق البحث عن الرسالة والهدف من وراء خلقه، وهذه هي الحكمة البالغة التي تجعل الانسان سعيداً وناجحاً وقادراً على الوصول الى تحقيق أهدافه وطموحاته.
ان الايمان بان الانسان لم يخلق من اجل الاكل او الشرب وباقي الملذات الأخرى فقط، وانما لهدف أكبر وأعظم سيوقد جذوة العمل ويطفئ افات الكسل والجمود والانهزام، وبالتالي التعرف على نفسك ومقدرتها العظيمة على العطاء بلا حدود، ومقدار السعادة والاطمئنان والحكمة التي ستجنيها لقاء هذا العطاء واثاره التي قدر تستمر لأجيال قادمة.
وكما ان نوازع الخير والشر في صراع دائم لا ينتهي، وهي ذاتها المحركات التي تدفع بالإنسان لفعل الاعمال الصالحة او الطالحة، يبقى القرار بيد الإنسان في تحديد وجهته التي يقصدها، اما العودة الى الفطرة او الذهاب نحو نوازع الشيطان، فالخيار الأول يعطي الفرد الملكة في تحديد رسالته والعمل بإيجابية نحو النجاح وتقديم أفضل ما يملك، بينما يذهب الخيار الثاني نحو العبثية والتفكير السلبي والفشل والاندثار.
من الظلم ان يستمتع الانسان بالكسل وراحة البدن ويكتفي بالملذات المادية التي سرعان ما تنتهي بمجرد زوالها او بوجود عارض يمنعها، ولا يبحث عن الملذات الحقيقية الدائمة الكامنة في نفس الانسان وقيمته ف: "قيمة الإنسان ترتبط بروحه ونفسه أولاً، لا ببدنه المادي فحسب"، كما يعبر عنها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي، لذا فهو يرى: "إن الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً".
طبعاً ليست كل الظروف مناسبة ومنسجمة مع تطلعات الانسان وطموحاته، فهي تارة تكون قاهرة لقدرته في الوصول الى أهدافه، وتارة أخرى تكون محفزة ومشجعة، لكن في كلا الامرين لا يتحقق النجاح والوصول الى الهدف بسهولة ويسر، بل ينبغي ان يقتحم الانسان في سبيلها العقبات ويواجه الصعاب والكثير من التحديات للوصول الى الهدف المنشود.
صحيح يمكن ان "تختلف ردود أفعال الناس تجاه العقبات التي تواجههم في حياتهم العملية من شخص لآخر، تبعا لدرجة الوعي والإيمان، وتكامل الشخصية من ناحية الخبرة والنضوج والهمة"، لكن قدرة الانسان على صنع الفارق أكبر من العقبات والصعاب، ولو تطلب الامر –كما يراه الشيرازي- الى تحدي المجتمع بكامله، بل والسعي الى تغيره من اجل الوصول الى النجاح: "على الإنسان أن يعمل بكل ما أوتي من قدرة وقوة لاستثمار طاقاته، وإذا لم يسمح له مجتمعه بسبب تخلفه يجب عليه السعي لتغيير ذلك المجتمع"، وهذا يعتبر قمة الوصول الى المعرفة الحقيقية بالنفس وقدرتها على صنع الفارق وترك الأثر الطيب.
وفي سبيل تحقيق الانسجام والتوازن بين حاجاته المادية ورغباته الروحية (المعنوية) عليه أن:
1. ان يتصالح مع نفسه ويعرف حقيقته وقدرته ليملك مفاتيح التغيير وينطلق الى رحلة البحث عن رسالته وهدفه في هذه الدنيا.
2. التركيز على الهدف وعدم توزيع الجهد للوصول الى النتائج اذ: "ليس للإنسان من الوقت ما يكفي لتوزيع جهده على أكثر من مجال من مجالات الحياة العملية، لأنه سيفتقد التركيز، وبالتالي سيتأخر وربما يفشل بتحقيق النتائج المرجوة".
3. ضرورة التدرج في الوصول الى الكمال الروحي والانسجام والتوازن بين حاجات الانسان المادية والمعنوية وصولاً الى القمة: "لا يكون الإنسان من اليوم الأول عادلاً كاملاً أو زاهداً كاملاً أو شجاعاً كاملاً أو كريماً كاملاً أو عالماً كاملاً وإنما يصل إلى القمة تدريجياً".
4. تحديد الهدف او الرسالة الخاصة به، وكلما كان الهدف عظيماً كانت قيمة الحياة التي يعيشها الانسان عظيمة وكبيرة، ولا يوجد هدف أعظم من خدمة الإنسانية: "الإنسانية وحدة واحدة، واللازم على الإنسان خدمة الإنسان الآخر مهما كان لونه وعقيدته واتجاهه".
5. الابتعاد عن كل ما يحط من قدر الانسان الفكري والمعنوي والثقافي، اذ ان "الاشتغال بالتوافه والجانبيات يمنع الوصول إلى الأهداف".
فاذا توفرت القناعة لدى الانسان مع القدرة على العمل وترك الكسل، يمكن ان يتحول الى انسان صاحب هدف ورسالة تتدرج بعظمتها واهميتها بحسب قدرته على العطاء، ولعل الأنبياء والاوصياء والمصلحون في الأرض أوضح مثال على ذلك، فهم لا يختلفون عن البشر الا بملكاتهم وصفاتهم وقدراتهم التي صقلوها بالعقل والحكمة والمعرفة والايمان والصبر، حتى استطاعوا الوصول الى الاهداف السامية التي رسموها لحياتهم، وساهموا في بناء الحضارة الانسانية التي انقذت البشرية من انحرافات الزلل ومخاطر الجهل.
كل هذا العطاء لم يأتي من فراغ وصدفة او بلا تضحية وصبر على المحن والصعاب، بل جاء نتيجة لجهد كبير وصبر أكبر بذله أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية حتى تحقق الهدف ووصلت الرسالة الى من يقصدون.
ان معرفتك بنفسك وقدراتك والثقة بها هي السبيل للوصول الى ما تريده، فقط لا تقلل من قيمة نفسك او قدرتك على صنع الفارق، فالبحر تكون من قطرات من ماء، والجبل الشامخ من حصى صغير، والصحراء المترامية الأطراف من ذرات رمل، وكذلك الأثر الذي ستصنعه رسالتك في حياتك بالنسبة للآخرين، قد يكون اثراً صغيراً في عينيك، لكنه سيصنع الفارق للأجيال القادمة في المستقبل القريب، ايمانك برسالتك وثقتك بنفسك هو من سيصنع الفارق.
اضف تعليق