التَّعاملَ بمسؤُوليَّةٍ يُحرِّضكَ على النَّجاحِ والإِبداعِ وهو الأَمرُ الذي يدفعكَ للفخرِ بما تنُجزِهُ لأَنَّكَ تشعرُ والحالِ هذهِ بأَنَّكَ صرفت َجُهداً ووقتاً لتحقيقِ الإِنجازِ. التَّعامُلَ بمسؤُوليَّةٍ هو احترامٌ للذَّاتِ أَولاً واحترامٌ للمُنجَزِ ثانياً. فإِذا فعلتَ ذلكَ فسيحترِمكَ النَّاس الذين سيُسجِّلونَ الإِنجازَ باسمِكَ قبلَ أَن يسجِّلوهُ باسمهِم، وفي ذلكَ فخرٌ...
١/ في مُجتمعِنا فإِنَّ الغائب الأَكبر والمُستدام هو [المسؤُوليَّة] ولذلكَ ترانا نمرُّ بكُلِّ هذهِ المِحَن فتراقُ الدِّماء وتُنتهك الأَعراض وينتشر الفَساد ويتكرَّر الفشَل من دونِ أَن يتحمَّلَ أَحدٌ المسؤُوليَّة، فنرى [تدوير النِّفايات] في المواقعِ على قدَمٍ وساقٍ! وكأَنَّ كُلَّ الذي يجري هو قضاءٌ وقدرٌ ليسَ أَمامنا إِلَّا الإِستسلام لهُ والتَّعامُل معهُ كأَمرٍ واقعٍ لا شأنَ لنا بهِ ولا علاقةَ لنا بفعلهِ، فنحنُ ندفع الثَّمن فقط أَمَّا المسؤُوليَّة فيتحمَّلها أَيَّ أَحدٍ في الدُّنيا باستثناءِ الـ [أَنا] والـ [نحنُ].
٢/ والسَّببُ في غَيابِ المسؤُوليَّة هي ثقافتَنا وتربيتنا التي نشبُّ عليها ونحنُ صغارٌ، فعندما كانَ التِّلميذُ يرسب في درسٍ ما يرفض أَن يتحمَّل المسؤُوليَّة أَمامَ والِدَيهِ فيُبرِّرُ قائِلاً [المُعلِّم عداوة مَعي] المُعلِّم هُوَ السَّبب!.
٣/ المسؤُوليَّة والحريَّة توأَمان سياميَّان لا ينفصِلان، فأَنتَ حرُّ إِذن أَنتَ مسؤُولٌ، مسؤُولٌ عن خياراتِكَ ومسؤُولٌ عن قَبولِكَ ورفضِكَ، ومسؤُولٌ عن نفسِكَ وعِيالِكَ وأَهلِكَ ومحلَّتِكَ ومدينتِكَ وشعبِكَ وبلدِكَ.
حتَّى إِذا لم تكن حُرّاً فأَنتَ مسؤُولٌ كذلكَ، كما وردَ في وصيَّةِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) لولدهِ الحسَن السِّبطِ (ع) {ولَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وقَدْ جَعَلَكَ اللَّه حُرّاً} لأَنَّك فرَّطتَ بحُريَّتكَ وأَضعتَها وتركتَ غَيركَ يتصرَّفُ بخَياراتِكَ ويُقرِّر عنكَ ويختارَ آرائِكَ ويُحدِّد لكَ الطَّريق ويقرأ عنكَ ويُفكِّر بدلاً عنكَ!.
والمسؤُوليَّة والثِّقة كذلكَ تَوأَمان ساميَّان، فكلَّما أَظهرتَ تحمُّلاً أَكبر للمسؤُولية كلما وثِق بِكَ النَّاسُ أَكثر ووثِقُوا بخِطابِكَ وخُططِكَ ومشاريعِكَ، والعكسُ هُوَ الصَّحيح فالنَّاسُ لا تثِقُ باللَّاأُبالي الذي يعِدُ فيُخلِفُ ويخطبُ فيُناقِض خطابهُ سلوكهُ!.
٤/ الذين يقُولونَ مالنا والمُجتمع؟! {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} دع كُلَّ واحدٍ يقلع شوكَهُ بيدهِ، هؤُلاء هُم الأَنانيُّونَ الذين يتصوَّرُونَ أَنَّ بإِمكانهِم أَن يسعُدُوا في مُجتمعٍ شقيٍّ وينجحُوا في مُجتمعٍ فاشلٍ ويعدِلوا في مُجتمعٍ ظالمٍ، ويظنُّونَ أَنَّ بمقدُورهم أَن يعيشُوا حياتهُم بمُفردهِم، أَبداً، فلقد خلقَ الله تعالى النَّاسَ أَفراداً وجماعات لا يُمكِنُ الفصلَ بينَ إِنسانٍ وآخر أَبداً {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} ولذلكَ أَسَّس أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) لمبدأ التَّعايش في المُجتمعِ بقولهِ في عهدهِ للأَشترِ النَّخعي لمَّا ولَّاهُ مِصر {وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.
كما أَنَّ القُرآن الكريم نبَّهَ الرَّسول الأَعظم (ص) إِلى هذا المبدأ الإِجتماعي الذي يُمثِّل حجر الزَّاوية في البناءِ بقولهِ {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
ولَو كانَ بمقدُورِ المرءِ الإِعتزالَ لما قالَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ والْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ولَكِنْ لَا عِلْمَ لَه بِالْحَرْبِ}.
٥/ ليُكن هذا العام الجديد [٢٠٢٤] عامُ المسؤُوليَّة يتحمَّل كُلَّ واحدٍ منَّا مسؤُوليتهِ على قدرِ حضُورهِ وحسبَ موقعهِ، وندَع ثقافة البحث عن شمَّاعات وأَكبش فِداء نرمي عليها وبِها تقصيرَنا وقصورَنا جانباً، ولتكُن الآية الكريمة {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} شعارَنا الذي يهدِينا طريق تحمُّل المسؤُوليَّة.
إِنَّ القُرآن الكريم حازِم وحاسِم في مبدأ المسؤُوليَّة، فلا مفرَّ من تحمُّلِها بعدَ أَن أَغلقَ أَبواب الهرَب والتذرُّع، وهو القائِل {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}.
يقولُ تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} و {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
ولنقرأَ هذا الحوار الخطير {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
فهذهِ الشَّريحة من المُجتمع ظنَّت أَنَّ التذرُّع بـ [الإِستضعاف] سيُساعدها على الهربِ من المسؤُوليَّةِ! ولكن {أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
فأَنتَ مسؤُولٌ إِذا استنسختَ ولصقتَ ما يصلُكَ من منشوراتٍ وصُورٍ وأَفلامٍ، لا تسقُط عنكَ المسؤُوليَّة إِذا كتبتَ مُنبِّهاً [كما وَصلني] أَو [منقُول] خاصَّةً إِذا كانَ المنشورُ فيهِ انتهاكٌ لحُرمةِ أَحدٍ كائِناً مَن كان، والله تعالى يقُولُ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
وأَنتَ مسؤُولٌ إِذا قرأتَ أَو شاهدتَ أَو استمعتَ وأَصغَيتَ لشيءٍ ما ثُمَّ رتَّبتَ عليهِ أَثراً، فلا يشفع لكَ تذرُّعكَ قائلاً [هُم يقولُون] [كُلُّهم يظنُّون] [هكذا أُشيع] وكأَنَّ قولُ الكَثرةِ حُجَّة ودليلٌ للحقِّ وعلى الحقِّ!.
إِذا قرَّرنا أَن يكونَ العام الجديد هو عامُ المسؤُوليَّة فسيحسِب الواحد منَّا من الواحِد إِلى العشَرة قبلَ أَن يستعجِلَ فيُعيدُ نشرَ كُلَّ ما يصِلهُ!.
علينا أَن نتذكَّر بأَنَّ الشَّيطانَ يستدرجُنا أَكثر ما يستدرجنا اليَوم من خلالِ وسائلِ التَّواصل الإِجتماعي التي تضجُّ بالأَكاذيبِ والفبركاتِ والفضائحِ، فبدلاً من أَن يدورَ الشَّيطانُ على كُلِّ واحدٍ منَّا ليقنعهُ بكِذبةٍ أَو يُصدِّق شائِعة، يكفيهِ أَن يبعثَ منشوراً أَصفرَ لواحدٍ فقط ليُعادَ نشرهِ بالملايينِ خلالَ ساعةٍ واحدةٍ!.
إِنَّهم جندٌ {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
٦/ وإِنَّ من أَعظم المسؤُوليَّات [العَينيَّة] في المُجتمعِ هي حمايةُ النَّجاحاتِ وعدمِ تضييعِ المُنجزِ، فالمُجتمعُ النَّاجح هو الذي يضَع كُلَّ فردٍ فيهِ لبِنةً في البناءِ أَو على الأَقلِّ لا يهدِم لبِنةً منهُ إِذا كانَ عاجزاً عن الإِضافةِ، أَمَّا المُجتمع الفاشِل فهوَ الذي يبني فيهِ أُناسٌ ويهدِم فيهِ آخرونَ، فـ [متى يبلغُ البُنيانُ يوماً تمامهُ***إِذا كُنتَ تبنيهِ وغيركَ يهدِمُ].
يوصي أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) الأَشتر بأَن يحفظ إِنجازاتِ مَن سبقُوهُ ليبني عليها فلا يُفرِّط بمُنجَزٍ ولا يهدِم نجاحاً، يقولُ (ع) {والْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا (ص) أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّه فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِه فِيهَا وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا}.
٧/ إِنَّ التَّعاملَ مع الأَمرِ [أَيِّ أَمرٍ] بمسؤُوليَّةٍ يُحرِّضكَ على النَّجاحِ والإِبداعِ وهو الأَمرُ الذي يدفعكَ للفخرِ بما تنُجزِهُ لأَنَّكَ تشعرُ والحالِ هذهِ بأَنَّكَ صرفت َجُهداً [ذهنيّاً ورُبما جسديّاً] ووقتاً لتحقيقِ الإِنجازِ.
إِنَّ التَّعامُلَ بمسؤُوليَّةٍ هو احترامٌ للذَّاتِ أَولاً واحترامٌ للمُنجَزِ ثانياً.
فإِذا فعلتَ ذلكَ فسيحترِمكَ النَّاس الذين سيُسجِّلونَ الإِنجازَ باسمِكَ قبلَ أَن يسجِّلوهُ باسمهِم، وفي ذلكَ فخرٌ لكَ وللمُجتمعِ.
٨/ وأَخيراً؛ تعالُوا نزرع في نفوسِ النَّشء الجديد رُوح المسؤُوليَّة وهُم بعدُ صِغاراً، فإِذا كبرُوا سيتحمَّلونَ المسؤُوليَّة ولا يهربُوا مِنها!.
علِّموهُم أَن يختارُوا بأَنفسهِم تحتَ رعايتِكم وبإِشرافِ الأَبَوَينِ، يختارُوا ملابسهُم وأَكلهُم والُّلعبة المُفضَّلة عندَهم.
لا تُبادرُوا لاختيارِ كُلِّ شيءٍ لهُم، فالطِّفلُ الذي يختار نَوع الآيس كريم بنفسهِ لا يحتَج إِذا لم يكُن مذاقهُ كما يرغب لأَنَّهُ اختيارهُ، فتراهُ يأكلهُ مُرغماً من دونِ تذمُّرٍ ولكنَّهُ في المرَّةِ الثَّانيةِ سيُحسِّن اختيارهُ، أَمَّا إِذا اختارت لهُ الأُم نوعَ الآيس كريم فإِذا لم يأتِ حسبَ مزاجهِ تراهُ يصرخ بوجهِها مُحتجّاً طالِباً منها استبدالهِ بآخر ومِن حقِّهِ ذلكَ لأَنَّهُ ليسَ خَيارهِ، إِنَّهُ خَيار الأُم.
أُتركُوا للصِّغارِ فُسحةً من حُريَّةِ الإِختيار ليتعلَّمُوا كيفَ يختارُونَ وكيفَ يُحسِّنُونَ خَياراتهِم فيثِقُوا بأَنفُسهِم فيتحمَّلُوا المسؤُوليَّة.
كُلَّما أُشيعت رُوح المسؤُوليَّة في المُجتمع كلَّما زادت النَّجاحات وتقلَّصت الإِخفاقات، والعكسُ هو الصَّحيح فكُلَّما ضاعت رُوح المسؤُوليَّة في المُجتمعِ كُلَّما انتشرَ الفَشلُ أَكثر فأَكثر، فعندما لا يشعُر أَحدٌ بالمسؤُوليَّة ولا يُحاسَبُ أَحدٌ على قَولٍ أَو فعلٍ فلِماذا يحرص أَحدٌ على تحقيقِ النَّجاحِ؟!.
اضف تعليق