في النظم المفدرلة غالباً ما تكون العلاقة متوازنة ما بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، إذ أن أحد أسس النظام اللامركزي في ظل الأنظمة الإتحادية الفيدرالية هو تحقيق مبدأ التوزان الاتحادي والذي لا يشترط أن يكون تاماً بل يكفي أن يكون معقولاً، ويعني معيار المعقولية ضرورة منح السلطات الكافية للحكومات المحلية...

في النظم المفدرلة غالباً ما تكون العلاقة متوازنة ما بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، إذ أن أحد أسس النظام اللامركزي في ظل الأنظمة الإتحادية الفيدرالية هو تحقيق مبدأ التوزان الاتحادي والذي لا يشترط أن يكون تاماً بل يكفي أن يكون معقولاً، ويعني معيار المعقولية ضرورة منح السلطات الكافية للحكومات المحلية بشكل يتناسب مع حجم المشاكل الخاصة بنطاق العمل وبخلاف ذلك يجب أن تكون السلطات من اختصاص الحكومة المركزية.

ويرى الاستاذ (Alan Grant) أن من ضمن العوامل المؤثرة على العلاقة ما بين المركز والمجالس المحلية هي طبيعة الصلاحيات الممنوحة للوحدات المحلية هل هي صلاحية شاملة تمنح الوحدات المحلية هامشاً يحد من تدخل الحكومة المركزية في عملها لتؤثر بالتالي على فاعلية النظام السياسي ككل كما في الحالة البريطانية، أم تتسم بالسيطرة والتحكم وتسلسلية إدارية شديدة كما هو الحال في فرنسا.

إذ يمارس المحافظ المعين من وزير الداخلية في فرنسا (2500) مهمة يتم تحويل بعض هذه الصلاحيات الى مسؤولين محليين يتم انتخابهم بالاقتراع المباشر، ثم تم استبدال المحافظ بمفوضي الحكومة وتم منح السلطات المحلية صلاحيات أوسع لا تخضع لرقابة سابقة وإنما لرقابة لاحقة فقط، وفيما يخص المشرع العراقي فإننا نلاحظ أنه اعتمد مبدأ منح الوحدات المحلية التي تدار لا مركزياً سلطات إدارية ومالية واسعة قد تفوق بعض الشيء القدر اللازم لإدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية.

وجعل هذه الوحدات المحلية مسؤولة عن كل ما تتطلبه إدارة الوحدة الإدارية وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بعد أن اعترف لها بالشخصية القانونية المعنوية والاستقلال المالي، ونلاحظ أن المشرع قد أغدق على الوحدات المحلية بالصلاحيات رغم كونها غير مؤهلة لإدارة مثل هذه الصلاحيات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم يراعى البيئة الداخلية والخارجية لهذه الوحدات قبل منحها مثل هذه الصلاحيات، فكل دول العالم المعروفة باعتناقها لمبدأ اللامركزية الإدارية المحلية وصلت لما هي عليه بالتدريج وعبر فترة زمنية طويلة، ويمكن القول بأن توزيع الصلاحيات بين السلطة المركزية وبين الهيئات اللامركزية لم يكن موفقاً للاسباب الآتية :

1- بحكم اعتناق المشرع الدستوري النظام الفيدرالي فإنه اعتمد مبدأ تحديد صلاحيات الحكومة الإتحادية على سبيل الحصر وترك ما عدا ذلك من الصلاحيات الى الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

2- رغم كون المحافظات غير المنتظمة في إقليم هي عبارة عن وحدات إدارية تدار وفق مبدأ اللامركزية الإدارية إلاّ أن المشرع ساوى مركزها القانوني من حيث التمتع بالصلاحيات مع الأقاليم التي تدار بنظام اللامركزية السياسية والتي تعد دويلات شبه مستقلة بمنظور (الاتحاد الفيدرالي)، فضلاً عن ذلك منحها – أي المحافظات غير المنتظمة في إقليم – صلاحيات مشتركة بين السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم ، وهذا يعني ان صلاحية هذه المحافظات لا تقتصر على الصلاحيات غير الحصرية وإنما تشمل صلاحيات مشتركة أيضاً، فالمحافظات حشرت في الصلاحيات المشتركة بين المركز والإقليم خارج السياق القانوني للنظام الإداري للامركزية الإدارية للحد من صلاحيات السلطة المركزية باتجاه المزيد من الصلاحيات على النسق الفيدرالي باتجاه اللامركزية الإدارية.

3- وجود صلاحيات لإدارة بعض الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية لم يحدد الدستور بدقة نوع العلاقة بين السلطة المركزية والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، كما لم يتضمن قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل أي قواعد تنظم التعاون مع السلطة المركزية في هذه المجالات كإدارة النفط والغاز ورسم استراتيجيات تطوير النفط والغاز وإدارة المواقع الآثرية ، وكل ما أشار إليه قانون المحافظات سابق الذكر هو إدارة الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها في المواد (112، 113، 114) من الدستور بالتنسيق والتعاون بين الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية ولم يحدد آليات التعاون والتنسيق، ونص على تأسيس (الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات) إضافة الى تأسيس (هيئة تنسيقية في كل محافظة) والتي لم تمارس ادوارها بشكل يقلل من الفجوة في العلاقة (الوظيفية) بين المركز والمحافظة.

صلاحيات مفتوحة

4- لم يكتف المشرع بإعطاء المحافظات غير المنتظمة في إقليم صلاحيات مفتوحة قابلة لاستقبال المزيد من الصلاحية بمرور الزمن – أي تمتع المحافظات بصلاحيات غير حصرية – وإنما اعطى الاولوية لقانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة تعارضه مع القوانين الإتحادية في الاختصاصات غير الحصرية للسلطات الإتحادية.

وهذا يعني من الناحية الفعلية أن الصلاحيات المشتركة في النهاية من اختصاص الإقليم او المحافظة طالما ان الدستور اعطى الاولوية لقانون الإقليم والمحافظة، إذ ليسَ أمام السلطة الإتحادية إلاّ التسليم لقانون الإقليم أو المحافظة في حال إصرارها على القوانين التي يشرعانها ، وهنا مجدداً يمكن أن نشهد اختلالاً في قوى الجذب والطرد بين المركز والسلطات المحلية يخل بالتوازن المفترض الذي يحول دون هروب المحافظات من الاتحاد أو تذوب بداخله.

وقد فسرت المحكمة الإتحادية العليا في قرارها المرقم (6/إتحادية/2009) في 4/2/2009 أولوية قانون الأقاليم والمحافظة على القانون الاتحادي في الصلاحيات غير حصرية بأنها أولوية في التطبيق وليسَ تعارض ما بين النص الاتحادي وبين النص الإقليمي أو المحلي وعدم اعتبار النص الذي سيشرعه مجلس المحافظة معدلاً ولاغياً للقانون الاتحادي حيث جاء في حيثيات قرارها سابق الذكر (… نجد أن الاولوية في التطبيق تكون لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة التعارض بينهما ما لم يكن قانون الإقليم والمحافظة غير المنتظمة في إقليم مخالفاً للدستور فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة بين الحكومة الإتحادية والأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم…) .

5- ان الخلل في تنظيم العلاقة الوظيفية في الدستور ولد خللا في ممارسة الصلاحيات على مستوى الحكومات المحلية (مجالس المحافظات) وهذا فتح بدوره ابواباً للفساد اجهضت على تجربة الحكومات المحلية المولودة حديثاً والتي تفتقر للخبرة السياسية في حكم المناطق المحلية وهذا يرجع بسبب سيطرة الاحزاب السياسية المهيمنة والكبيرة على مقاليد الحكم المحلي لاسباب مختلفه اولها عدم نزاهة الانتخابات المحلية وضعف القوانين الانتخابية التي ولدت عزوفاً عن هذه التجربة من قبل الجماعات المحلية، فاصلاح تجربة مجالس المحافظات يتطلب ابتداً اصلاح العلاقة الوظيفية بين المركز والوحدات المحلية في دستور 2005 والرجوع لاسس العلاقة وفق نظام اللامركزية الادارية المعروف... والله الموفق.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق