كان على السادة المشرعين في تعديلهم لقانون مجالس المحافظات السائد ان يطوروا من عمل هذه المؤسسة بدلا عن شرعنة عمليات الفساد والمحسوبية والتوغل السياسي والحزبي في مؤسسات الدولة عبر تشريع مواد تجعل المجلس عبارة عن هيئة استشارية تمثل اقضية ونواحي واحياء كل محافظة بدلا عن كونها مسرح لنفوذ القوى السياسية...
أثير الكثير من الجدل حول جدوى وجود مجالس المحافظات في العراق شأنها في ذلك شأن العديد من المسائل التي أصبحت محل تساؤل واستفهام واستهجان من قبل المواطن العراقي، بعد تحول مسار عملها الذي رسمته التشريعات والقوانين الى مسارات غير قانونية وشاب عملها بالمجمل العديد من المخالفات والتحولات الى مصادر للفساد المالي والإداري، فمجالس المحافظات تشكلت بنص دستوري وبإقرار قانون لها من قبل مجلس النواب العراقي، عدل في عدد من المرات اخرها قبل اجراء انتخابات كانون الأول 2023 بعد ان تم حلها اثر احتجاجات شعبية رأت ان عمل مجالس المحافظات تحول الى عبئ على الدولة وحلقة فساد ومنفذ للأحزاب والكتل السياسية المتحكمة.
في هذه المرحلة تشهد العملية السياسية من جديد انتخابات مجالس المحافظات والجدوى من عودتها واهمية المشاركة فيها او مقاطعتها جدلاً كبيراً ومتصاعدا لاسيما بعد حصول متغيران اساسيان:
المتغير الأول يتمثل بمشاركة عدد من القوى المحسوبة على الحراك الاحتجاجي الذي كان أحد اهم أهدافه ومطالبه هو الغاء مجالس المحافظات وإيجاد طرق أخرى لترصين عمل تجربة المحافظين واللامركزية الإدارية.
اما المتغير الثاني فيتمثل بمقاطعة التيار الصدري وقوى سياسية واجتماعية أخرى كحالة أولى بعد دخول التيار الصدري للعملية السياسية بحدود عام 2005، فيما تظل مواقف الأغلبية الساحقة ممن ما يمكن لنا ان نسميهم بالأغلبية الصامتة التي يتسم موقفهم بالرفض تارة لمجمل العملية السياسية والطبقة السياسية الحاكمة او غير مبالية لما يحصل كونها أدركت ان الوضع السياسي هو خارج حسابات مشاركة الشعب في صنع القرار.
فما الذي يريده الشعب من وجود مجلس محلي اداري لكل محافظة لها صلاحيات حددها قانون مجالس المحافظات؟
بصراحة قد لا تكون مطالب أبناء الشعب العراقي في أي محافظة من محافظات العراق غير ذلك، هو ان يقوم مجلس المحافظة هنا او هناك بأداء مهامه بعيدا عن حالات العمل غير النزيهة التي سادت عمل مجالس المحافظات طوال مدة وجودها في المدد السابقة، وكان على السادة المشرعين في تعديلهم لقانون مجالس المحافظات السائد ان يطوروا من عمل هذه المؤسسة بدلا عن شرعنة عمليات الفساد والمحسوبية والتوغل السياسي والحزبي في مؤسسات الدولة عبر تشريع مواد تجعل المجلس عبارة عن هيئة استشارية تمثل اقضية ونواحي واحياء كل محافظة بدلا عن كونها مسرح لنفوذ القوى السياسية.
والتساؤل الثاني هو على صلة بنفوذ وتواجد القوى والكتل السياسية داخل مجالس المحافظات، اذ يبدو من التجارب السابقة لعمل مجالس المحافظات ان الكتل السياسية واعضاءها وممثليها داخل مجلس المحافظة تحول الى وسيلة لتحقيق غايات سياسية وحزبية لا تبتعد كثيراً عن عملها ونفوذها داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا ما صرح به أعضاء سابقين في مجالس المحافظات من كون عملهم لا يتعلق بالمحاسبة ومراقبة عمل المحافظ، وهذا الموضوع غير متحقق الا من حيث الشكل، وانما بفرض اجندات تتعلق بالمصالح المالية والحسابات السياسية وتقسيم المناصب والامتيازات والحصول على العقود الاستثمارية وما الى ذلك من مشاكل رافقت تجربة عمل أعضاء مجالس المحافظات.
ومما تقدم، وفي ضوء التساؤلين السابقين من المهم على القوى السياسية التي شاركت في انتخابات مجلس المحافظات والتي كان لها السبق في هذه المشاركة ان تراجع برامجها السياسية -ان وجدت- وسلوك أعضاءها وممثليها وهذا لا يكون الا عبر عملية اصلاح سياسي وحزبي يبدأ من دور الكتل السياسية في السلطة التشريعية وصولاً الى تمثيليها على مستوى إدارة المحافظات كالمحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات.
اضف تعليق