أهمية بيكون في مجال المنهج تتمثل قبل كل شيء في تجميع ما سبقه أو عاصره من ملاحظات حول طريقة التفكير الجديدة، ووضعها في بناء متكامل، ومن واضح أنه كان على وعي كامل بأهمية العمل الذي قام به. ويظهر ذلك من تسمية كتابه "الأورغانون الجديد" وكأنه يتحدى بذلك أورغانون أرسطو...
” إن العقل عند بيكون ينبغي أن يبدأ بتطهير ذاته من الأوهام. وعندئذ يستطيع الإنسان أن يُقبل على الطبيعة وقد خلا ذهنه من الأفكار السابقة، فيتمكن من تفسيرها ومن السيادة عليها. ولن يكون تفسير الطبيعة عن طريق القياس. فالقياس ليس أداة للكشف عن حقائق الكون، وإنما هو أداة لعرض الحقائق وإقناع الخصوم بها. وهو أداة تشوبها عيوب عديدة: فهو يتألف من قضايا تتكون من ألفاظ. فإذا كانت هذه مختلطة في الذهن، كما رأينا في أوهام المسرح، كان القياس كله مختلطاً. ثم في اقتصاره على عرض القديم دون اكتشاف الجديد يكون منهجاً عقيماً. كذلك يشوبه عيب أساسي هو أن قضاياه العامة تكون في الأغلب نتيجة تسرع في التعميم، وهو ما يسميه بيكون استباق الطبيعة “. (من كتاب: فلسفة فرنسيس بيكون، لحبيب الشاروني، ص:75).
من المفارقات المؤلمة أن تبدأ النهضة الأوروبية(1) في وقت كانت الحضارة الإسلامية(2) تفقد هويتها بسرعة. وقد بدأ العلماء الأوربيون في إنشاء العلوم الحديثة على الأسس التي وضعها علماء المسلمين. منذ ذلك الوقت فقط تبنى الأوروبيون مفهوم المزاوجة بين العلم النظري والعلم التطبيقي للحصول على تطبيقات علمية نافعة.
بعد قرون تلت أصبحت الخطوات التي ينبغي سيرها نحو تطوير الحضارة الحديثة أكثر اتساعاً بدءاً من الحقبة التي سيطرت فيها طاقة البخار والفحم إلى الحقب التي شهدت اكتشاف طاقة الزيت والغاز والكهرباء والطاقة الذرية واكتشاف الترانزستور والكمبيوتر والاتصالات بواسطة الأقمار الاصطناعية والهندسة الوراثية.
لقد اعتمدت الحضارة الأوربية الحديثة باعتراف الغرب أنفسهم على ثقافة المسلمين وحضارتهم اعتماداً كلياً في وجودها وتقدمها، بل لقد اعتمدت حركة الكشوف الجغرافية على الفكيين من المسلمين، وقامت جامعات أوروبا الشهيرة على أكتاف العلماء المسلمين، وبها درست كتبهم ومصنفاتهم العلمية، ولا تزال أمهات هذه الكتب لأمثال هؤلاء العلماء محل رعاية المكتبات الأوروبية وعنايتها حتى يومنا هذا منهم العالم المسلم أبو ريحان البيروني(3) (973-1048م) الذي أبدع في الفلك، والطب، والرياضيات، والفيزياء، ولمكانته العلمية وبحوثه الرائدة في علوم الفضاء اختير من بين (18) عالماً إسلامياً، أطلقت أسماؤهم على بعض معالم سطح القمر.
مما لا شك فيه، أن البيروني كان في بحوثه عالماً ومجرباً رائداً في شتى ميادين المعرفة، وموضوعياً بعيداً عن التحيز والتعصب، ودقيقاً أميناً، متحرياً الأمانة العلمية، والحقيقة الموضوعية. هذا ما دفع المستشرق الألماني إدوارد سخاو إلى أن البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ. كما قال الدكتور سارتون في مقدمة كتابه تاريخ العلم أن البيروني كان باحثاً مؤرخاً فيلسوفاً رياضياً جغرافياً، من أصحاب الثقافة الواسعة، بل من أعظم علماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم، بل أكثر من ذلك فقد سمى النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي بعصر البيروني.
كما ويشير المستشرق الروسي كراتشكوفسكي عن البيروني: "لا نملك إزاء هذا إلا الانحناء في خشوع واحترام أمام النتائج العلمية الباهرة التي توصل إليها، والتراث العلمي الحافل الذي أنتجه في ظروف الزمان الذي عاش فيه". ما من شك أن الكثير من تلك "النتائج العلمية الباهرة" قد تجاوزها العلم الحديث وغدت من اهتمامات المتخصصين في تاريخ العلوم. لكن مناهج البحث التي ابتكرها أو تلك التي ساهم مساهمة كبيرة في بلورتها تخطت "الزمن الذي عاش فيه" لتصبح من المناهج العلمي الحديثة. ويقف في مقدمة هذه المناهج المنهج النقدي، الذي يعتبر بحق من أهم رواده.
- منهج البحث العلمي عند البيروني:
في حقيقة الأمر، شرح البيروني منهجه في البحث من خلال مقدمة كتابه الآثار الباقية. ويعتقد البيروني أن للعلم أسس ومبادئ تكمن في شعور العالِم وتتجلى من خلال معالجته ومواقفه في دراساته، وهي من تحدد مدى أصالته أو زيفه وتحدد أيضاً المدى والمجال الذي يمكن أن يكون قد قطعه لتحقيق صفة "العلمية" في هذه الأبحاث وتلك الدراسات. وقد وجدنا بالدراسة أن دفاع البيروني عن العلوم عامة والعلوم التجريبية المتصلة بالفلك والطبيعيات خاصة، مع توجيه الانتباه إلى المصطلح العلمي وتحديده، بإجادة اللغات المختلفة وإجادة الترجمة، كل ذلك يؤهله لأن يكون رائداً من رواد البحث العلمي وصاحب منهج علمي دقيق يضعه في مصاف أصحاب المناهج المحدثين إن لم يتفوق عليهم.
فالمعرفة العلمية الحقة عند البيروني، هي التي تعمل على الاقتصاد في المجهود والتفكير، ووظيفة الاستقراء، وهي وظيفة العلم في الوقت نفسه، تنحصر في محاولة فهم الطبيعة، وليس هذا الفهم ممكن إلا بشرط أن نربط الظواهر بعضها ببعض. أي ببيان أن تلك الظواهر التي تقترن في الوجود، أو التي يتغير بعضها تبعاً لبعض، أو يتبع بعضها بعضاً، تخضع لعلاقات مطردة أو قوانين.
يؤمن البيروني أن تحصيل المعرفة لا يمكن أن يتم بغير البحث والتجربة، وحارب اعتناق الآراء في تسليم ودون تمحيص أو تحقيق، وطالب بحسن استخدام العقل في إخضاع الأشياء محل البحث للعديد من التجارب.
وهناك جانب هام في البحث التجريبي لم يغفله البيروني وهو نزوع البحث العلمي إلى التكميم الرياضي. فالتقدم العلمي نقل مركز الاهتمام من الملاحظ الحسية التي تحوّل الكيفيات إلى كميات، والتعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، ولذلك أصبحت الظواهر المشاهدة تترجم إلى رسوم بيانية ولوحات وجداول إحصائية. وهذا ما فعله أيضاً الحسن بن الهيثم في الضوء، وجابر بن حيان والرازي في الكيمياء.
حذر البيروني من التقليد، وطالب كل صاحب رأي أن يستوثق جيداً مما يقول قبل أن يجاهر برأيه، ودعا إلى عدم التمسح بعبارة "الله اعلم" لمداراة الجهل بحقائق الأمور.
يتصف البيروني أنه كان يعود للمصادر الأصلية فيما يكتبه ويلتزم بما فيها التزاماً تمليه عليه أمانته العلمية، ولم يكن يطمئن أبداً إلى النقل عمن رجعوا إلى تلك المصادر وخصوصاً إذا ما استشعر ضعفاً فيما تحت يده من مراجع ومعلومات. كما دفعت رغبة البحث الأصيلة المتوافرة لدى البيروني إلى تعلم اللغات الأصلية للأمم والشعوب التي يكتب عنها أو يدرسها، مثل اليونانية والفارسية السنسكريتية بل أجاد لهجاتها أيضاً.
اعتمد البيروني في طلب المعرفة على أسلوب الاستقصاء والاعتماد على الحس. ويتضح مدى عظمته وسبقه لو تبينا أن الأسلوب الإشراقي هو الذي كان منتشراً آنذاك، وهذا الأسلوب ركيزته التصوف، حيث لا تحصل المعرفة إلا عن طريق مجاهدة النفس ورياضتها بوسائل منها الزهد والانقطاع إلى التأملات الباطنية.
ولكن البيروني رفض منطق الإشراق الذي رأى أنه يجافي العقل ولا يستخدمه، وسلك البيروني طريقة الملاحظة الحسية ثم الاستنباط والتعليل وصولاً إلى المعرفة. وتتصف الملامح العامة للمنهج في البحث العلمي عند البيروني بما يلي:
- الاعتماد على الملاحظة المباشرة دائماً والملاحظة المشاركة أحياناً.
- الاعتماد على التجارب المعملية والميدانية كلما كان ذلك ممكناً.
- استخدام العقل سواء في الاستنباط أو التعليل.
- رفض أية وسائل غير حسية أو ملموسة كسبيل للوصول إلى المعرفة.
- رفض تقليد الآخرين سواء من حيث أسلوب الكتابة أو من حيث المنهج المستخدم.
- الرجوع إلى المصادر الأصلية كلما كان ذلك ممكناً.
- التأكيد من عدم فساد الآراء من خلال التأكد من صحتها وثبات نتائجها وذلك قبل الجهر بها.
- الاعتماد على أساليب القياس الكمي والاستقصاء الحسي كلما كان ذلك ممكناً.
- الاستمرار في البحث والمواظبة عليه، لأن نجاح الإنسان "موهبة من الله تعالى" ولكن لا يمكن تحقيقها "إلا بالمواظبة الدؤوب على الممارسة".
وفي عصر النهضة الأوروبية اكتملت دعائم التفكير العلمي في أوروبا ويعتبر فرانسيس بيكون** (1561- 1626م) من رواد هذه الفترة، بالإضافة إلى جون ستيوارت مل(4)، وكلود برنارد(5) وغيرهم، ولعل مسيرة البحث العلمي وخصوصاً في العلوم الطبيعية يمكن أن تعود إلى التجارب التي أجراها جاليليو في الفيزياء ومنذ تلك الفترة بدأت النظرية العلمية والأسلوب الفكري يجد طريقه إلى الفكر الغربي. وتتلخص رسالة بيكون في غرضين هما:
- تحويل العلم إلى منفعة بني الإنسان.
- وإقامة العلم على أساس الاستقراء بعج قيامه زمناً على أساس التقدير والقياس، لتفسير الطبيعة وتسخيرها بمطاوعة قوانينها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا هل حقاً أبدع بيكون هذين الطريقين، يضيف العقاد: "وكلا هذين الغرضين لم يبدعهما بيكون في زمانه كل الإبداع بل جاء عمله في كل منهما بعد تمهيد وارتياد واستطراد ". والصواب أن نقول: نعم أبدع بيكون في هذه المناهج أيما إبداع، ولكنه لم يبدعها من العدم. ذلك أن فضله على المنهج التجريبي بالخصوص لا ينكر، وبخاصة إذا نظرنا ما كانت عليه أوروبا قبل عصر الرشد بالنسبة إلى تاريخها.
يتوقف تقدم العلم على عدة عوامل، أهمها المنهج، وليس المنهج سوى مجموعة خطوات متتالية تؤدي بالباحث إلى هدف محدد، والهدف هو القانون الذي يفسر الظواهر تمهيداً للاستفادة منها. وقد ظلت العلوم لدى القدماء مضطربة، ونتائجها مشوشة، لأنها كانت تفتقر في الغالب إلى المنهج الصحيح الذي تُدَرس به. وفي اليوم الذي اكتشف فيه العلماء هذا المنهج، دخلت العلوم مرحلة جديدة تماماً، مازالت تؤتي ثمارها حتى اليوم. لكن ما هو البحث العلمي؟
يتصف البحث العلمي بأنه مجهود منظم، لأخذ ملاحظات، ولإجراء تجارب، وله قيمته العلمية، ولا يستحق البحث أن يكون بحثاً، إلا إذا أُقيم لحل مشكلة أكاديمية أو تطبيقية، متخذاً المنهج العلمي سبيلاً لذلك. أي " جهد منظم للحصول على معرفة جديدة ".
يهدف البحث العلمي كمسعى إنساني إلى تفسير ما يحدث حولنا من ظواهر، والغاية التي يرنو إليها الإنسان العالِم هي فهم العالم الطبيعي والاجتماعي. فإن تحققت الأهداف والغايات تيسر لنا إقامة نسق نظري ينطوي على القوانين التي تفسر أغلب الظواهر.
بذلك يعتبر البحث العلمي النشاط الذي ينتج العلم، ويكشف الحقائق، ويقدم الحلول للمشاكل، ويلزم لذلك أن يكوّن الباحث عمقاً نظرياً وعملياً في ناحيتين: الأولى هي مادة بحثه أو حقله، والثانية هي القواعد المنهجية. هذه القواعد المنهجية يمكن تصورها كشجرة في الحقل جذورها المنطق وهو المصدر الأساسي والضروري للمعرفة العلمية، فهو المختص بقواعد الاستدلال والمعرفة الصحيحة، وهو حامل الشجرة وحاميها من السقوط أو التأرجح بسبب الرياح الغريبة والأهواء المتحيزة. وساق هذه الشجرة مناهج البحث وطرقه وأدواته، فهي التي تفحص قواعد المعرفة وأساليبها وتأخذ منها وتطوعها حسب حاجة الإثبات العلمية. والأساليب الإحصائية والرياضية هي فروع الشجرة، فهي المنسق والمنفذ والمنتج، وتطرح الثمار، وتحملها، وتعرضها، على أفضل ما يكون.
ويتحدد تعريف البحث العلمي من خلال الربط بين معنى كلمة (البحث) ومعنى كلمة (العلم)، ولذلك يذهب البعض إلى تعريفه بأنه: إعمال الفكر وبذل الجهد الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا، بالتفتيش والتقصي عن المبادئ أو العلاقات التي تربط بينها، وصولاً إلى الحقيقة التي يبنى عليها أفضل الحلول لها. كما يعرف بأنه التقصي المنظم، بإتباع أساليب ومناهج علمية محددة للوصول إلى الحقائق العلمية، بقصد التأكد من صحتها أو تعديلها أو إضافة الجديد لها.
يقوم البحث العلمي بناءً على خطوات المنهج العلمي، الذي يتسم بأنه الطريق المؤدي إلى معرفة حقيقة الظواهر الطبيعية والوقائع البنائية التاريخية – ومن ضمن ذلك الوجود الإنساني نفسه – وكشفها وتحديد العلاقات بين المتغيرات الفاعلة تساندياً، التي تتكون منها الظاهرة أو الواقعة، والتي تميزت بوجود مراحل عمل واضحة من الملاحظة وفرض الفروض وجمع البيانات وإجراء التجربة وتحليل المعلومات والبرهنة على صحة الفروض التفسيرية، وثم صياغة النتيجة على شكل قانون أو نظرية. وعندما نحلل مصطلح المنهج العلمي نجد أنه يتكون من الكلمتين "منهج" و "علمي".
- المنهج: هو البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة، أو هو مجموعة قواعد يتبعها الباحث في إعداد بحثه، أو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم. بمعنى آخر المنهج هو "أسلوباً في التفكير، وخطوات علمية منظمة تهدف إلى حل مشكلة أو معالجة أمر من الأمور. هو برنامج عمل في البحث العلمي، وفي نقل النظري إلى التطبيقي، وفي التخطيط للمستقبل وفق نظرة علمية متبصرة". ولجميع الدراسات على اختلاف موضوعاتها ومناهجها الخاصة، فهناك: منهج للتعلم، ومنهج للقراءة، ومنهج للتربية، ومنهج للآثار، ومنهج للعلوم التطبيقية، ومنهج في الطب (علاجي- وقائي).
- العلمي: هي كلمة منسوبة إلى العلم، وهي بمعنى المعرفة، والدراية، وإدراك الحقائق. والعلم يعني الإحاطة والإلمام بالأشياء، والمعرفة بكل ما يتصل بها.
نجد من خلال التعريفين السابقين أن المنهج العلمي Scientific method عبارة عن مجموعة من التقنيات والطرق المصممة لفحص الظواهر والمعارف المكتشفة أو المراقبة حديثاً، أو لتصحيح وتكميل معلومات أو نظريات قديمة. تستند هذه الطرق أساساً على تجميع تأكيدات رصدية وتجريبية وقياسية (أي قابلة للقياس) تخضع لمبادئ الاستنتاج.
في حقيقة الأمر، اقترن اسم بيكون بعصر العلم الحديث، واعتبر وكأنه أبوه الشرعي الذي صاغ شهادة ميلاده الرسمية، حين أصدر كتابه بعنوان: "الأورغانون الجديد Novum Organon" عام 1620م، أي "الأداة الجديدة" الذي خصصه للعلوم الطبيعية، وأعلن فيه نقده لمنهج التفكير القديم، وأودعه أسس المنهج الحديث الذي أدى إلى تغيير طريقة التحليل البحثية نحو التجريبية والملاحظة الواقعية، وفي إشارة إلى أن أورغانون أرسطو بات أداة بالية، مؤكداً ضرورة التخلي عن التوقير غير المناسب للقديم، مستشهداً باكتشاف العالم الجديد تعبيراً عن أمله باتساع المعرفة، واكتشافها جديداً يتجاوز كل ما عرفه الأقدمون، اعتماداً على منهج التجريب، وقد أصبح الأورغانون الجديد درساً لا بد أن يردده كل مهتم بأمر مفهوم المنهج العلمي.
هكذا شارك بيكون رجالات عصره في الهجوم الضاري على عقم القياس الأرسطي، يقول عن الحاملين إياه: "لقد فقدوا غاية العلوم وهدفها، واختاروا طريقاً خاطئاً باتباعهم منهجاً، ليس من شأنه أن يكشف جديداً من مبادئ المعرفة، ويكتفي باتساق النتائج مع بعضها، فليكفَّ الناس عن التعجب من أن تيار العلوم لا يجري قُدُماً في طريقه الصحيح، فقد ضللهم منهج البحث، الذي يهجر الخبرة التجريبية، ويجعلهم يلفون ويدورون حول أنفسهم في دوائر مغلقة". وأعلن منهجاً تجريبياً هو الضد الصريح للقياس الأرسطي، فكان حاملاً لواء الانقلاب على الماضي والقطيعة مع العصور الوسطى، مجسداً مَعْلم الحداثة الغربية وشرط إنجازها.
لاحظ بيكون أن معظم الأخطاء السائدة في عصره التي تعوق البحث العلمي يمكن تصنيفها في أربع مجموعات، أطلق عليها اسم (الأوهام)، وهي كالآتي:
1- أوهام الجنس (البشري): والمقصود بها الهوى، والرغبة الخاصة، والإيمان الساذج بالخرافات.
2- أوهام الكهف: والمقصود بها العادات والتربية الأولى التي يتلقاها الإنسان من المجتمع ومن أسرته.
3- أوهام السوق: والمقصود بها الأخطاء الناتجة من التعامل مع الناس، وسببها عجز اللغة في التعبير عن الأفكار والعواطف.
4- أوهام المسرح: والمقصود بها أخطاء الخاصة والعلماء والفلاسفة، منشؤها اخترام الناس لما يقولونه، والتسليم به دون تفكير
كان هذا هو الجانب السلبي في نقد بيكون لطريقة التفكير السائدة في عصره، والمتأثرة إلى حد كبير بمنطق أرسطو، أما الجانب الإيجابي أو البناء فيتمثل في أنه وضع منهجاً يقوم على التجربة، ويستخدم طريقة الاستقراء(6)، ويتدرج في المراحل الأربع التالية:
- جمع الحقائق عن طريق الملاحظة والتجربة.
- الترتيب والتبويب في قوائم الحضور، والغياب والمقارنة.
- الاستقراء الحقيقي بمقارنة القوائم السابقة بعضها ببعض.
- التحقق والإثبات. وفي هذا السياق سنتحدث عن كل مرحلة من المراحل السابقة بشيء من الشرح والتفصيل، وهي كالآتي:
1- جمع الحقائق: المقصود هنا الملاحظات، وهي المادة الأولى للبحث العلمي، وأساس الاستقراء، ومن المعروف أن لكل ظاهرة تاريخاً يمكن متابعته في أحواله المختلفة، والوسيلة لذلك إنما هي الملاحظة والتجربة، فيقوم الباحث بتسجيل كل ما وقعت عليه حواسه، كما ينبغي عليه أن يجري التجارب بيديه، ليكشف المستور من الطبيعة، ويتأكد مما يبدو ظاهراً فيها. مثلاً: درجة انصهار الحديد ما بين (1,275 إلى 1,505) درجة مئوية، فعند درجة حرارة الغرفة، تنتظم ذرات الحديد ضمن بنية متراصة مفتوحة، عند تسخين الحديد حتى الدرجة (912) مئوية، تصبح الذرات أكثر تراصاً واقتراباً من بعضها قبل أن تعود وتصبح ذات بنية فضفاضة مرة أخرى عند الدرجة (1,394) مئوية، وينصهر الحديد تماماً عند الدرجة (1,538) مئوية. وهكذا فتح بيكون أمام الباحثين طريقاً جديداً، ونبههم إلى أهمية الملاحظات والتجارب التي يمكن أن تأتي بأطيب الثمار في هذا الطريق.
2- الترتيب والتبويب: وفي هذه المرحلة يقوم الباحث بتقسيم المعلومات التي حصل عليها وتصنيفها في قوائم ثلاثة تسمى:
أ- قائمة الحضور، وهي تضم كل الخصائص التي توجد في الظاهرة.
ب- قائمة الغياب، وهي تضم كل الخصائص التي تغيب بوجود الظاهرة.
ج- قائمة المقارنة، ويقارن فيها بين القائمتين السابقتين.
ولا شك في أن الغرض من ذلك هو تحديد الخواص الذاتية للظاهرة وإبعاد الخواص العرضية أو الزائلة، أو التي توهمنا أنها ثابتة. ومن المعروف أن هذه القوائم هي التي قادت جون ستيوارت مل، فيما بعد، إلى صياغة قوانين التحقق من الفرض في المنهج الحديث، حسب مفهومه الذي يجري عليه الباحثون في وقتنا الحاضر.
3- الاستقراء: ويتلخص في عمل مقارنة بين القوائم السابقة، وعندما يتبين الباحث أن إحدى الخواص لا تظهر في القوائم الثلاثة، فإنه يجب عليه استبعادها من بين الخصائص الذاتية للظاهرة، وهذا ما يسميه بيكون "ألف باء الطبيعة" أي الوصول إلى الخواص الذاتية للأشياء.
وقد وصل بيكون بهذه الطريقة إلى تفسير ظاهرة الحرارة وتحديد خواصها الذاتية، فقال إنها لا يمكن أن تكون نتيجة وضع خاص للجسم كاللون، ولا أن تختلط بالضوء، بل حركة سريعة لجزئيات الجسم، وإنها تختلف تبعاً لسرعة هذه الحركة وقوتها.
4- التحقق والإثبات: لم يعرض بيكون لهذا الموضوع بصورة كافية وملاحظاته المتفرقة في هذا الصدد تعتبر بداية لمرحلة التحقق من الفروض التي أصبحت فيما بعد جزءاً أساسياً من المنهج الحديث. ويحسب له أنه تنبه لصلة الرياضيات بالأبحاث الطبيعية، وإذا كان لم يقدم في منطقة الأدلة قاطعة على الإثبات، فإن أدلة النفي عنده قاطعة.
وهكذا نجد أن هدف بيكون هو سيادة الإنسان على الطبيعة باستكشاف صور الكيفيات. ولا سبيل إلى هذا الاستكشاف سوى التوجه إلى الطبيعة ذاتها. هذا شرط أول، إذ لا يمكن السيادة على الطبيعة إلا بالخضوع لها في بادئ الأمر، يقول بيكون في مفتتح (الأورغانون الجديد): "إن الإنسان من حيث هو خادم الطبيعة ومفسر لها، يعمل في نظام الطبيعة ويدركه بقدر ما تتيح له ملاحظاته عن هذا النظام، سواء فيما يتعلق بالأشياء أم بالعقل، وهو لا يعلم ولا يستطيع شيئاً أكثر من ذلك". وملاحظات الإنسان تعرض عليه الكيفية التي يبحث عن صورتها مختلطة بكيفيات أخرى. فكيف السبيل إلى استخلاص هذه الصورة مما عداها؟ يذهب بيكون إلى أنه لا يتسنى ذلك إلا عن طريق الاستقراء الذي يفصل الطبيعة بواسطة عمليات الرفض والاستبعاد الصحيحة، ثم يخلص إلى النتيجة الإيجابية بعد أن يكون قد جمع عدداً كافياً من الحالات السلبية. فالاستقراء عن بيكون يتميز أساساً بالرفض والاستبعاد، أي إسقاط كل ما تقتضي بإسقاطه الأمثلة السلبية. ولعل هذا هو ما دعا بعض النقاد إلى القول بأن اعتماد الاستقراء العلمي عند بيكون على الأمثلة السالبة هو ما يعطي لبيكون مكانته بين الفلاسفة والعلماء.
بذلك يعتبر بيكون مؤسس منهج العلم الحديث ونافخ بوقه، فهو ليس مجرد مرحلة أعلى شديدة التميز والتألق من مراحل العلم، بل كان أيضاً نقلة حضارية شاملة للثقافة الغربية، تبدلت معها طبيعة التفكير ورؤية العالم، ونتج عنها تطبيقات وفعاليات غيرت معالم الحياة الإنسانية وتكوين طبقات المجتمع، ثم طبيعة العلاقات بين الدول والأقاليم. إنها متغيرات وتحولات صنعت العصر الحديث، والعقل الحديث والإنسان الحديث في أوروبا.
ذهب العلم الحديث ينمو ويتصاعد، ليمتثل نصب الأعين فعالية المنهج التجريبي شريعة العلم وناموسه، بدرجةٍ لم تتحقق من قبل. الحديث المستحدث فعلاً أن المنهج العلمي كان روح العلم، بقدر ما كان تجسيداً لروح العصر الحديث، التي تخلّقت في الأراضي الأوروبية، بعد أن امتصت الخلاصة من الحضارة الإسلامية الأسبق والمتاخمة لها. وكانت أوروبا بيئة مواتية لهذا التوقد والتفجر في نجاح العلم التجريبي، لأن التجريبية فيها آنذاك لم تكن محض آلية منهجية للكسب المعرفي، بل هي إيديولوجيا العصر الحديث وروحه، حاملةً قيمه ومحكّاته، وأوضح تعبير عن متغيراته وعن آفاقه المستهدفة. كان العلم التجريبي في الحضارة الإسلامية دائرة من الدوائر المعرفية، التي ترسّمت حول المركز الحضاري الإسلامي- النص الديني، فكان المنهج العلمي بُعداً من أبعادٍ عدة لعطائها المعرفي. أما في الحضارة الغربية الحديثة، فلم تكن التجريبية العلمية مجرد بُعد، بل هي المحور. ومفهوم المنهج العلمي هو المركز ذاته، الذي تترسم حوله الدوائر المتوالية. من هذا المركز وإليه تنبع وترتد معالم الحداثة، تترسم القيم وتتشكل إيديولوجية العصر أو إطاره المرجعي.
يعتبر مفهوم المنهج العلمي التجريبي جوهر الحداثة، بقدر ما كان علامة وإمارة وقوة فاعلة لإغلاق العصور الوسطى وفتح بوابات العصر الحديث، طريق الانتقال من عصور مظلمة إلى مقدمات عصر التنوير. انتهت المرحلة الأوروبية الوسيطة بما حملته من كهنوت كنسي ثقيل وصل إلى محاكم تفتيش، يحمل السلطة المعرفية ويفرض الوصاية على الإنسان. ولئن كان جوهر المنهج العلمي هو التفاعل بين العقل والحواس، فقد باتت فعالياته الحديثة المتوالية إعلاناً وتبياناً وبرهاناً، على أن الإنسان الذي يملك العقل والحواس، جدير بأن يستقل بذاته وتُرفع من عليه أية وصاية، لينطلق باحثاً عن الحقائق متحملاً مسؤولية المعرفة.
وهكذا اقترن العصر الحديث في أوروبا واقترنت الحداثة برفض السلطة المعرفية على الإنسان وأن يستقل بنفسه. العقل والحواس وسائل يملكها الإنسان لاكتساب المعرفة، والتوصل إلى الحقائق وتمييزها عن الباطل، ولا حاجة إلى سلطةٍ تدله عليها، إنها الثقة في الإنسان التي فتحت الباب لإعلاء الفردية والمبادرة والاستقلال والحرية والمسؤولية، وتأدت إلى العلمانية ومنظومة القيم الليبرالية، وذلك بتفاعلها مع متغيرات سياق الواقع الأوروبي وتفاعلاته آنذاك، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وصعود الطبقة البرجوازية.
لقد بدت العقلانية التجريبية التي يجسدها مفهوم المنهج العلمي قوةً تدفع الإنسان إلى التحرر الشامل، غير المقتصر على المفهوم الليبرالي: دعه يعمل، دعه يمر. إنها تعني حرية العقل والفكر والقول والفعل. يتم البحث العلمي عبر مرحليات مفتوحة، تنتهي إلى وضع النظرية أو القانون. وفي هذه المرحليات جميعاً لا خضوع لأية سلطة زمنية أو روحية. وتأتي حصائلها لتفتح أمام الإنسان آفاق الأمل في معرفة، يستطيع عن طريقها أن يحرر نفسه ويحرِّر الآخرين من أعداء الحرية العتاة: الجهل والبؤس والعبودية والفقر والمرض والعجز أمام قوى الطبيعة الغاشمة، تحدوه عقيدة متفائلة مفادها أن العلم الإنساني والحرية سوف يتقدمان متآزرين، ليدخلا حيزاً لإمكانية كمال إنساني غير محدود. إن المنهج العلمي طريق العلم، طريق الحرية، طريق التقدم المتوالي، طريق الحداثة.
لقد تمخضت قوى الحداثة الأوروبية عن استغلال وظلم في الداخل، واستبدال طبقة العمال بطبقة عبيد الأرض، وفي الخارج عن جرائم استعمارية تقشعر منها الأبدان، لم تكن محض فيحاء الحرية والمدينة المثالية واليوتوبيا السرمدية، ولا توجد تجربة إنسانية هكذا. إن سلبيات ومثالب وجرائم الحداثة معروفة جيداً، مشهورة ومذكورة التي ارتكبت باسم العقل، وقد طرحتها تيارات ما بعد الحداثة وما بعد الاستعمارية على الملأ الأعلى، أو ببساطة فضحتها، ونحن الذين عانينا الأمرين من جرائم الاستعمارية والإمبريالية، لسنا في حاجة لانتظار جهود كشف وفضح لسلبيات الحداثة. على أية حال، الإيجابيات عظيمة شاهقة وثمة سلبيات، في القرن الثامن عشر تبلورت الإيجابيات والسلبيات في ذروة المد الحداثي، وهو ما يُعرف بعصر التنوير حيث سيادة العقل والإنسان مركز الكون.
يتمثل التنوير الأوروبي في المقولات الجوهرية المعروضة آنفاً: العقلانية والتجريبية واستقلال الإنسان والفردية والحرية والتقدم، بعبارةٍ موجزة، يتمثل التنوير في مفهوم المنهج العلمي ومتوالياته، التي تبدو إيجابيات ناصعة.
بذلك يعتبر المنهج العلمي آلية مفطورة في العقل، ملك للبشر أجمعين، مشترك إنساني عام، ولكن درجة وحدود تفعيله حجم وطبيعة ونواتج هذا التفعيل… باختصار متوالياته تختلف من حضارةٍ لأخرى. كانت الحداثة الأوروبية تفعيلاً متعاظماً لمفهوم المنهج العلمي، بدرجة فاقت بها العالمين، وعرفت كيف تستغل متوالياته المتعاظمة بدورها لكي تسود الأرضين، وذلك فيما عُرف بالمد الاستعماري، الذي يرسم بسلبياته قبل إيجابياته تاريخ العالم الحديث. على مستوى الفكر تبلورت متواليات مفهوم المنهج العلمي في عقيدة عصر التنوير، وعلى مستوى الواقع تكاثفت متوالياته ونواتج ممارساته المقننة في الثورة الصناعية المواكبة، التي جعلت الاستعمار لازمة لأوروبا، من أجل حماية الإنتاج بالجملة وضرورة تأمين طرق التبادل التجاري العالمية، وورود المواد الخام من الدول البعيدة المتخلفة الفقيرة، التي لا بد أن تظل هكذا لا تصنع ولا تنتج؛ لتبقى سوقاً لمنتجات المصانع الأوروبية. هنا ارتد مفهوم التنوير الأوروبي إلى مقولةِ حق يُراد بها باطل: طريق التقدم هو طريق العلم والعقل والحرية، وهذا الطريق قطعه باقتدار وامتياز إنسان الحضارة الأوروبية الحديثة، الرجل الأبيض، ومن حقه ومن واجبه أن يفرضه على الشعوب المتخلفة طوعاً أو كرهاً، ليغدو الاستعمار حقاً وواجباً.
ومع الحقبة الاستعمارية تعاظم شأن الحضارة الأوروبية وحداثتها وثقافتها إجمالاً، حتى تربَّعت على عرش العالمين فيما عُرف بالمركزية الأوروبية Eurocentrism أو المركزية الغربية، التي امتدت إلى الشاطئ الغربي من المحيط حيث الولايات المتحدة الأمريكية، وتعني أن الغرب لا سواه هو الحضارة بأصول تعود فقط إلى الإغريق لتؤكد نقاء العنصر الغربي، وما عدا الغرب هوامش الجهالة والتخلف، بدرجاتٍ متفاوتة تبعاً لدرجة اقترابها من المركز، فالرجل الأبيض هو المثال الأعلى والمحك والمعيار لقيم التقدم. هكذا كانت محصلة الحداثة الغربية، وسارت في الطريق الواعد دوماً بالمزيد، وبدا هذا وكأنه الوضعية التي حطّت عليها نهائياً مراحل التطور الإنساني والتقدم الحضاري.
حتى شهدت أواسط القرن العشرين منعطفاً جذرياً بانتهاء الحرب العالمية الثانية، التي أثارت ويلاتها الشك في قيم الحداثة، والأهم أنها أعلنت إفلاس الاستعمارية الأوروبية ووصولها طريقاً مسدوداً، تزامن مع هذا تصاعد المد القومي في أنحاء العالم ومطالب الحرية والاستقلال. وفي الثلث الثالث من القرن العشرين كان الولوج الصريح إلى عصر ما بعد الاستعمارية، وما بعد الحداثة، وهما وجهان لعملةٍ واحدة، تعني طابعاً نقدياً حاداً، وأن الحداثة مرحلة وليست غاية المطاف وسدرة المنتهى، كل مفاهيمها ومنطلقاتها مستحقة للتفكيك، للمراجعة والتعديل والتصويب، ويمكن أن تظفر بطرح أفضل. ولا يُستثنى مفهوم المنهج العلمي.
خلاصة القول إن أهمية بيكون في مجال المنهج تتمثل قبل كل شيء في تجميع ما سبقه أو عاصره من ملاحظات حول طريقة التفكير الجديدة، ووضعها في بناء متكامل، ومن واضح أنه كان على وعي كامل بأهمية العمل الذي قام به. ويظهر ذلك من تسمية كتابه "الأورغانون الجديد" وكأنه يتحدى بذلك أورغانون أرسطو، ويسعى إلى أن يحل محله.
والواقع أن بيكون هو الواضع الحقيقي للمنهج التجريبي، وإليه يرجع الفضل في دعوة الباحثين، لأول مرة إلى تدوين ملاحظاتهم، والقيام بتجاربهم وأقلامهم بأيديهم يسجلون بها ما ينتهون إليه، كما دعا بيكون إلى التأني في الملاحظة، والتثبت في التجربة، وحذر من سرعة التعميمات واستنباط القواعد والقوانين، كذلك فإنه لم يقنع في جمعه لحقائق التي تؤيد ظاهرة ما بالأحوال الملائمة تاركاً غير الملائمة، ولم يكتف بنواحي الإثبات مهملاً نواحي النفي، بل ضم إلى قوائم الحضور قوائم الغياب، فنقل بها الاستقراء من صورته الدارجة المتعارف عليها إلى حالتها العلمية التي تلم بكل الجوانب.
وفي النهاية، يمكننا القول إن التصور الذي طرأ على المنهج الحديث بعد بيكون لم يكن في الأسس، وإنما في التفاصيل، بإكمال بعض النقاط، وضبط بعضها الآخر.
اضف تعليق