مثلت صدمة 7 أكتوبر لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي والعالمي لا تقل ربما في مفصليتها عن صدمة 11 سبتمبر. لقد أدت كل من الصدمتين الى خلق بيئة قرار ضاغطة ودون ضابطة، مدفوعة برأي رسمي وشعبي مصدوم وفاقد للبوصلة مما جعل متخذي القرار يسارعون بقرارات استراتيجية بناء على افتراضات خاطئة ومشاعر لحظية...
مثلت صدمة 7 أكتوبر لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي والعالمي لا تقل ربما في مفصليتها عن صدمة 11 سبتمبر. لقد أدت كل من الصدمتين الى خلق بيئة قرار ضاغطة ودون ضابطة، مدفوعة برأي رسمي وشعبي مصدوم وفاقد للبوصلة مما جعل متخذي القرار يسارعون بقرارات استراتيجية بناء على افتراضات خاطئة ومشاعر لحظية.
هذه الافتراضات والمشاعر شكلت الإطار والسياق العام الذي ميّز عملية أتخاذ القرارات الاستراتيجية خلال مراحل التعامل الأمريكي الثلاث مع المنطقة منذ 2001 للآن. تمثلت هذه المراحل بالدخول ثم الخروج وأخيراً العودة.
1) مرحلة الدخول (الغزو). ففي أعقاب الهجوم الإرهابي على برج التجارة العالمي، شعر بوش بحاجة فورية للانتقام ليس لتهدئة الشارع الأمريكي المصدوم بل للمحافظة على صورة أميركا التي لا تقهر من جهة والظهور بمظهر القائد القوي من جهة أخرى. لذا لم تكن الحسابات الاستراتيجية هي التي دفعت أمريكا لغزو أفغانستان والعراق، بل الاعتبارات النفسية والسياسية اللحظية التي أعقبت 11 سبتمبر.
وفي حالة العراق تحديداً فقد بٌني قرار الغزو العسكري وما تلاه من أدارة مباشرة للعراق على عدد من الافتراضات الكبرى التي ثبت خطأها فيما بعد. ولأن المجال لا يسمح هنا بمناقشة تفصيلية لكل من هذه الافتراضات فسأكتفي بإيرادها فقط على أمل العودة لتفاصيلها في مناسبات أخرى. هذه الافتراضات هي:
أ. العراق يشكل تهديداً وجودياً للعالم ولمصالح أمريكا من خلال امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وعلاقته بالقاعدة.
ب. أسقاط النظام العراقي سينشر الديموقراطية في المنطقة ويمثل رادعاً لسلوك الأنظمة الديكتاتورية التي خلقت الظروف لتصدير الإرهاب الأسلاموي للعالم.
ت. أسقاط النظام العراقي سيخلق نظام صديق لأميركا بما يعزز كثيراً من مصالحها نظراً للأهمية الجيوستراتيجية والاقتصادية للعراق.
ث. أسقاط النظام سيضعف ما أسمته آنذاك بمحور الشر(العراق، أيران، وكوريا الشمالية) وبالتالي يخدم الهيمنة الأميركية على العالم.
ج. العراقيون عموماً، وبخاصة الشيعة، سيشعرون بالامتنان ويستقبلون القوات الغازية بالورود، مما يعزز العلامة التجارية الأمريكية العالمية(نشر الديموقراطية وحقوق الأنسان).
ح. المعارضة العراقية تصلح لقيادة ما بعد صدام.
خ. المقاومة العسكرية المسلحة للغزو هي ارهاب وليس تمرد.
2) مرحلة الخروج. لقد أثبتت كل الوقائع ما بعد الغزو خطأ هذه الافتراضات مما سبب لأمريكا حرجاً عالمياً وداخلياً استشعرت معه أدارة بوش بضرورة ترميم صورة أمريكا وسياستها داخلياً وخارجياً، والخروج من المأزق العراقي فتم الاتفاق على سحب القوات وتوقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع العراق.
لكن ذلك لم يقنع أوباما وأدارته الذي رأى أن أميركا لم تخطئ فقط بغزو العراق، بل بالانهماك بمنطقة الشرق الأوسط وترك الحبل عالغارب لمنافسها العملاق (الصين) فقرر تصميم استراتيجية سميت بالخروج. بموجبها تنسحب أميركا من كل المنطقة وتترك لحكوماتها(بخاصة السعودية وايران كما ذكر ذلك تحديداً في مقابلته الأخيرة أثناء حكمه لمنصة اتلانتك (الاتفاق على ترتيبات أمنية تخفف التوترات في المنطقة.
مرة أخرى أثبتت الإدارة الأميركية أنها تتخذ قراراتها في المنطقة بناء على اعتبارات سياسية داخلية وليس بناءً على استراتيجية أمريكية عالمية واضحة. أن أهم الافتراضات الخاطئة لاستراتيجية الخروج والمرحلة التي أعقبتها (2011-2023) تمثلت في النقاط التي ستعرض في مقال قادم.
اضف تعليق