فَشِلَ بلينكن، وعادَ خائباً، مرّة اخرى لاسرائيل، ليخبِر نتنياهو بالنتائج، والتي على ضوئها قررت امريكا استبعاد فرضية التوغل البري، وتوالى تسريب انباء استبعاد التوغل البري او تأجيله، وانباء عن خلاف حاد بين وزير الامن الاسرائيلي، المؤيد والداعي بقوة لتوغل بري، والموقف الامريكي، والمتمثل بنتنياهو، والمتحفظ جداً على قيام اسرائيل بتوغل برّي...

التاريخ، وخاصة في منطقتنا، مدرسة وليس درساً، لقراءة وتحليل الوقائع والاحداث والمواقف، واستشراف ما بعدها .

في عِزْ انتصارات ابطال فلسطين، ومأساة اطفالها ونسائها، وفي اكبر حملة تبرع دم من ابناء غزّة لاولئك الذين يعيشون دون دماء، دون قلوب، دون انسانيّة، تستعيد ذاكرتي لقاء كولن بول، وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية الاسبق، مع الرئيس السوري بشار الاسد، في شهر تشرين الاول عام ٢٠٠٤، اي بعد احتلال العراق .

المفارقة أنَّ اللقاء كان ايضاً في شهر تشرين، في شهر اكتوبر، حيث كانت الادارة الاميركية حينها تشعرُ بالنصر والقوة على الارض، فكان مضمون اللقاء رسائل تهديد صريحة لسوريّة، ومطالبتها بالخضوع والانصياع للمطالب الامريكية رفضت سورية.

اليوم، وبعد عشرين عاماً، يأتي بلينكن وخلفه بايدن الى المنطقة، وهم خائفون على مصير الكيان، يتوسلون عدم توسّع الصراع، ويبحثون عن حّلْ، جاؤوا في الامس متوعديّن وجاؤوا اليوم منهزمين هم اكثر من الاسرائيليين معنون بالانكسار وبالهزيمة، والذي حقّق هذا الانتصار قوة صغيرة من المقاومة، فما بالك بأولئك الذين يحملون ذات الارادة والعقيدة في القتال، وهم اكثر عدداً و قوة وتجهيزاً .

عشرون عاماً مضتْ، وهم يسعون لتصفية القضية الفلسطينة، واذا بالمقاومة الفلسطينية الاسلامية و احرار العالم وشرفاء الوطن يشهدون مرحلة تصفية الكيان المغتصبْ. طوفان الاقصى نقلَ القضية الفلسطينية من عصر التطبيع الى عصر التحرير .

اعودُ الآن لتقييم واستشراف زيارة بلينكن وبايدن للمنطقة :

عديدةٌ هي اهداف ودلالات زيارة الرئيس الامريكي بايدن الى المنطقة، وفي هذا الظرف، وتأتي بعد اختتام زيارة وزير خارجية الادارة الامريكية، قبل ثلاثة ايام .

وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، والصادرة يوم ١٠/١٥، والتي تناولت زيارة بلينكن الى السعودية، لمْ تك زيارته موفقة للمملكة، حيث وبعد انتظاره ساعات عصر يوم السبت، لم يقابله الامير ولي العهد محمد بن سلمان الاّ صباح يوم الاحد، واسمعه وبأختصار جداً ما هو المطلوب من امريكا، وليس ما هو المطلوب من السعودية او من العرب، وهو: ايقاف القصف الوحشي على المدنيين، حّلْ الدولتيّن، ايصال الماء والكهرباء والوقود الى القطاع المحاصر والمحتل، كذلك كان اللقاء بين بلينكن والرئيس محمود عباس في عمّان، وليس في رام الله، فاشلاً وحسب تصريح السيد عباس زكي،عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطينية.

جاء بلينكن ليطلب من اصدقائه وحلفائه بأن يدينوا مقاومة حماس، ويوافقوا على تهجير سكان غزّة، ربما ارادَ منهم الادانة والتهجير، كخطوة اولى ليطلب بعدها مشاركتهم في توغل بري للقضاء على حماس، ولِمَ لا، وللادارة الاميركية الاكثر صهيونيّة (حسبَ ما صرّحَ به بلينكن عن صهيونيتهِ) لا خجل ولاحياء .

وجاء ايضاً وزير خارجية ايران وزار عواصم المنطقة والتقى قادة المقاومة في بيروت لدعم المقاومة، وفي مسعى هدفه اتخاذ موقف عربي و اسلامي موحدْ تجاه الجرائم الاسرائيلية .

فَشِلَ بلينكن، وعادَ خائباً، مرّة اخرى لاسرائيل، ليخبِر نتنياهو بالنتائج، والتي على ضوئها قررت امريكا استبعاد فرضية التوغل البري، وتوالى تسريب انباء استبعاد التوغل البري او تأجيله، وانباء عن خلاف حاد بين وزير الامن الاسرائيلي، المؤيد والداعي بقوة لتوغل بري، والموقف الامريكي، والمتمثل بنتنياهو، والمتحفظ جداً على قيام اسرائيل بتوغل برّي. مَنْ يدير”عمليات القصف الجوي” هي الادارة الامريكية وليس نتنياهو، وهذا ما كتبناه في تاريخ ١٠/٥، في مقال، تحت عنوان، هل تُقدِم اسرائيل على التوغل البري”؟ .

ما يجري في غزّة ليس معركة وليس حربا، هي، في الحقيقة، بل قصف جوي على مباني واطفال و مدنيين عُزّل .

المعركة الآن، في شمال اسرائيل، في جنوب لبنان، بين حزب الله واسرائيل، تبدو معركة استنزاف للكيان الصهيوني، حيث يتكبّد كل يوم خسائر في الارواح والمعدات، علاوة على القلق والهلع والخوف الذي يرتاب العدو من تدحرج مناوشات المعركة نحو حرب، تسمح لمقاتلي حزب الله بالتوغل نحو الجليل .

امريكا واسرائيل، هدّدا بالتوغل البري في غزة، واكتشفوا عجزهم، يخشون الآن مِنْ توغل بري لحزب الله في الجليل ولما هو ابعد من الجليل !

قد تكون هذه هي المفاجأة التي يتحدث عنها محور المقاومة !

في حسابات محور المقاومة في حالة توغّل بري لمقاتلي حزب الله نحو الجليل، لن تجرؤ اسرائيل على الذهاب لخيار القصف الجوي على بيروت والجنوب، لانها تعلم جيداً قدرات المقاومة في الرّدْ، سيفرض الحزب، في هذه الحالة، على اسرائيل معركة بريّة حقيقية وستتكبد خسائر كبيرة في المعدات والافراد .

ما الذي كان في جعبة بايدن عند لقائه الذي كان مفترضا مع القادة العرب وقد تم إلغاؤه؟

سيصل الرئيس وسيكون بين العرب، وهو بشعور خاسر وفاشل، وربما كان سيقول لهم ”انا بينكم ابراهيمي وليس صهيونيا”. اتصال بايدن برئيس وزراء العراق، السيد محمد شياع السوداني، قبيل وصوله للمنطقة، دليل على انهم يخشون من طلوع المَنون لمقاتلي حزب الله، ويعرف الرئيس بايدن أن العراق مؤهل اكثر من غيره من الدول العربية، للتواصل والتأثير بمحور المقاومة، وخاصة ايران. يريد بايدن تطمينات قبيل وصوله بأنْ لا هجوم برّيا من طرف حزب الله، اثناء زيارته .

الاجواء الآن في المنطقة تتجهّ في الحديث والعمل عن توغّل برّي لحزب الله لتحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة، وكذلك الدخول الى الجليل، اي فتح معركة بريّة حقيقية، لا قدرة للعدو الصهيوني على مواجهتها .

*رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات. بروكسل.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق