ان المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها المؤسسة الدستورية المعنية بالحفاظ على تطبيق الدستور وضمان عدم خرقه تمارس عدة اختصاصات الى جانب الرقابة على دستورية القوانين والانظمة وتفسير الدستور، فخرق الدستور لايقتصر حدوثه من قبل السلطة التشريعية فقط، وهي السلطة التي تمارس الاختصاص التشريعي في الحدود التي رسمها الدستور، وانما...
من المعروف ان المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها المؤسسة الدستورية المعنية بالحفاظ على تطبيق الدستور وضمان عدم خرقه تمارس عدة اختصاصات الى جانب الرقابة على دستورية القوانين والانظمة وتفسير الدستور، فخرق الدستور لايقتصر حدوثه من قبل السلطة التشريعية فقط، وهي السلطة التي تمارس الاختصاص التشريعي في الحدود التي رسمها الدستور، وانما الخرق ممكن ان يحدث من السلطات الاتحادية الاخرى، والذي نود التركيز عليه في هذا المقام بأن خرق الدستور يمكن ان يحصل من السلطة التنفيذية عند مباشرتها لمهامها حتى وان كانت ذات طابع تنفيذي، ومن المعلوم ان السلطة التنفيذية او الحكومة بمعناها الفني تمارس مهاما عن طريق المراسيم والتعليمات والقرارات والتوجيهات والتي كانت بمنأى عن الرقابة القضائية سابقاً .
اعمال السيادة
حيث كان المشرع قد تبنى نظرية اعمال السيادة من خلال تحصين المراسيم والقرارات من الطعن القضائي، حيث نصت المادة (10) من قانون التنظيم القضائي رقم (160)لسنة 1979 المعدل على ان ( لاينظر القضاء في كل ما يعتبر من اعمال السيادة )، كما نصت المادة (7/ خامساً) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل قبل صدور التعديل الخامس له على ان ( لا تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون المتعلقه بما يأتي :
أ- اعمال السيادة وتعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية )، الا ان بصدور دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تخلى المشرع الدستوري عن فكرة تحصين اعمال السيادة انتصاراً لمبدأ المشروعية وخضوع الجميع حكاماً ومحكومين للقانون، حيث نصت المادة (100) من الدستور على ان ( يحضر النص في القوانين على تحصين اي عمل او قرار اداري من الطعن)، وتنفيذا لهذا النص اصدر المشرع العراقي القانون رقم (17) لسنة 2005 قانون الغاء النصوص التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوي اينما وردت سواء في القوانين ام في قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) للفترة من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003 وبذلك رفع المنع المفروض على القضاء العادي والاداري من النظر في الدعاوي والطعون بسبب عدم مشروعية المراسيم وقرارات الحكومة وتوجيهاتها، وبالرغم من ان المراسيم والقرارات والتوجيهات الصادرة من السلطة التنفيذية هي قرارات ادارية بمفهومها العضوي باعتبار الجهة التي اصدرتها سواء كانت فردية ام تنظيمية وهي تخضع بالاساس لاختصاص محكمة القضاء الاداري استناداً للمادة (7/ رابعا) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل، الا ان المادة (93) من دستور جمهورية العراق قد اعطت المحكمة الاتحادية العليا اختصاص الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، كما نصت المادة (4/ /ثالثاً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا المرقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 على ذات الاختصاص، وبالتالي تم اخراج اعمال الحكومة باعتبارها احد السلطات الاتحادية من نطاق رقابه القضاء الاداري وادخلت في نطاق اختصاص المحكمة الاتحادية العليا ولعل السبب من وجهة نظرنا المتواضعه هو عدم الاستقلال الفعلي لمجلس الدولة اتجاه السلطة التنفيذية رغم ان قانونه نص على كونه هيئة قضائية مستقلة وبالتالي يتعذر النظر بقرارات السلطة التنفيذية التي تملك سلطة تقديرية في تعيين اعضاءه وعزلهم، مقارنة بالاستقلال والقوة التي تتمتع بها المحكمة الاتحادية العليا التي تستطيع الوقوف امام السلطات الاتحادية سواء كانت مركزية او اقليمية في حاله خرقها للدستور، ومن التطبيقات القضائية في هذا المجال :
1- قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد ( 170/ اتحادية /2022) في 25 /1/2023 حيث الغى القرار المذكور سلسة من قرارات مجلس الوزراء هي (194 و226 و257 و335 و401) لسنة 2021 والقرار (8) لسنة 2022 وهي قرارات اتخذها مجلس الوزراء للايعاز لوزارة المالية لصرف مبالغ تمويل رواتب ومستحقات موظفي اقليم كردستان بصورة مخالفة للمادة (62/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمادة (12) من قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 حيث جاء في حيثيات قرارها (… اذ لاشرعية لاي عمل او امتناع عن عمل من قبل السلطات الاتحادية اذا كان في ذلك مخالفه دستورية، وحيث ان تلك المخالفه تمثل خرقاً لاسمى قاعدة قانونية وهو الدستور مما يوجب الحكم بعدم صحة اي قرار او نظام او تعليمات او اجراءات مخالفه للدستور وفقاً لاختصاص المحكمة الاتحادية العليا ….) .
2- قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (262/اتحادية/2022) في 24/5/2023 بعدم صحة توجيه صادر من رئيس مجلس الوزراء يسمح لمستشار رئيس الوزراء لحقوق الانسان والسكرتير الشخصي للقائد العام للقوات المسلحة بقبول طلبات شكاوي بشأن متهمين الذين انتزعت منهم اعترافات بالاكراه او القسر عن طريق البريد الاليكتروني للمكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء ويقوم المستشار برفعها حسب الاختصاص لرفعها الى الادعاء العام حيث خلصت المحكمة في قرارها الى ( … ومما تقدم من تفصيل فلايجوز لاي جهة اخرى تلقي الشكاوي او التحقيق فيها.
مالم ينص القانون على اختصاص صريح لها في ذلك، وننتهي الى ان التوجيه الصادر من المدعى عليه اضافة لوظيفته لايسنده نص من القانون.
وهو جدير بتقرير عدم صحته، عليه قررت المحكمة الحكم بعدم صحة التوجيه الصادر من رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 11/11/2022 لمخالفته مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (47) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 وقانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 وقانون هيأة النزاهة رقم (30) لسنة 2011 وقانو المفوضيه العليا لحقوق الانسان رقم (53) لسنة 2008).
3- قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (218/اتحادية/2022) في 19/12/2022 التي قضت بصحة الفقرة (3) من قرار مجلس الوزراء المرقم (389) لسنة 2019 المعدلة بقرار مجلس الوزراء (464) لسنة 2019 الخاصة بمعالجة وضع المفتشين العموميين بعد صدور القانون رقم (24) لسنة 2019 قانون الغاء امر سلطة الائتلاف المؤقته (المنحلة) رقم (57) لسنة 2004 حيث جاء بحيثيات قرارها ( … وعلى اساس ما تقدم فأن الفقرة (3) من قرار مجلس الوزراء محل الطعن جاءت منسجمه مع احكام المادة (41) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل،…..ولما تقدم فأن الفقرة (3) من قرار مجلس الوزراء محل الطعن المرقم (389) لسنة 2019 المعدل بالقرار (464) لسنة 2019 لم تتضمن اي مخالفه لاحكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ولاسيما المواد (14و16و19/سادساًو22/اولاً) منه، ولعدم وجود ما يخل بصحتها، الامر الذي يقضي رد دعوى المدعي بخصوص الطعن بذلك…).
4- قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (36/ اتحادية /2023) في 7/5/2023 الذي قضى بصحة قرار مجلس الوزراء بالعدد (333) في 8/9/2015 الذي تضمن البند (ثانيا/1) منه ايقاف صرف الرواتب التقاعدية التي منحت لعدد من المناصب ومنهم الوزراء الذين شغلوا مناصبهم بعد تاريخ 9/4/2003 واعادة احتساب رواتبهم التقاعدية وفقاً لقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل حيث جاء في حيثيات قرارها ( …ان القرار المطعون فيه جاء تطبيقاً صحيحاً لاحكام المادة (38/ اولاً) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 التي تنص على :تلغى كافة النصوص الواردة في التشريعات والاوامر التي تقرر للمتقاعد او المستحق حقوقا تقاعدية، راتباً او مكافأة خلافاً لاحكام هذا القانون بما فيها الامر التشريعي رقم (9) لسنة 200).
اما على مستوى اقليم كردستان فقد راقبت المحكمة الاتحادية العليا صحة قرارات السلطة التنفيذية في الاقليم حيث ذهبت المحكمة بموجب قرارها بالعدد (212/اتحادية/2022) في 23/11/2022 الى الحكم بعدم صحة قرار مجلس وزراء الاقليم ووزير ماليته الخاص بتطبيق قانون التقاعد الموحد (الملغى) رقم (27) لسنة 2006 على متقاعدي الاقليم، مع الحكم بالزامهم بتطبيق قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل النافذ، حيث جاء في حيثيات قرارها ( …عليه فأن العمل بموجب احكام قانون التقاعدالموحد رقم (27) لسنة 2006 من قبل حكومة اقليم كردستان والذي تم الغاؤه بموجب المادة (40/اولاً) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل يجعل ذلك تطبيقاً فاقداً لسنده الدستوري والقانوني …) .
ونجد بالمقابل ان المحكمة الاتحادية العليا قد ردت الدعاوى المقامة للطعن في صحة التعليمات والقرارات اذا كانت غير صادرة من احد السلطات الاتحادية لعدم الاختصاص، ومنها قرارها بالعدد (242/اتحادية /2022) في 27/12/2022 بخصوص الطعن الواقع على التعليمات والضوابط الصادرة من وزير الاعمار والاسكان والبلديات العامة بخصوص توزيع قطع اراضي سكنية لشرائح معينة من المجتمع، وقرارها المرقم ( 236/ اتحادية/ 2022) في 19/12/2022 الذي قضت بعدم اختصاصها بنظر قرارات حجب المخصصات الهندسية حيث جاء في حيثيات القرار ( … وحيث انه بقدر تعلق الامر بموضوع هذه الدعوى فانه لم يصدر من مجلس الوزراء الاتحادي او الامانه العامة لمجلس الوزراء اي قرار او اجراء بخصوص حجب هذه المخصصات عن المدعين وان القرار المعني بذلك صدر من وزارة الصحة الاتحادية وان مجرد ذكر اسم رئيس مجلس الوزراء اضافة لوظيفته المدعى عليه في الدعوى لايعطي بحد ذاته الاختصاص لهذه المحكمة بنظر دعوى المدعين، عليه والحالة هذه فأن المحكمة تكون غير مختصه بنظر الدعوى…)، وكذلك قرارها المرقم (11/اتحادية /2023) في 7/3/2023 التي قضت فيه بعدم اختصاص المحكمة بالنظر بصحة التعليمات الصادرة من عميد كلية التربية للعلوم الصرفه –ابن الهيثم المتعلقة بتوصيف الشهادة التي تصدرها الكلية، حيث حدد المحكمة في قرارها شروط النظر في صحة القرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات من قبلها هي ان تكون صادرة عن احدى السلطات الاتحادية المنصوص عليها في المادة (47) من الدستور او احدى الهيئات المستقلة استناداً لاحكام المادة (25/ ثانياً) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 ….والله الموفق.
اضف تعليق