تعد ظواهر الاستبدال في مجتمعاتنا المشرقية ظواهر مجتمعية سالبة على الدوام وطاردة في تضادها لقوى اجتماعية تتطلع نحو الاستبدال الايجابي وهي قوى تعتمل عقولها في الوقت نفسه اللجوء بحثاً عن ظواهر الاغتراب نحو مراكز العالم دون ان تدرك انها ستلاقي اغترابا اخر واستبدالاً سلبياً عنصريا هو اشد وطئة تحت مسمى الاستبدال العظيم...
كم هو مبلغ الحزن في ضمائر الامم وشعوبها عندما ينقل (الغرب المركزي) تمايزه السالب ازاء شعوب الارض في محيط العالم واطرافه من تطبيقات ارثه الاستعماري القديم، إبتداءً من ازمنة عهود النهب الاستعماري (واتمام بناء التراكم الاولي لراس المال من طاقات الشعوب البشرية وثرواتها الخام قبل قرون مضت) منتهياً وهو يتولى تطبيقاته الاستبدادية والاستبدالية وهي اشد وطئة في مرتكزاته (المتروبوليتية) ولاسيما ازاء الوافدين اليه من اطراف عوالم مستعمراته السابقة بحثا عن الحرية.
انه بحق الاستبدال الاستعماري (الكولونيالي) السالب نفسه ولكن ياتي اليوم تحت مسمى مركزي آخر وهو: الاستبدال العظيم Grand Replacement انها نظرية مؤامراتية يمينية متطرفة روج لها المؤلف الفرنسي رينو كامو Camus, Renaud في كتابه المنشور في العام 2011 تحت مسمى الاستبدال الاعظم Le Grand Remplacement وتنص النظرية المذكورة باصولها المختلفة على أنه، بالتواطؤ أو التعاون مع النخب "البديلة" يتم استبدال السكان الفرنسيين والأوروبيين البيض عمومًا ديموغرافيًا وثقافيًا بشعوب غير بيضاء من خلال الهجرة الجماعية والنمو الديموغرافي وانخفاض معدل المواليد للأوروبيين البيض، وهنا لابد من مواجهة الاستبدال السالب او الاستبدال العظيم بالسعي صوب التهجير المضاد واشاعة (حق السكوت) بين المهاجرين.
ان من اجمل ماكتبه على مستوى المشرق هو المفكر العراقي حسين العادلي متناولاً بمسار نقدي ثنايا الاستبدال مقترباً ربما، من مسالة العقل في ظلال المدرسة الهيغلية عند طرحه (ثنائيات مشرقية في الاستبدال) والتي تقوم على الفكر الديالكتيكي ولاسيما في تناول حجة فلسفية تتضمن نوعاً ما عملية تناقضٍ بين أطرافٍ متضادّة اي تقوم على الفكرة ونقيضها ليكشف لنا حسين العادلي ظاهرة (الاستبدال السالب) في خضم تناوله لجدلية الإِستِبدَال نفسها قائلًا :
• غَيّر (زاوية) نظَرِك سيتغيّر المَشهَد، كذلك (تُستبدَل) القَناعَات.
• إستَبدِل (عَادَاتك) تُغَيّر (شخصيتك). العَادات قوالِب.
• استَبدَال (الأفكَار) ليس سُبَّة. التَّغيير سُنَّة، والسَّوءَة بالرّكود.
• قبل أن تستَبدِل (غَيّر)، الاستَبدَال يُلامس الظّاهِر، التَْغيير يتصل بالجَوهَر.
• ثلاثة (لا) تُستَبدَل: القِيم، الكَرامة، والشَّرف.
• مِعيار استَبدَال المواقف عند السّاسَة (المَصلَحة)، ومِعيار تغيير القناعات عند المفكّرين الحقيقة.
• مَن يستَبدِل الطاغوت بالفوضى يستَبدِل زريبة بغابة!!
• الشعوب المتخلفة تستَبدِل (القادة) ولا تُغيّر (القيادة!!
تعد ظواهر الاستبدال في مجتمعاتنا المشرقية ظواهر مجتمعية سالبة على الدوام وطاردة في تضادها لقوى اجتماعية تتطلع نحو الاستبدال الايجابي (وهي قوى تعتمل عقولها في الوقت نفسه اللجوء بحثاً عن ظواهر الاغتراب نحو مراكز العالم) دون ان تدرك انها ستلاقي اغترابا اخر واستبدالاً سلبياً عنصريا هو اشد وطئة تحت مسمى الاستبدال العظيم .
فان من يستبدل دكتاتورا بفوضى تقود الى ولادة دكتاتوريات وبهويات فرعية داخل المجتمع المشرقي نفسه ،وفرض ممارسة (حق السكوت)، هي ظاهرة تكرس لتراجع بعض مجتمعات اطراف العالم النامي وتسعى لولادة مجتمعات بديلة تتناسل الاستبدال السالب والتحول في استساغة طاغوت قمعي مفرد الى طواغيت قمعية اخرى . انه استبدال سالب بهويات فرعية (يحمل السوط الفردي نفسه ولكن بلون اخر كي تمارس لذة العبودية بأشكال متفرعة مقبولة ) مكرسةً ظواهر النكوص الاجتماعي على الدوام وتغييب لنشوء العقد الاجتماعي وتطوره .
وهكذا تتقبل المجتمعات التي اعتادت على لذة القمع ان تقبل لنفسها ظاهرة التمتع بممارسة دور الشخصية النكوصية او المتقهقرة regression امام الطاغوت الجديد.
ختاماً، انها (ثنائية الاستبدال السالبnegative dual replacement ، وهي ظاهرة تشكل احدى اسس مدرسة علم النفس الاجتماعي التي قادها المفكر (ارك فروم) مجسدا الاستعداد النفسي للاستبداد وولادة مجتمع نكوصي يتقبل افراده استبدال الطاغوت المفرد بفوضى الطواغيت الفرعية وبهويات متناثرة للمجتمع الواحد. اذ يتحقق حلم (الاستبدال السالب) بثنائية عميقة ،وتتمحور وتتحور ظواهره على الدوام سواء في مركز العالم الاول او اطرافه، ذلك كلما تراجع العقد الاجتماعي الاممي للحريات وفقد منزعه الانساني.
اضف تعليق