عندما تغيب الرؤية، تأكد ان الأمور ستشغلك بمظاهرها دون الغوص في أعماقها، وفي النتائج دون الاسباب، هكذا هو الحال في بلادنا، فتحول الحلم الى كابوس، والحرية الى فوضى، فصرنا نصارع الفوضى والكوابيس وكأنها هي المشكلات، بينما الأصل يكمن في سوء فهمنا لمعطيات الحاضر، والتغافل عن دروس الماضي، وغياب صورة محددة للمستقبل...
عندما تغيب الرؤية، تأكد ان الأمور ستشغلك بمظاهرها دون الغوص في أعماقها، وفي النتائج دون الاسباب، هكذا هو الحال في بلادنا، فتحول الحلم الى كابوس، والحرية الى فوضى، فصرنا نصارع الفوضى والكوابيس وكأنها هي المشكلات، بينما الأصل يكمن في سوء فهمنا لمعطيات الحاضر، والتغافل عن دروس الماضي، وغياب صورة محددة للمستقبل .
ظن العراقيون ان التعددية ستتيح صوغ رؤية محكمة لعراق جديد ينعم أهله بحياة رغيدة هانئة، كما ينعم بذلك عباد الله في أرجاء المعمورة، فاذا بهم بمواجهة رؤى ضيقة ومنغلقة على ذاتها تحركها دوافع الماضي أكثر من احتياجات المستقبل، ما جعلهم ازاء صورة بائسة للمستقبل في أحسن الاحوال.
العراقيون يتطلعون الى عراق معاصر، جديد بالفعل وليس بالانشاء، هذه هي صورة المستقبل الذي ينشدون، ولا يغرنّكم جحافل العوام التي تحركها العواطف حينا، والانشغال بالكد على العيال واليأس من تحسن الأحوال أحيانا، فيواجهون تعاسة الواقع باللامبالاة، لكنهم في لحظة يكشفون عما لا تتوقعون، وفي التاريخ من الشواهد ما تعرفون، ومثل هذا التطلع يقتضي رؤية منفتحة على الواقع والشركاء وتجارب الآخرين، وبعكسه لن نحصد من البيادر سوى القش .
ومع ان الدستور على ما فيه من علل، حاول رسم صورة للمستقبل، الا ان الرياح جرت بعكس ما يشتهي الدستور، وخيم الصمت على حماته، ومضى الجميع كل الى ليلاه، منهم من رحل منكسرا، ومنهم من أغراه الفوز، ومنهم من أعجبه الاصطياد في المياه العكرة، ومنهم من أثث له الاشقاء الغرف الوثيرة، ومنهم من ينتظر رأس الشهر. ولم يبق سوى المساكين يسبحون في بحر من المؤامرات. بانتظار من ينقذهم من هذا الجحيم المستعر .
هل فعلا كان الشركاء مؤمنين بما جاء في الدستور، ام أرادوه حقنة مخدرة لحين اجراء عملياتهم الجراحية التي تتوافق مع أهدافهم التي فيها من المتناقضات أكثر مما فيها من المشتركات، ولكي تقلب المعادلة يراد لها رؤية واضحة ومؤمنة بمضمون الدولة وشكلها وهويتها، ومن دون ذلك لن نعرف ملامح للمستقبل .
في التجارب السياسية الناجحة نظروا الى المضمون الاجتماعي للتغيير قبل النظر الى شكل الدولة وهويتها، لان من الهويات ما يفرض أشكالا ومضامين متناقضة في غالبها مع الحياة المعاصرة وما بلغته الأقوام من حولنا، بخاصة تلك الهويات العصية على التكيّف مع روح العصر، هل بالمقدور أن نوازن بين هوياتنا ومضمون الدولة المعاصرة؟
أظن ان هذا صعب على الذين اتيحت لهم فرصة التصدي للعملية السياسية ولا يملكون تاريخا ثقافيا وادارة احترافية في قيادة الدول، وهذا كان من بين الأسئلة التاريخية التي تعرض لها بعض السياسيين والثوار الذين وجدوا ان ما بعد الأمساك بالسلطة مختلف عما قبلها، فذهب بعضهم الى محاكاة أقرب النماذج الى المضمون الذي يتطلعون الى اشاعته في المجتمع، أما أصحاب الهويات الصلدة فغالبا ما أنتجت تجاربهم دولا قائمة على القمع والخوف، وانتهت مجتمعاتهم الى التوقف في عالم يتغير كل لحظة .
وَضَعنا المزري الذي نحن فيه أمام خيارين لا ثالث لهما، اما ان نكيّف رؤانا وهوياتنا مع المضمون المعاصر للدولة، وفي ذلك خسائر تطول بعضا من حلقات منظوماتنا الايديولوجية، وعلينا القبول بها، وهذا يدعو الى المباشرة بعملية اصلاح حقيقية وجدية، بدءا من مراحل التأسيس وانتهاء بالمهازل التي زج العراقيون فيها، أو الاحتذاء بأقرب النماذج السياسية الناجحة لخصوصية مجتمعنا، وأؤكد (الناجحة) وليس تلك التي غدت مثار تندر حتى الذين كنا نخجل أن نقارن بهم، والعمل باخلاص وتفان على تحقيقه، فقد اضحى العراق بلا لون او طعم او رائحة. ليس عيبا ان نحتذي بنماذج الآخرين، لكن العيب ان نمضي دون ان نعرف الى أين نحن ماضون، بينما عويل الثكالى والأرامل وأنين النازحين والمهجرين يملأ الآفاق.
اضف تعليق