q
عندما تكون الطموحات السياسية أكبر من الإمكانيات الواقعية تظهر لنا هذه الإشكاليات، وتبرز الكثير من القيم السلبية، فتطغى المحسوبية على حساب الكفاءة العلمية والمهنية، ويكون من السهل التضحية بالقيم العليا وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وإذا كانت الغاية تحقيق الطموح السياسي فلا عجب ان ترى هذا التخبط...

يضع لنا الفلاسفة بعض مناهج الحياة ويخبرونا ان الفضيلة وسط بين رذيلتين، فعلى سبيل المثال الشجاعة فضيلة لأنها تقع بين الجبن والتهور، والكرم فضيلة أيضا لأنه يقع بين البخل والإسراف، وتسعى الحكومة العراقية ان تتبع فضيلة المحاولة للإصلاح عبر الطموحات التي تفوق الإمكانيات.

الفضائل بمجملها هي التي تعتبر المحرك لجميع الأفعال الايجابية على المستوى السياسي او الاجتماعي، وعندما تشرع الحكومة بتحقيق أي نوع من هذه الفضائل فأنها تستند على ما لديها من إمكانات وخبرات تساعد على تحقيق ما تطمح اليه، وتصرح به بشكل متزايد خلال أوقات الازمات.

طموح رئيس الحكومة السيد فلاح السوداني يأتي ضمن الفضائل السياسية، لأنه يعبر عن حالة من السعي الدائم لتغيير الواقع المأساوي للبلد، هذا لو افتراضنا صدق النوايا الحكومية في تحقيق أهدافها العلنية، فهي تريد وبحسب الظاهر ان تحقق أحلام المواطنين الوردية، تريد ان تقضي على الفقر وتدق آخر معاقله.

وتريد ان تقضي على الازمات الاقتصادية بشكل نهائي، وترغب في تحسين العلاقات الدبلوماسية مع المجتمعين الإقليمي والدولي، ولمحّت الى النهوض بالواقع الرياضي والصحي في البلد، في الوقت الذي يسود الفساد وتنتشر المظاهر السلبية في جميع مفاصل الدولة.

يحسب لها هذا التحرك على المستوى النظري فقط، وتبقى التحركات الفعلية قاصرة عن تحقيق الرغبات الجامحة لديها، ذلك لان جميع افعالها بعيدة عن قانون الواقعية الذي ينظم طموحات الإنسان، أي يجب ان تكون الطموحات متوافقة مع الإمكانيات البشرية والمادية.

فلا يمكن لعامل البناء ان يطمح بامتلاك قصر كبير او فلة على الشاطئ وسيارة فارهة، ويقضي أيام العطلة الصيفية في دولة يتسم طقسها بالاعتدال، ومن المفترض ان يكون طموحه مقتصر على ديمومة عمله لتوفير لقمة عيش لأفراد عائلته بعيدا عن الاحلام صعبة التحقيق، مع ضرورة امتلاك منزل يناسب دخله الشهري.

بينما يطمح الطبيب لامتلاك شقة وسيارة شخصية وعيادة خاصة، يضمن عن طريقها دخل غير محدود يمكنه من السفر الى حيث يشاء، وهذا ما ينطبق على الحكومة العراقية التي تريد كل شيء لكنها لا تملك الا شيء بسيط من المقومات المساعدة على التقدم البطيء.

تريد ان تنجز المشاريع بجودة عالية ولم تتمكن من القضاء على ظاهرة التلاعب في المواصفات من قبل الشركات المنفذة او المقاولين الثانويين، وتريد ان تحافظ على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق النمو فيه، وهي الى الآن تعاني من موضوع تهريب العملة الى الخارج وآثارها السيئة على الحركة التجارية في البلد.

وتتعزم النهوض بالواقع الصحي والتربوي وفي المقابل لا تراقب ما يحدث في المستشفيات الحكومية من معاملات غير إنسانية، وفي المدارس من تصرفات لا تنسجم والقيم التربوية.

عندما تكون الطموحات السياسية أكبر من الإمكانيات الواقعية تظهر لنا هذه الإشكاليات، وتبرز الكثير من القيم السلبية، فتطغى المحسوبية على حساب الكفاءة العلمية والمهنية، ويكون من السهل التضحية بالقيم العليا وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وإذا كانت الغاية تحقيق الطموح السياسي فلا عجب ان ترى هذا التخبط.

حكومة السوداني لا يمكن ان تحقق ما طرحته في برنامجها الحكومي ولسبب بسيط هو ان البلد بحاجة الى ثورة تنقذه من الانهيار، هذه الثورة تبدأ بإصلاح النظام التعليمي المحتاج الى إصلاح شامل، ويمتد هذا الإصلاح ليشمل الجوانب الثقافية وتشذيبها من العناصر الدخيلة التي شوهت صورة البلد الناصعة.

وتنتهي الثورة بحملة توعوية تزيل جميع مظاهر التخلف والجهل الشعبي بكل شيء، حملة تمكن المواطن من الاختيار الصحيح للناخب، وتجعله حريص على نظافة الشوارع، وتعطيه القدرة على انتقاد المسؤول المقصر بدلا من التصفيق له في جميع المحافل، وان تحقق ذلك ستكون هنالك إمكانيات تفوق او توازي الطموحات وتقترب جميع الاحلام من الحصول بمساعدة المواطن.

اضف تعليق