نحن ندعو مؤسسات الدولة بالشفافية في عملها، علينا كجماعات ومؤسسات اجتماعية، التحلّي بالشفافية ايضاً، بل الأولى؛ أن تسبق شفافية المؤسسات المجتمعية، مؤسسات الدولة بالنظر الى التجربة الديمقراطية التي نعيشها، بقطع النظر عن نسبة التطبيق على الارض، فالمفترض ان يكون الناس الرقيب والحسيب الأول لعمل الحكومة ومؤسسات الدولة...
أراد مجموعة من الصحفيين المُستائين من مؤسساتهم الاعلامية ذات التوجه الفكري المغلق، تأسيس تجمع خاص بهم يحترم المهنية، ويقدر حرية التعبير، ومن ثمّ يتمكنوا من إيصال رسالتهم الإعلامية بعيداً عن المؤثرات الايديولوجية والمصالح الشخصية، فجلسوا وتحدثوا طويلاً في الأمر، بيد أن احدهم أعرب عن شكوكه بنجاح تجربة التجمع، او الاتحاد، او أي تسمية أخرى، وصمودها أمام التحديات، لأنها –كما نقل لي فيما بعد- ستتدرج؛ شيئاً فشيئاً الى "منحدر الحزب"! وفعلاً؛ دبّ اليأس في نفوس الطامحين نحو الاستقلال والحرية الفكرية، ثم انحل عقد التجمع، و ذهب كلٌ الى حال سبيله.
وفي مقالات سابقة وردت الإشارة الى ظاهرة التسييس في المجتمع العراقي، يقابله فقر شديد في الثقافة السياسية، فبدلاً من أن يكون افراد المجتمع مؤثرين في القرار الحكومي بوعيهم السياسي، نرى تحول شريحة كبيرة –حتى لا نعمم- الى أدوات سياسية فاعلة لخدمة هذه الجماعة او تلك، وللخروج من هذه الدوامة برز رأي يدعو الى حراك جماهيري من دون تسمية علنية للمنظم والراعي تهرباً من وصمة التسييس، او اتباع هذه الجهة او تلك، وقد عقدت هذه المخاوف؛ الجهات الحكومية نفسها باتهام الناس المعترضين على فقدان الكهرباء، والتنصّل عن التعيينات الموعودة، وملفات عالقة اخرى، بأنها "تحركات ذات دوافع سياسية".
نحن ندعو مؤسسات الدولة بالشفافية في عملها، علينا كجماعات ومؤسسات اجتماعية، التحلّي بالشفافية ايضاً، بل الأولى؛ أن تسبق شفافية المؤسسات المجتمعية، مؤسسات الدولة بالنظر الى التجربة الديمقراطية التي نعيشها، بقطع النظر عن نسبة التطبيق على الارض، فالمفترض ان يكون الناس الرقيب والحسيب الأول لعمل الحكومة ومؤسسات الدولة.
وبقدر قوة الصوت الجماهيري يكون تأثيره على مخرجات القرارات والاجراءات الحكومية، وهذه القوة لن تتوفر إلا بوجود عناوين واضحة تحمل هذا الصوت، مثل النقابات والاتحادات والمؤسسات الاجتماعية والدينية، يكفي متابعة أحداث الاضرابات العمالية في اوربا، والتظاهرات الجماهيرية العارمة في بلاد الغرب التي تطبق شيئاً من الديمقراطية، فالاضرابات العمالية تقف ورائها نقابة عمال سكك الحديد (القطارات) –مثلاً- فيما تتبنى مؤسسات اجتماعية مطالب تتعلق بالاجهاض والبيئة، والرواتب، وغيرها كثير، فالقوة القاهرة لهذه التحركات الجماهيرية يقف خلفها تنظيم من الدرجة الاولى، مع تفاعل والتزام بقرار الإضراب عن العمل مهما كانت النتائج، فتكون النتائج سريعة، بتعرض الحكومات لضغوط شديدة، ولتفادي المزيد من الخسائر تُجبر على مجاراة المعترضين وتلبية بعض مطالبهم.
سوء الخدمات، واستشراء الفساد في كل مكان الى حد الاستمراء والاستسهال، مما يعمّق جروح الناس ويزيد في معاناتهم وضنك معيشتهم، كل هذا وغيره من المساوئ والمنغّصات تدفع باستمرار لايجاد المخرج، وهو ليس بعسير ومستحيل كما يتصور الكثير، اذا سهّلت الجماعات المجتمعية على نفسها اتخاذ القرار الشجاع بتكوين عناوين جديدة، مع بعث الروح في العناوين النقابية والاتحادية الموجودة لتستعيد دورها الريادي في إصلاح الامور بالاستفادة الممكنة من التجربة الديقمراطية، رغم ما فيها من عوق وعدم نضوج كامل.
هذا القرار الشجاع يصدر من شجعان في شرائح المجتمع المؤثرة، ممن يُسمون بالطبقة المتوسطة، من مهنيين، و أكاديميين، وعلماء دين، وإعلاميين، وايضاً؛ تجار السوق.
في بلد مثل العراق، ليس بالضرورة ان نصل الى مستوى تجربة بريطانيا، او فرنسا او اميركا في ممارسة الديمقراطية حتى تكون لدينا جماعات ضغط مؤثرة لا تخاف لومة لائم، إنما خوض التجربة بنية التطور والتغيير، وإلا فان الشعوب التي جربت الحراك التغييري الشامل (الثورة) لم تكن محترفة للعصيان والتمرد والتظاهر بالآلاف في الشوارع، بقدر ما عقدت العزم على تغيير الواقع الفاسد مهما كلفها الثمن، لأنها لن تخسر شيئاً بوجود كل هذه المعاناة والمحن التي تعيشها في ظل نظام حكم يسعى لحفظ مستوى الصمت من خلال شراء الولاءات.
اضف تعليق