اصابني الخجل عند الشروع بكتابة هذا المقال الذي سأتحدث فيه عن شريحتين لهما رصيد كبير بداخلي من الحب والاحترام، اذ سأتطرق هذه المرة الى الطبيب والمدرس اللذان يعتبران من الشرائح الواعية والنخبوية في المجتمع، لكنهم تحولوا في الوقت الحالي الى تجار في المعرفة ويزداد جشعهما يوما بعد يوم...
اصابني الخجل عند الشروع بكتابة هذا المقال الذي سأتحدث فيه عن شريحتين لهما رصيد كبير بداخلي من الحب والاحترام، اذ سأتطرق هذه المرة الى الطبيب والمدرس اللذان يعتبران من الشرائح الواعية والنخبوية في المجتمع، لكنهم تحولوا في الوقت الحالي الى تجار في المعرفة ويزداد جشعهما يوما بعد يوم.
احتلت عيادات الأطباء أجمل الأماكن في المدن وأكثرها ارتفاعا من حيث أسعار العقار والإيجار، ومع ذلك يزداد فتح المجمعات الطبية بصورة دائمية، والسر وراء ذلك هو ما يتقاضاه الطبيب من المراجعين من مبالغ مالية كبيرة، الى جانب اشتراطه نسبة معنية من صاحب الصيدلية والمختبر في المجمع نفسه.
بدل العلاج الذي تعارفت عليه الأطباء في العراق تحول الى سكينة تذبح الفقراء بصورة خالية من الرحمة، حتى وصلت الحالة ببعض الأطباء يطالب بدفع التأمينات المالية قبل اجراء الفحوصات المختبرية التي تسبق اجراء العملية الجراحية.
وفي الأحاديث العامة يتعرض مثل هذا النوع من الأطباء عضلاته ومواقفه الإنسانية وما قدمه للبشرية من عطاء ثر، في الوقت الذي تسبب بوفاة العديد من الأشخاص لتمنعه عن اجراء عملية لفقير لا يملك ثمنها، او يمر بضيق وقتي، ونتيجة لذلك الضيق قد تكون حياته هي المقابل.
وحين تعايش بعض الحالات المرضية وما يدور في المستشفيات الاهلية تكتشف تجريد هذه المهنة من الإنسانية، والانغماس في الجشع الذي يصل الى أقصاه على حساب راحة المريض وانتشاله من المأزق الصحي الذي يمر فيه، وفي العادة يكون الأهالي مجبرين على دفع هذه المبالغ التي تعادل حياة مريضهم.
ولكن في الحقيقة غير راضين ولا يتوفر لديهم جميع المبلغ مما يجبرهم على الاقتراض او عدم مواصلة المسار العلاجي في المستشفى الأهلي، والعودة الى المستشفى الحكومي الذي تحول في السنوات الأخيرة الى محطة الاستراحة الأخيرة بانتظار الموت او الخروج بتراجع الحال الصحي وترديه.
الحديث في هذا المضمار لن ينتهي لكن سنكتفي بهذا القدر ونوجه البوصة صوب شريحة أخرى اخذت تتمادى في انتهاكها المعايير التربوية وتحولها الى شريحة ماصة لقوت المئات من الاسر عبر إقامة دورات التقوية او ما يسمى بالدروس الخصوصية.
رأيت أحد المدرسين في المرحلة الإعدادية يقود سيارة فارهة، لا تتناسب ووضعه المادي ووظيفته كمدرس، وحين البحث بدقة وجدت ان المدرس المعني قد تحول الى تاجر في مجال التدريس الخصوصي، وله سمعة جيدة في الحصول على نسب نجاح عالية في الامتحانات الوزارية.
الخلل هنا مُركب وله الكثير من الأسباب التي دفعت بهذا المدرس واقرانه الى التغول بهذا المجال والاستمرار في حصد الأموال بهذه الطريقة المخالفة للقوانين النافذة والمنافية للأخلاق العامة بصفته مربي ومسؤول عن تنشئة أجيال متعاقبة.
لقد تزاحم المدرسين والأطباء على صفة الجشع، ونال كل منهم قدرا كبيرا منها، والفريسة هنا هو الفرد سواء الطالب للعلم او المحتاج الى استشارة طبية، وكل ذلك يحصل بعلم الجهات المعنية التربوية والصحية دون تحريك ساكن او النظر بهذه الظواهر التي اتسع مداها مؤخرا.
الجهات الرقابية الحكومية لديها العلم بكل ما يحصل في حقلي التربية والصحة، وبإمكانها ان تقلب الموازين لصالح المواطن بمجرد اتخاذ قرارات ردعية تسهم في تقليص هذه الظواهر وتميعها بصورة تدريجية، ومن بين هذه الإجراءات هو:
أولا: توحيد قيمة الكشفية لجميع الأطباء ومن لا يلتزم يعرض نفسه لغرامة مالية وعقوبة قانونية او سحب الاجازة الممنوحة لمزاولة العمل.
ثانيا: العمل على إعادة تأهيل وتشغيل مصانع الادوية، وفي حال صعوبة هذه النقطة في المرحلة الحالية، تعمد الى التعاقد مع شركات الادوية وتوزيعها على المذاخر بأسعار مدعومة او بفائدة قليلة تخفيفا عن المواطن.
ثالثا: منع المدرسين والمعلمين المستمرين في الخدمة من مزاولة التدريس الخصوصي، وإلزام إدارات المدارس بالتبليغ عن الخروقات.
رابعا: إجبار المدرس او المعلم الراغب في تقديم الدروس الخصوصية على تقديم، إجازة الخمس سنوات الممنوحة للموظفين او الاستقالة من الوظيفة.
اضف تعليق