يعيش العراق حالة من الهدوء السياسي بدأت من اللحظة التي أعلن فيها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر سحب انصاره من المنطقة الخضراء، وقبلها استقالة نوابه من البرلمان، وسيطرة قوى الإطار التنسيقي على مجمل العمل السياسي في العراق، وحتى هذه اللحظة نعيش أجواء الاستقرار وتوقيع الاتفاقيات...
يعيش العراق حالة من الهدوء السياسي بدأت من اللحظة التي أعلن فيها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر سحب انصاره من المنطقة الخضراء، وقبلها استقالة نوابه من البرلمان، وسيطرة قوى الإطار التنسيقي على مجمل العمل السياسي في العراق.
وحتى هذه اللحظة نعيش أجواء الاستقرار وتوقيع الاتفاقيات وابرزها التفاهم المهم بين حكومة وإقليم كردستان بشأن تصدير النفط عبر خط جيهان التركي، والنقاشات المركز المتواصلة حول موازنة الحكومة للسنوات الثلاث القادمة، وتعيين الخريجين وحملة الشهادات، وإطلاق موازنة هي الأكبر في تاريخ العراق، فضلاً عن توسيع العلاقات الخارجية ولا سيما مع الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
ليس هذا هو المهم في معادلة الاستقرار السياسي فقط، بل غياب العمليات العسكرية وصواريخ الكاتيوشا التي كانت تزور السفارة الامريكية وقواعد واشنطن في بغداد والانبار وأربيل، وصواريخ أخرى تستهدف قوافل الدعم اللوجستي للتحالف الدولي على طريق المرور السريع من البصرة وحتى الانبار، فضلاً عن الضربات الصاروخية بين مدة وأخرى ضد القواعد التركية في بعشيقة وغيرها شمال العراق.
كل هذا الاستقرار كان مفقوداً في المدة التي غابت فيها قوى الإطار التنسيقي عن السلطة في فترة حكومة رئيس الوزراء السابق السيد مصطفى الكاظمي، ومن ثم فالتفسير السريع يذهب إلى أن قوى الإطار عندما تفقد السلطة تستخدم قوتها العسكرية الهائلة المعززة بعدد كبير من الفصائل المسلحة من أجل ضرب استقرار الحكومة، وهو تفسير صحيح في جانب منه، لكنه لا يغطي الصورة بشكل كامل.
ففي زمن حكومة السيد عادل عبد المهدي وهو مرشح فصائل المقاومة الشيعية والأحزاب التقليدية لم تتوقف العمليات العسكرية ضد السفارات والقواعد العسكرية، بل إن تلك المرحلة كانت قد شهدت عمليات غير قليلة ضد السفارات والقواعد العسكرية وحتى القنوات الفضائية.
ما يحدث اليوم من استقرار نسبي يعود جزء منه إلى سيطرة الإطار التنسيقي على السلطة، لكن الجزء الآخر يعود إلى عوامل خارجية وهي:
أولاً: رغبة الولايات المتحدة الأميركية بضرورة استقرار العراق منذ اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، لما لهذا الاستقرار من تأثير على ضمان امدادات النفط للأسواق العالمية لا سيما وأن العراق أحد أبرز المنتجين في منظمة أوبك.
ثانياً: بروز الأجواء التصالحية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وحصول قناعة لدى الفاعلين الإقليميين بضرورة وقف التصعيد، حتى لا تصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه وتنجر دول المنطقة إلى حرب كبيرة تدمر الجميع.
ثالثاً: المصالحة السياسية بين السعودية وإيران والتي كان أحد أهم بنودها هو وقف التدخل في شؤون الدول الأخرى من قبل الطرفين، وهذا يعني صدور قرار رسمي من الفاعلين الخارجيين لحلفائهم العراقيين بضرورة الانكفاء ومنع التصعيد تجاه الاطراف الاخرى.
رابعاً: الضغوطات الاجتماعية والسياسية وحتى الايدلوجية الداخلية في إيران والتي دفعتها إلى تبني سياسة المهادنة للخروج من المأزق السياسي الداخلي.
خامساً: التحول الاستراتيجي في طبيعة عمل الاحزاب التي تملك فصائل مسلحة، وبروز قناعة لديها بضرورة التوجه نحو تحقيق إنجازات اقتصادية لتكون رافعة سياسية لعملها، بدلاً من استخدام السلاح الذي تشوهت صورته في مخيلة الجمهور العراقي وبدأ ينفر منه بسبب ما تحمله العراقيون من ويلات وحروب من جهة، وما عاناه الشعب من غياب الخدمات البسيطة من جهة ثانية.
من المتوقع أنه حتى لو عاد التيار الصدري مجدداً أو خسر الإطار التنسيقي السلطة أو زاحمه التيار عليها، فإننا قد لا نشاهد نفس الروح القتالية لدى الأحزاب والحركات الشيعية المقربة من إيران لأن الواقع السياسي الداخلي والخارجي قد تحول من المواجهة العسكرية غير المباشرة وحروب الوكالة، إلى التنافس السياسي والاقتصادي.
وهذا التحول ليس استراتيجياً بل هو تحول تكتيكي من قبل الأطراف الإقليمية، لكنه إذا ما استمر لعدة سنوات فقد يتحول إلى قرار وسياسة استراتيجية لا يمكن التراجع عنها لا سيما إذا ما عرفنا أن السعودية لديها رؤية 2030 التي تحتاج إلى استقرار سياسي إقليمي، وإيران التي تطمح للإستفادة من المشاريع الاقتصادية الصينية، ومن ثم فإن كلا العملاقين الإقليميين لا تخدمهما أي توترات سياسية أو عسكرية في المنطقة.
والعراق هو المحور في أي عملية استقرار أو توتر بالشرق الأوسط.
نتامل استمرار الاستقرار وبداية التوجه نحو المشاريع الاقتصادية بعيداً عن السياسات الإقصائية ومحاولات إلغاء الآخر.
اضف تعليق