العراقيون بعد العام 2003 وجدوا انفسهم في ميدان كبير، تعددت فيه سوح الجدل والمهاترات، وتبارى المهاترون والمستعرضون والمنافقون فيها، وهم يتشاتمون ويتناكفون، ويلقي بعضهم التهم على البعض الآخر بشأن ما حصل للبلاد والعباد، وصار الذي يثبت قدرته على إدانة الآخر هو النجم الذي تحتفي به ميادين تلك المهاترات...
بعيدا عن التحقق من ان الحديث الشهير ((إذا أراد الله بقوم شرَّاً ألزمهمُ الجدلَ، ومنعهمُ العمل)) ينسب للأحاديث النبوية أو لا، فإن حمولته التعبيرية، التي جاءت قبل نحو الف ونصف الألف من السنين، تكشف لنا عن بعد نظر وتشخيص مبكر لمشكلات المجتمعات، التي تبتلى بفتنة الجدل الفارغ والمهاترات التي تشغلها عن النهوض بواقعها، وهذه تنشط في فترات زمنية، تضعف بها الدول ويغيب خلالها انتظام المجتمعات في سياقها.
الذي تضبط ايقاعه قوانين وارادة سياسية لإنفاذها، فيتحول التكالب على السلطة والمناصب إلى هوس جماعي أو جماعاتي، يجعل الناس تعيش في دائرة مغلقة لا تنتهي بهم إلى غير المزيد من الجدل والاحتراب وضياع حاضرهم ومستقبلهم، إن لم يكونوا في النتيجة، لقمة سائغة للمتربصين بهم، وهم يرونهم قد وصلوا إلى مرحلة من الوهن تغري باستباحتهم، وما اكثر ما حصل هذا.
العراقيون بعد العام 2003 وجدوا انفسهم في ميدان كبير، تعددت فيه سوح الجدل والمهاترات، وتبارى المهاترون والمستعرضون والمنافقون فيها، وهم يتشاتمون ويتناكفون، ويلقي بعضهم التهم على البعض الآخر بشأن ما حصل للبلاد والعباد، وصار الذي يثبت قدرته على إدانة الآخر هو النجم الذي تحتفي به ميادين تلك المهاترات، والمتمثلة بالفضائيات والصحف ومواقع الانترنت وغيرها من وسائل الاعلام العديدة.. بينما على الجانب الاخر، هناك دولة ظلت معطلة على مستوى مؤسساتها الادارية الكبرى، ومؤسساتها الخدمية المشلولة والصناعية، التي يعلوها الصدأ والغبار.
نعم، لقد غاب الأهم الذي لو حضر لما وجدنا انفسنا في هذه الفوضى ومطاردة السراب، التي استمرت لعقدين من الزمن حتى اليوم.. والأهم الذي نقصده هو العمل، فلو نهض المسؤولون عن الدولة حينذاك بواجباتهم تجاه الشعب، ونفضوا الغبار عن المعامل والمنشآت المعطلة، لاستوعبت ملايين العراقيين، ولحركوا المؤسسات الخدمية والسوق، ولانشغل الناس بما يجعل حياتهم اكثر غنى وراحة بال، ولكانت أيامهم ثمينة وبلدهم أكثر إعمارًا وجمالا، ولما فكر الملايين منهم بالهرب إلى إصقاع الأرض البعيدة، حاملين معهم شهاداتهم العليا وخبراتهم التي لم تكن بحاجة اليها ميادين الجدل الفارغ، الذي شغلنا به أنفسنا طيلة السنين التي مرت... اليوم، بدأ الامل يدب في النفوس ولو بشكل بطيء، ولم تعد تقارير الفضائيات حكرا على وجوه المتجادلين بأحقية أي منهم بالمنصب الفلاني أو الوزارة الفلانية، وإنما صرنا نسمع عن مشاريع قيد الانشاء ومشاريع في طريقها إلى ان تحتل ميادين البلاد المختلفة، ومنها مشروع ربط ميناء الفاو بسكة حديد إلى أوروبا ومشاريع بناء كثيرة، يعلن عنها بشكل شبه يومي ومشاريع خدمية تشهدها معظم المدن العراقية.
هل نحن متفائلون أكثر من اللازم؟.. نعم ربما نكون مبالغين بالتفاؤل، فالعراق ما زالت به حاجة للمزيد وان فيه الكثير الذي يستدعي المعالجة وهذا ليس بالصعب ان توفرت الارادة الحقيقية عند الجميع، لأن هناك من لا يسعده نهوض العراق، كونه يعيش على الأزمات ولايفكر الاّ بالسلاح، الذي يمتلكه وكيف يجعله اكثر إخافة للناس واكثر قدرة على اخضاعهم وابتزازهم، وان نهوض البلاد يعني انها ستستعيد وجهها المدني، الذي لا يتحمل بقاء هؤلاء ولايترك مكانا لمشروعهم الظلامي الرجعي... فبلا أدنى شك كلما اتسعت رقعة العمل قلت رقعة الجدل، وهذه بديهية صار يعرفها جميع العراقيين.
ويعرفون أيضا أن التخلص من عشاق الفوضى والظلام، لا يتم فقط بالسلاح وحده أو تجريدهم منه، بل بجعل أنظار الشباب تتجه إلى ميادين العمل والحياة والامل الذي كان انطفاؤه السبب الكبير في تغوّل الفاسدين وتجار الازمات، وتمكنهم من استدراج الشباب إلى مصائدهم، التي صممتها لهم ارادات خارجية باتت معروفة للجميع، بعد أن جعلت المناطق الفقيرة مخازن لميليشيات جاهزة، ظلت تتسع مع اتساع مساحة الجدل وقلة العمل!
اضف تعليق