الدين يهدف إلى تنمية الإنسان وترشيده وتطوره النفسي والعقلي، بالتطور التراكمي المستمر المتصاعد، أما الإكراه فهو على العكس يجعل الإنسان في حالة تسافل وهبوط مستمر إلى الأسفل. فالتطرف في معناه هو نتيجة للإكراه الذي يتسبب بتدمير الإنسان نفسيا وفكريا حيث يقف عائقا أمام عملية التثقيف والتطور الفكري المعتدل...
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة، 256.
نستكمل ما طرحناه سابقا حول مفهوم الاعتدال وعلاقته بمفهوم (لا إكراه في الدين) أو نفي الإكراه، أو النهي عن الإكراه، وأن مقاصد الدين تأتي في غايات وأهداف معينة، الغرض منها إيجاد الطريق الصحيح للإنسان وتحريره من الأغلال.
فالدين لا ينسجم مع الاكراه، فهناك تناقض بين الدين والإكراه، لأن الدين يعني الرشد والإرشاد والهداية، أما الإكراه فيؤدي إلى الضلال والإضلال والانحراف.
للأسباب التالية:
أولا: إن الإكراه يتناقض مع مقاصد الدين الجوهرية، القائمة على فلسفة الامتحان، والابتلاء.
ثانيا: إن الدين قائم على الإيمان، والإيمان يقوم على الاقتناع القلبي، ولذا فإن الإكراه يتناقض مع الإيمان.
ثالثا: إن الدين يقوم على حرية الاختيار والإرادة، بل إن الدين هو تحرير للإنسان من الأغلال النفسية والطاغوت والآصار، وبالنتيجة تحقيق قدرة الإنسان وحريته في الوصول إلى الحقيقة، والوصول إلى الإيمان وبناء الحرية في ذات الإنسان.
رابعا: التناقض بين الدين والإكراه.
فمن مقاصد الدين الأساسية هو الإرشاد والهداية، أما الإكراه فليس إرشادا، بل إجبار على طريق معين، والدين هو هداية وإرشاد وإقناع، لذلك فإن الإكراه يؤدي بالنتيجة إلى الانحراف والضلال.
فالهدف الأساسي من الدين هو جعل الإنسان قادرا على أن يفهم ويتعرف على السير في الطريق المستقيم، من خلال عقله وتعقّله وتبصّره، لكي يصل ويتكامل ويتطور وينضج ويسترشد ويرشد، ويكون رشيدا في حياته من خلال اختياراته الصحيحة.
الدين إيجاد للاطمئنان النفسي
خامسا: هدف الدين إيجاد الاطمئنان النفسي والقلبي..
أما الإكراه فهو على العكس من ذلك، حيث يزرع الرعب والخوف والقلق في نفس الإنسان، ولذلك فإن الإكراه لا ينسجم مع الدين، كما جاء في الآية القرآنية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد، 28.
فهناك انسجام مع قوانين الله سبحانه وتعالى، وإيجاد الاطمئنان واليقين والسكينة في نفس الإنسان، لكي يكون بالنتيجة مستقرا في حياته، فالإكراه يؤدي إلى اقتلاع الاطمئنان من نفس الإنسان، وإلى زرع القلق الدائم في نفسه، وهناك الكثير ممن يعيشون حالات الاكراه، والاجبار في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، ينتابهم الخوف والقلق والرعب من المستقبل.
ولكن طريق الله سبحانه وتعالى القائم على الفهم والإدراك وحرية الاختيار يؤدي إلى اطمئنان القلب وسكونه وهدوئه.
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الدعاء، يقول: (إلهي بك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكراك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك)، وهي الرؤية المعنوية أو القلبية، أو البصيرة بآيات الله سبحانه وتعالى ودلائله حيث يظفر الإنسان بهذه الآيات ويتفكّر بها، وبالنتيجة يطمئن قلبه ويشعر بالانسجام مع الدين ومع ما يريده الله سبحانه وتعالى من خلال اختياراته الصحيحة ورشده النفسي والمعنوي واطمئنانه.
حتى يصل إلى عملية التكامل والكمال، والوصول إلى عبودية الله سبحانه وتعالى وإلى معرفته الحقة.
وأيضا عن الإمام علي بن الحسين، زين العابدين (عليه السلام) يقول: (إلهي فاجعلنا من الذين توشحت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم... واطمأنت بالرجوع إلى رب الأرباب أنفسهم، وتيقنت بالفوز والفلاح أرواحهم)، فهذا البناء المعرفي والنفسي للإنسان، وسكونه واستقراره يأتي من خلال اختياراته الذاتية، وقدرته على هذا الاختيار.
أما الإكراه، فهو تدمير لقلب الإنسان ولارتباطه المعنوي مع الله سبحانه وتعالى وقدرته على إيجاد التوازن من خلال الانسجام مع شريعة الله سبحانه وتعالى، ومع قوانين الله سبحانه وتعالى في الكون.
الاكراه وتدمير التطور العقلي
سادسا: الدين وتنمية الإنسان نفسيا وعقليا..
إن الدين يهدف إلى تنمية الإنسان وترشيده وتطوره النفسي والعقلي، يحدث هذا في حالة من التطور التراكمي المستمر المتصاعد، أما الإكراه فهو على العكس من ذلك حيث يجعل الإنسان في حالة تسافل وهبوط مستمر إلى الأسفل، لأن الإكراه يؤدي إلى تطرف الإنسان، سواء كان من خلال الآليات والأسباب التي أجبرته على هذا الإكراه، أو نقيض الإكراه فيذهب باتجاه ثان بعيد جدا في هذا الشيء الذي اتجه إليه وفيه. فالتطرف في معناه هو نتيجة للإكراه الذي يتسبب بتدمير الإنسان نفسيا وفكريا حيث يقف عائقا أمام عملية التثقيف والتطور الفكري المعتدل والمتوازن.
التنوع الإنساني والجمال الكوني
إن الجمال الإلهي وآيات الله سبحانه وتعالى الكريمة، قائمة على حقيقة أساسية، كبيرة ومهمة وجوهرية لابد أن نفهمها، وهي التنوع في الحياة وتنوع الخلق الذي أوجده الله سبحانه وتعالى، والتنوع بالنسبة للإنسان هو حريته وتعدد اختياراته، ففي الجمادات وفي الأمور الطبيعية هناك حتمية، ولا يمكن لهذه الحتمية أن تتغير، أما بالنسبة للإنسان، فهو مختار حرّ، وهذا التنوع يأتي من خلال قدرة الإنسان على أن يعيش هذا التنوع بطريقة اختيارية.
ولا يكون الإنسان مجبرا للسير في طريق معين وعلى اختيار معين خارج قراراته الذاتية، وهذا يعني إلغاء التنوع عند هذا الإنسان، كما نلاحظ ذلك عند هؤلاء الذين يفكرون بطريقة إجبارية شمولية، ويحاولون أن يجعلوا الناس في لون واحد، وبثقافة واحدة، وبلسان واحد، هؤلاء في الواقع يخالفون نهج الله سبحانه وتعالى القائم على التنوع والتعقّل والتفكر والتدبر.
الجمال الكوني وغاية الحياة، وحقيقة الامتحان الإلهي، هو في التنوع والتعدّد الإنساني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والفكري، هذا هو قد يكون معنى قول الله تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251. هذا الدفع أو عملية التنوع والتنافس والتعدد هو الذي يؤدي إلى تطور المجتمعات وترشيدها فيما لو تمَّ بطريقة صحيحة.
الإكراه المادي والمعنوي
هذا الدفع والتنوع والتعدد يتحقق من خلال حرية الإنسان في الاختيار وعدم إجباره أو إكراهه، سواء إكراها ماديا من خلال وجود قمع خارجي، أو من خلال القمع المعنوي عبر التضليل الذي يمارسه البعض في عملية تحريف الإنسان عن مقاصده الأساسية وغايات وجوده.
تقول الآية القرآنية: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) الروم 22.
لنلاحظ هذه المعجزة الكبرى، وهذه الآيات الكبرى وهذه النفس الإنسانية التي تحتاج الاستقرار، وإلى السكن من خلال المودة التي تتحقق عبر التعارف والتلاقي مع الآخرين، والايمان بأهمية التنوع مع الآخرين، حتى تسود حالة من الاستقرار والتعايش والتناغم والانسجام بين الناس، ويتم إنشاء المودة والمحبة من خلال التنوع الحقيقي القائم على الاختيار الحرّ للإنسان، فيطمئن الإنسان ويستقر.
هذه الآيات القرآنية تدل على أن التنوع يؤدي إلى المودَّة والتعايش والانسجام والاستقرار، وهذه قضية جوهرية في فهم عملية بناء المجتمعات، وبناء الأنظمة الصالحة، وتأسيس الحياة السعيدة، للأسر والجماعات والمجتمعات، لذلك فإن مضمون (لقوم يتفكّرون)، بمعنى لابد للإنسان أن يتفكَّر في الطرق الصحيحة التي توصله إلى الاستقرار والطمأنينة والسكينة.
الجمال الإلهي في التنوّع البشري
هذا الاستقرار عنصر مهم في بناء المجتمعات الصحيحة والسليمة، حيث تؤدي مخرجات التنوع الى تحقيق صحة نفسية وعقائدية وأخلاقية وجسدية، بترسيخ المودة والرحمة والتعايش والمحبة.
وأيضا (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، تعبير واضح عن اختلاف الثقافات بين البشر، فكل مجتمع، وكل جماعة من البشر، لها ثقافة معينة، وهذا هو المقصود من آيات الله، التنوع والتعدّد الثقافي والاختلاف الثقافي في ما بين البشر، وألوانكم تعني الأذواق والأعراف والمشارب والاتجاهات المختلفة.
وعندما نفهم هذا الامر وندركه ونحترم التعايش والتنوّع والتعدد فيما بين البشر، سوف نصل إلى عملية بناء الطمأنينة والاستقرار في المجتمع، وهذا التنوع والتعدد هو احد معاني الجمال الإلهي، لذلك لابد أن نصل بالمعرفة الصحيحة، إلى إدراك هذا التنوع وهذا التعدد والقبول به، من خلال التفكير السليم، والابتعاد عن الإكراه واحترام حريات الآخرين.
الإكراه يؤدي إلى تصادم المجتمعات
تتحقق حرية الإنسان من خلال الانسجام، فالإنسان هو حر دائما في اتخاذ قراراته، لكن عندما تجبره وتكرهه على أداء عمل معين، يصبح متطرفا، فتخرجه عن دائرة الوسطية، وعن الطريق الوسط فيصبح متطرفا، والتطرف هو نتيجة حتمية دائما للإكراه، وهذا الإكراه يؤدي إلى عملية تصادم المجتمعات، ولأنه يؤدي الى الخروج عن عملية التعددية وإلغاء التنوع السليم في الحياة، لأن بناء التنوع الصحيح في الحياة، يتحقق من خلال احترام التعدد والتنوع، حتى تصل المجتمعات إلى عملية بناء الرحمة والمودة والتراحم والمحبة فيما بين هذه المجتمعات.
الاكراه يؤدي الى المسخ المعرفي عبر التجهيل البعيد عن التعقل والتفكر، لكن الدين على العكس من ذلك يهدف إلى عملية البناء المعرفي وفتح الطريق امام التطور العقلي والفكري عند الإنسان، وبالنتيجة الابتعاد عن التطرف.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ)، فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان معرفة طرقه في الحياة من خلال السير بإرشاداته التي جاء بها أنبياؤه وأولياؤه، والأئمة الصالحون (عليهم السلام)، وهؤلاء هم الذين يدلّون الناس على معرفة الله سبحانه وتعالى.
وعندما يكون الإنسان عارفا بالله سبحانه وتعالى كمال المعرفة الحقيقية، ويصدق بها، أي يعمل بها، فهذا سوف يؤدي إلى إخلاص الإنسان ونقائه ونزاهته ونظافته، وبالنتيجة يبتعد عن منهجية التطرف والخروج عن الاعتدال، ولا ينحرف عن الطريق المستقيم.
مخاطر المعرفة الجبرية
الإكراه في تنظيره وتطبيقاته يجعل المعرفة جبرية، أي يجعل الإنسان جاهلا، لا يعرف التفكير الصحيح، والمعرفة لا يمكن أن تتحقق بالإجبار، بل تأتي من خلال الإدراك والفهم والتصديق بهذا الإدراك عمليا، والتفاعل الديناميكي المعنوي فيما بين علم الإنسان ومعرفته، ومن الناحية العملية يؤدي إلى المعرفة الحقة والصحيحة.
نذكر هذه الرواية المهمة في عملية دور المعرفة في بناء الصحة الإنسانية، الصحة العلمية والنفسية والإيمانية عند الإنسان عن الإمام علي (عليه السلام): (عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ لَا عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ)، هذا المضمون مهم جدا في كيفية فهم الدين.
هناك مفهومان للدين من خلال فهمنا لهذه الرواية هما:
أولا: المفهوم الشكلي للدين.
ويأتي من خلال (لقلقة اللسان)، أي المعرفة الشكلية وليس بالجوهر والمضمون، ولا بالتعقل والتفكر، وبالنتيجة عدم وجود معرفة صحيحة في الحياة، وهذا يأتي لأسباب معينة، حيث يصل الإنسان إلى المعرفة الشكلية في الدين لأنه أما غير مهتم بهذا الموضوع، وأما مجبر أو مكرَه على هذا الأمر، فالإمام يدعونا إلى تعقّل الدين، وهذا التعقل الديني يأتي من خلال الاستيعاب المعرفي الصحيح.
مفردة وعاية تأتي من الوعاء، وهو الذي يستوعب الشيء الذي يكون فيه، لذلك عندما يكون الدين وعاءً، ويأخذ الإنسان الدين كاملا، ويكون في داخل هذا الوعاء ويستوعبه، والاستيعاب هنا بمعنى الفهم والإدراك، والفهم الصحيح، سوف يؤدي به إلى المعرفة الصحيحة، فلابد من أن يكون عقل الإنسان (عقل وعاية وعقل رعاية).
على الإنسان أن يقوم بعملية بناء الاستدلال، وتعلم هذا الدين تعلما عميقا صحيحا، استيعابا واستدلالا، من جهة الفاعلية من خلال التعلم الذاتي، ومن جهة الغائية برعاية هذا الدين من خلال تعليمه وإيصاله إلى الآخرين، إيصالا حقيقيا، لكي يفهم الآخرون الدين فهما صحيحا، وليس سماعا فقط، أي أنه يستمع ولا يفهم شيئا، أو أن يروي الحديث من دون أن يدرك معانيه الحقيقية العميقة، بل يجب أن يكون عنده دراية ورعاية واستدلال وفهم عميق وتحليل للمعاني وليس نقل للألفاظ فقط.
بناء التفكير التعليمي
(رواة العلم كثير ورعاته قليل)، بمعنى إن الذين يروون الحديث كثيرون، ولكن كثير منهم لا يفهمون معنى الحديث وعمقه ولايدركون كنه معرفته الحقيقية، أما هؤلاء الذين يفهمون الرواية لفظا ومعنى ويوصلون الحقيقة إلى الآخرين، فإنهم قليلون جدا، وهذا هو معنى أن هذه المعرفة شكلية، وهي في نتيجتها جهل يؤدي إلى التطرف.
ثانيا: المعرفة العقلية العميقة.
وهي تقوم على الاستيعاب والاستدلال والدراية والفهم الصحيح للرواية وللأحاديث الشريفة، يؤدي إلى بناء الاعتدال الرشيد عند الإنسان، لذلك نحن ندعو إلى أن تكون التربية التعليمية، قائمة على حقيقة ومنهج مهم جدا، وهو إدراك المعاني وفهم المعاني، وبناء التفكير التعليمي، والتعليم بالتفكير، وأن يتعلم الإنسان من خلال تفكيره، وعمقه واستدلاله، وإلا تصبح قضية العلم مجرد لقلقة لسان.
وهذا الإنسان عندما لا يتعلم، ويكون جاهلا، أو جاهلا مركَّبا يصبح فهمه متشددا ومتزمتا في الدين، لأنه يقرأ الروايات والأحاديث قراءة سطحية، فيصبح بالنتيجة متطرفا في حياته، وهذه من القضايا التي تؤدي إلى التطرف والعنف المعنوي والعنف اللفظي ضد الآخرين، وحتى العنف في اتجاهات أخرى.
الاكراه والتلوث بالذنوب
وفي الآية القرآنية: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) يونس 100. تعبير عن تأثيرات الاكراه وتناقضه مع الايمان ونتائج هذا التضاد.
فالإيمان لا يأتي من خلال الجهل، وإنما يأتي من خلال العلم والتعقّل، والعلم وحده لا يكفي، بل تعقّل هذا العلم، ووعايته ورعاية هذا الدين، من خلال الفهم الصحيح ومن خلال التعقّل، لأن الإكراه والفهم الشكلي للدين يؤدي إلى الذنوب، إلى الضد، والضد هو أن يصبح الإنسان ملوثا بالذنب والرجس، وبالكراهية الحقد، حيث تكون افكاره ملوثة وغير نظيفة.
فالإنسان الذي يكون إيمانه غير متعقّل، فإن هذا الأمر يؤدي بالنتيجة إلى الانحراف، أما باتجاه اليمين، أو اليسار، اتجاه اليمين يعني التطرف والتزمت في الدين، بحيث يصل بعض المتشدّدين في بعض الأحيان إلى درجة استخدام الإرهاب ضد الآخرين، أما التطرف في الجانب الآخر سيكون من ناحية تهديم الدين بالانحراف والضلال والتأويلات الموهومة.
فالعلم في عملية بناء التعقّل لكي يكون الإنسان طاهرا نظيفا وفي الطريق المستقيم، وغير ملوث بالتضليل والانحرافات التي تدخل إلى مخّه وتلوث أفكاره ونفسه، وهذا يؤدي به بالنتيجة إلى التطرف، فالتلويث الفكري والنفسي يؤدي إلى التطرف الناتج عن عدم الفهم الصحيح للدين، وعدم تعقّل الإنسان للدين تعقل رعاية ودراية.
قراءة الروايات باستيعاب واستدلال
من الأمور المهمة في حياتنا، أن نبني حياتنا في حرية الاختيار، وشعور الإنسان بالحرية العلمية والفكرية، حتى يسترشد رشدا صحيحا ومعرفة صالحة بالدين، رشدا صحيا متناميا سليما وبالشكل الذي يضعه في طريق الاعتدال، وإلا فإن التزمت والتطرف يؤدي بالإنسان إلى الفهم العقيم والمنحرف للدين، وعدم وجود إيمان حقيقي بل مجرد أفكار تختمر في عقله وفكره فتؤدي إلى ضلاله.
لابد أن نقرأ الروايات والأحاديث بالاستيعاب والاستدلال، وبعقل وعاية ورعاية ودراية، وفهم صحيح وعميق لهذه الروايات، وللآيات القرآنية، حتى نستمر في السير على الطريق المستقيم المعتدل، للوصول إلى الاستقرار والصحة النفسية والعقلية في حياتنا.
وللبحث تتمة...
اضف تعليق