يطلق على النظام السياسي المطبق في العراق عنوان "النظام البرلماني" تسامحا "بادلة السنن" كما يقول الفقهاء. وموضوع التسامح يتمثل في تعريف الحزب الفائز او الكتلة الفائزة، حيث لا يشترط النظام الاغلبيةَ وانما الكثرة العددية لنواب الحزب او الكتلة قياسا على بقية الكتل او الاحزاب الفائزة...
لم يفز اي من الرجلين المتنافسين على منصب رئاسة الجمهورية، رجب طيب أردوغان (٤٩.٥٤٪) و كمال كلتشدار أوغلو (٤٤.٨٥٪) بالمنصب لان ايا منهما لم يحصل على ٥٠٪ من اصوات الناخبين.
وهذا تطبيق مباشر للمفهوم البسيط للديمقراطية وهو "حكم الاغلبية"، اي اغلبية المواطنين الذين يحق لهم المشاركة في التصويت، والذين ادلوا باصواتهم فعلا. وهذا لا يشمل المواطنين دون سن التصويت، ولا المواطنين الذين لم يدلوا باصواتهم لسبب ما. قد لا يشكل "المصوتون" اغلبية ابناء الشعب، ولكن هذا هو المخرج الوحيد لآلية تداول السلطة عن طريق الانتخابات. فالديمقراطية هي حكم اغلبية المواطنين الذين ادلوا باصواتهم. نقطة رأس السطر.
وهذا هو الحد الادنى لترجمة مفهوم الديمقراطية بوصفها حكم الاغلبية. يطبق هذا الشرط في النظام الرئاسي، كما هو الحال في تركيا والولايات المتحدة، كما يطبق في النظام البرلماني كما هو الحال في بريطانيا. ففي بريطانيا، لا يعتبر الحزب فائزا وحاصلا على حق تشكيل الحكومة ما لم يحصل على نصف عدد اعضاء مجلس العموم. وفي حال لم يتحقق هذا، فاما ان تعاد الانتخابات، او يتمكن احد الاحزاب من تشكيل تحالف يحوز على نصف مقاعد البرلمان وبالتالي يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية. وايضا هذا هو الحد الادنى المعقول من تطبيق مفهوم الديمقراطية بوصفها حكم الاغلبية. والاغلبية في النظام البرلماني تعني اغلبية اعضاء مجلس النواب او البرلمان اي (٥٠+١).
يطلق على النظام السياسي المطبق في العراق عنوان "النظام البرلماني" تسامحا "بادلة السنن" كما يقول الفقهاء. وموضوع التسامح يتمثل في تعريف الحزب الفائز او الكتلة الفائزة، حيث لا يشترط النظام الاغلبيةَ وانما الكثرة العددية لنواب الحزب او الكتلة قياسا على بقية الكتل او الاحزاب الفائزة. وهكذا يمكن اعتبار الحزب فائزا اذا حاز على ٧٠ مقعدا مثلا في حال كان عدد مقاعد الاحزاب الاخرى اقل من هذا العدد.
وواضح ان الرقم ٧٠ لا يعبر عن اغلبية برلمانية، وانما هو اقلية برلمانية. وبالتالي فان حصوله على حق تشكيل الحكومة لا يعبر عن الديمقراطية بوصفها حكم الاغلبية، وانما هو في واقع الحال حكم الاقلية.
وهذه مشكلة في النظام السياسي العراقي يفقد بسببها وصف "الديمقراطي". ولهذا لم يعد النظام السياسي العراقي الحالية يصنف ديمقراطيا في المؤشرات العالمية للديمقراطية. وتميل بعض المؤشرات الى استخدام عنوان "الاوتوقراطية الانتخابية" Electoral autocracy، اي نظام اوتوقراطي مغطى بلباس خفيف من الانتخابات الشكلية. وتعريفه حسب وكيبيديا "نظام هجين تجرى فيه الانتخابات بصورة دورية دون ان يتمكن من تحقيق المعايير المعتبرة والمعتمدة للديمقراطية".
هناك اسباب كثيرة بطبيعة الحال لانحدار التجربة الديمقراطية في العراق التي يفترض انها انطلقت بعد سقوط النظام الدكتاتوري. ولست بصدد ذكر هذه الاسباب في هذه المقالة، ولكني بصدد ذكر بعض العلاجات المقترحة لهذه الحالة. وفي مقدمة هذه المقترحات تعديل التعريف الدستوري للكتلة النيابية صاحبة الحق بترشيح رئيس الوزراء. والتعديل المقترح يشترط ان تستحوذ الكتلة "الفائزة" على ٥١٪ من مقاعد البرلمان. وهناك مقترح ثانٍ يشترط حدا ادنى للاصوات التي يجب ان يحصل عليها المرشح ( على فرض اعتماد اسلوب الانتخاب الفردي وليس القائمة) لكي يفوز بالمقعد النيابي.
هذه المقترحات وغيرها تتطلب بطبيعة الحال تعديلات دستورية وقانونية، فضلا عن ايمان حقيقي بالديمقراطية والياتها، وثقافة ديمقراطية على مستوى القاعدة الشعبية، اي جمهور الناخبين.
لكن لا يبدو ان احزاب الطبقة السياسية الحالية ترغب بمثل هذه التعديلات لانها احزاب فئوية (بالمعنى العرقي آو الطائفي) ومثل هذا الاحزاب محصورة عدديا ويصعب عليها تحقيق اغلبية وطنية في عضويتها وجمهورها الانتخابي.
اضف تعليق