ان الأعوام المقبلة ستكون أعوام عطش سكاني ما دون ناظمي سامراء والفلوجة، ومثل هذه المخاطر تحتاج الى استثمار النجاح في توظيف قدرات الهندسة العسكرية لإنجاز نقلات نوعية في الحد من الاثار السيئة المترتبة على مخاطر شحة مياه الري والشرب، من دون ذلك سنشاهد موجات بشرية تطرق أبواب المدن بقوة...
بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على تطبيق المنهاج الوزاري، كيف يمكن ان نقرأ التقويم الاولي لما حصل وما يمكن ان يحصل في الأشهر المقبلة تحديدا في مجال إدارة الجغرافية السكانية؟؟
من أوائل بشائر الإيجابيات، اشراك الجهد الهندسي للقوات المسلحة في اول مبادرة من نوعها في العمل المدني لإغلاق مبزل قديم وإمكانية تحويله الى شارع يربط ما بين شارع المطار من منفذ عباس بن فرناس وينتهي عند علوة الرشيد مقابل حي الدورة، مثل هذا الطريق يقدم خدمة حيوية لمنطقة واسعة جنوب بغداد، كما يمكن ادراج مثل هذه القدرات في اطلاق المشاريع لمدن جديدة حول بغداد العاصمة لتكوين بغداد الكبرى، يضاف الى ذلك أهمية إدارة الجهد الهندسي للجهاز الحكومي بمضمونه المادي مثل العجلات بمختلف أنواعها والموارد البشرية لاسيما تلك التي تمتلك أفكارا استشارية في تنفيذ هذه المدن بما يؤكد ان للعراقي قدرات عظمى عندما تتوفر الإرادة السياسية الواعية.
في المقابل، يبدو ان هذه البشائر تواجه تحديات كبرى تتمثل في مخاطر الهجرة السكانية بسبب العطش الذي يتصاعد خلال الصيف المقبل بما يمكن ان يؤدي الى هجرات ارتدادية نحو مراكز المدن وسيكون التركيز الأكبر على العاصمة بغداد، هذه المدنية التي تجاوز عدد سكانها خلال العقدين الماضيين الى أكثر من 8 ملايين نسمة وفيها أكثر من مائتي حي سكني بلا تخطيط سكاني، ناهيك عن التقسيم العشوائي لبقية الاحياء بما وضع الخدمات البلدية والصحية والطاقة الكهربائية امام تحديات كبرى.
اعتقد ان توفر الإرادة السياسية في تطبيق المنهاج الوزاري تتطلب التعامل مع التخطيط العمراني والحضري بعقلية المستقبل وليس الحلول الترقيعية للمشاكل المتراكمة لأسباب سياسية حولت الكثير من المناطق العشوائية الى مناطق نفوذ انتخابي وهناك رغبات بتحويل تلك العشوائيات الى مناطق بلدية بمنح تلك الأراضي لاسيما الزراعية مقابل اثمان بخسة، تزيد اثقال العاصمة بغداد.
أي مصفوفة للحلول لا تكون خارج سياقات التنمية المستدامة التي يلتزم العراق بتقديم تقريره الموازي سنويا امام الأمم المتحدة، واهم الحلول البحث عن استدامة توفر المياه وادارتها الحكيمة فالواقع يؤكد ان قيمة برميل من حليب الجاموس يزيد ربما على الالف دولار فيما قيمة برميل النفط ربما تصل الى 100 دولار، ناهيك عن استيراد المنتجات الزراعية الموسمية بدلا من ان تكون الزراعة نفط دائم، مثل هذا الواقع يتطلب قرارات استراتيجية عاجلة ضمن سياق اعداد موازنة الأعوام الثلاثة المقبلة ربما تبدأ بإغلاق مصب دجلة والفرات في ملتقى القرنة، والعمل على مشروع كبير لتحلية مياه شط العرب بما يوفر تغطية مياه ري عكسية نحو مناطق الاهوار.
يضاف الى ذلك تحويل أسلوب انتاج الطاقة الكهربائية الى نموذج لا يحتاج الى التبريد من مياه نهري دجلة والفرات، التي لن تتوفر بالشكل المطلوب اذا لم يحصل في هذا العام فالأكيد انه سيحصل في الأعوام المقبلة، يضاف الى ذلك تكوين مناطق مضافات سكانية جديدة على مناطق الزراعة المتطورة التي نجحت بها الدول في الزراعة الصحراوية ولنا في التجربة السعودية اسوة حسنة التي حولت مناطق شاسعة من صحراء الربع الخالي الى مزارع لإنتاج الحنطة والشعير ونجاح اكبر مشروع طبق نموذج الزراعة في صحراء اريزونا الأمريكي في الشرق الأوسط.
ربما يقول قائل على الحكومة ان تبحث عن حلول مع الجارتين تركيا وايران لفتح الأنهار تحت عناوين دولية معروفة، اعتقد ان اهتمامات الحكومات السابقة خارج هذا السياق والحكومة الحالية لن تستطيع الا الترجي بانتظار منًة انقرة في اطلاق مياه نهري دجلة والفرات، فيما لا اعتقد ان ايران ستفتح أي نهر اغلقته، ناهيك عن وجود سدود جديدة على نهري الزاب في إقليم كردستان، بما يؤكد ان الأعوام المقبلة ستكون أعوام عطش سكاني ما دون ناظمي سامراء والفلوجة.
مثل هذه المخاطر تحتاج الى استثمار النجاح في توظيف قدرات الهندسة العسكرية لإنجاز نقلات نوعية في الحد من الاثار السيئة المترتبة على مخاطر شحة مياه الري والشرب، من دون ذلك سنشاهد موجات بشرية تطرق أبواب المدن بقوة .. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!
.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.
اضف تعليق