لقد ساد الاعتقاد قبل تغيير نظام الحكم في العراق ان المجتمع الداخلي يمر بأحسن الظروف للتغيير، ولم يعد بحاجة الا لملاحقة النظام السياسي واستبداله بآخر يتولى زمام الأمور ويقضي على مأساة الشعب الذي لم يجن سوى الدمار والتخلف والحرمان، لكن التغيير بقي حلم يراود الملايين في منامهم المتقطع مع نوبات التيار الكهربائي...
انقسم الرأي الداخلي في العراق الى ثلاثة اقسام إزاء التغيير البطيء الذي يحصل على المستوى السياسي وغيره من الصُعد، ومع مرور الوقت برزا رأيان يقولان ان التغيير في العراق ربما يكون من اشباه المستحيلات.
تقرُ الآراء باستحالة التغيير لما يتمتع فيه العراق من خصوصية جماهيرية وفلسفة قيادية خاصة لا يمكن ان تخضع الى المعايير العامة القائمة في بلدان المنطقة، ففي السنوات الأخيرة ومع ما شهدته البلاد من احداث هدفت الى التغيير الجذري انبثقت مجموعتي رأي عام تجاه ذلك.
المجموعة الأولى ترى ان التغيير لن يحصل دون التركيز على العمل التوعوي والتنويري للجماهير التي ستبحث وتختار النخبة السياسية. ودعت المجموعة ذاتها الى مقاطعة العملية الانتخابية التي تجري مصحوبة بالشبهات والتشكيك بمراحلها المتعددة.
اما المجموعة الثانية فأنها تقول، ان من مقتضيات التغيير هو اعتماد اسلوب توعية النخب السياسية التي ستحسن مستوى عملها وفعالياتها وبالتالي ينعكس الأداء الجيد على مستقبل الشعب واوضاعه العامة وتفصيلات حياته.
الرأيان يحملان بالمجمل نوع من الصحة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالأول الذي يستهدف الجماهير بالمشروعات التوعوية والبنيوية يعتقد ان بدون الطاقات البشرية لا يحدث أي جديد، فهي من تحمل قناني الدماء الجديدة وتضخها في العملية السياسية، بينما الرأي الثاني يعني تجاهلا علنيا للتكوينات الاجتماعية بغض النظر عما يؤديه ذلك التجاهل من آثار سيئة.
لقد ساد الاعتقاد قبل تغيير نظام الحكم في العراق ان المجتمع الداخلي يمر بأحسن الظروف للتغيير، ولم يعد بحاجة الا لملاحقة النظام السياسي واستبداله بآخر يتولى زمام الأمور ويقضي على مأساة الشعب الذي لم يجن سوى الدمار والتخلف والحرمان، لكن التغيير بقي حلم يراود الملايين في منامهم المتقطع مع نوبات التيار الكهربائي.
الإطاحة بالنظم السياسية لا يعني التغيير بحد ذاته، ولا يمكن ايضا ان نعتبره من الأخطاء الجسيمة، لكن الخطأ في إدارة هذا الملف والاستفادة من الظرف القائم لتحقيق النهوض على المستويين السياسي والشعبي بما يلائم التحول الجديد والانفتاح على المجتمع الدولي والإقليمي.
في العودة الى ارشيفنا السياسي بالمنطقة العربية وما حصل خلال العقدين الماضيين، نتصفح الاحداث ونحصي الرؤساء الذين تمت الإطاحة بهم، ومع ذلك لم تتغير أوضاع بلدانهم، ونخص بالذكر العراق الذي كان خارج التوقعات؛ لما يملكه من قوة عسكرية وأجهزة امنية استطاعت ان تخرق المنظومة الاجتماعية.
وبالمقارنة مع البلدان الأخرى فلا يزال العراق غير مستقر، يخلوا من الحرية والازدهار اللذان يعتبران الضوء في نهاية النفق، وحصل النقيض من ذلك تماما، شبه حروب أهلية، مع ولادة حكام مقدسين رغم كونهم هم العابثين، والمتحكمين في مصائر المساكين.
التجربة خير برهان واقوى الأدلة، فالتغيير السياسي الذي ينتظره العراق يعد شرطا أساسيا لكنه يبقى غير كاف، لا يضمن أي تحول واعد بل سيؤدي مع الوقت الى أوضاع أسوأ من القائمة حاليا، وبعد ان هزمت الثورات وتبددت الطاقة التغيرية الكامنة في المجتمعات، أصبح التغيير قاب قوسيين او أدنى من المستحيل.
اضف تعليق