من حق الإنسان أن يحلم، وفي نفس الوعاء الضامن للحق يمكنه التفكير والتعبير عما يسبح في بحر عقله من تموجات، أما إذا كان رئيساً للوزراء فالحلم واجبه الأول، يترجمه إلى خطة عمل محددة بالزمان والمكان والأدوات، لينتج لنا مزيجاً من الأداء العالي والخدمات الممتازة التي تحتاجها الدولة. أي دولة كانت، والعراق ليس استثناء من القاعدة...
من حق الإنسان أن يحلم، وفي نفس الوعاء الضامن للحق يمكنه التفكير والتعبير عما يسبح في بحر عقله من تموجات، أما إذا كان رئيساً للوزراء فالحلم واجبه الأول، يترجمه إلى خطة عمل محددة بالزمان والمكان والأدوات، لينتج لنا مزيجاً من الأداء العالي والخدمات الممتازة التي تحتاجها الدولة. أي دولة كانت، والعراق ليس استثناء من القاعدة.
شخص ما يمكنه الدخول في مختبر التحليل حول قاعدة الحلم كحق مرة، وواجب في موضع آخر، هو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يمكن تعريفه بانه مواطن يتمتع بالحق في أن يحلم بالعيش بدولة كريمة تحترم الإنسان وتجعله قادراً على السير في دروب الحضارة الإنسانية، وهذا ما تجده في تفكيره كمواطن عراقي.
ويوم السابع والعشرين من تشرين الأول 2022، أبرز لنا السوداني الجانب الآخر من شخصيته، الرجل الذي يجب عليه أن يحلم ويخطط ويدير في ذات الوقت، لقد أصبح رئيساً لوزراء العراق، قدم رزمة أوراق قال إنها تعبر عن حلمه بإدارة الملف التنفيذي للدولة العراقية للسنوات الثلاث القادمة.
حلمه يسمى البرنامج الحكومي، وفترات التوقف فيه كل ستة أشهر، أي أن رئيس الوزراء قرر ان يضع مدة ستة أشهر لتقييم عمله وعمل وزرائه ووكلاء وزرائه ومدرائه العاميين.
وفي هذه اللحظة التي أمارس فيها عملية تسويد الورق الأبيض بالحبر الإلكتروني الأسود يكون السيد رئيس الوزراء قد أكمل ستة أشهر، وقد حان وقت الاستيقاظ.
لا بأس بوصف برنامجه الحكومي بالحلم، فهما متشابهان، وحتى شخصية السوداني نفسها تشبه الحلم بحديثها وهدوئها وتناقضاتها وطوباويتها وواقعيتها، شخص يشبه العراق أيضاً، كما نشبهه جميعاً، صفتنا المشتركة هي التناقض.
مشكلتنا مع السوداني ليست بحجم الإنفاق الذي وضعه بالموازنة العامة للدولة، لقد أنفق الكثير من الوعود لشعبه، نحن نعاني الآن من نضوب الوعود، لم يبقى شيء يمكن لرئيس الوزراء القادم أن يعد به. لقد أفرغ خزينة الوعود للوزراء اللاحقين.
لكن لا بأس الوعود فقاعات الماء، تعمل بشكل آلي عندما يهطل المطر، فتخلق حالة من المتعة والدعوة للفرجة والاسترخاء، شرط تحققها يرتبط بظرف خارجي.
وظرفنا الخارجي العراقي ينقسم إلى مسارين:
المسار الأول: سوق النفط وما فيه من واردات قد تتحول إلى فيضانات دولارية جارفة يصعب معها غلق خزنات البنك المركزي ومصرف الرافدين، أو تجف الأسعار فنضطر معها إلى تشغيل السدود واللجوء إلى بحيرات الفدرالي الأمريكي أو حتى بالسطو الحكومي على أموال العراقيين بطرق قانونية غير عادلة.
في هذا المسار لا يعرف السوداني أين هو الآن، المهم أنه يمارس عملية الاحتلام بأسعار نفطية عالية، ونخشى عليه أن يستيقظ والأضواء خافتة بسبب عدم قدرتنا على دفع أجور غاز الكهرباء إلى إيران.
المسار الثاني: الاستقرار السياسي الإقليمي والدولي، هناك حيث يطبخ القرار السياسي المحيط بالعراق، ويفقس بين طهران والرياض، وما فوقهما سفارة ألينا رومانسكي، الأمريكية الشقراء، بعدها تأتي محطات التوزيع لدى الأحزاب والحركات السياسية العراقية.
حالياً بدأت المنطقة تتخلى عن الأكلات الساخنة، واستشعرت حجم المتعة بالوجبات الباردة، السخونة مسبب قوي للتباعد أملاً في الحصول على نسمة هواء بارد، على عكس البرودة التي تتطلب تقارباً بين الدول لتشعرها بالدفء المطلوب لديمومة الحياة. الأجواء باردة الآن، والكل يقترب من بعضه البعض عناق وقبلات وأحضان بحثاً عن الدفء.
يبقى المسار الداخلي المتعلق بالشعب من جانب، والموظفين الحكوميين من جانب آخر.
الشعب لا يملك أي سلطة على رئيس الوزراء سوى طلب الخدمة وهو طلب مكرر مليء بالأتربة حيث لم يرفعه أحد ليحوله إلى خطة عمل تنفيذية.
أما كادر الموظفين والعاملين بالقطاع الحكومي، فالغالبية منهم ينتظرون العطلة والراتب وساعة الخروج من الدوام، هم يكرهون عملهم، ويعتبرون الدولة مجرد شيطان كبير يعملون تحت امره بدون حب ولا رغبة في الإنجاز.
كشخص حالم لم يستطع السوداني إقناع العراقيين بخطته السداسية للإنجاز، نعم هناك بعض الحدائق التي افتتحت والشوارع التي خططت، لكنه ما يزال أسيراً لمتغيرات خارج إرادته، إنه مثل الشجرة التي تعد الناس بالثمر، لكنها تنسى أن حياتها وثمارها مرهونة بالسحاب والمطر، عن لم تحصل على المطر لا يخرج الثمر.
وسحابة السوداني موازنته المالية لثلاث سنوات، مرت أربعة شهور من عام 2023 ولم تخرج من البرلمان، فكيف يستطيع السوداني سقي وعوده، لقد أصابها العطش، وتفطرت أرضيتها.
عندما يستيقظ السوداني من حلمه سوف أسأله، هل التقييم الذي وضعته لستة أشهر لأداء حكومتك يشمل شخصك أنت؟ فربما تكون أنت احد المقصرين؟ ماذا نعمل حينها؟
اضف تعليق