النظام السياسي الدولي يتكون من الدول والتحالفات والمنظمات الدولية والإقليمية، وهو ليس نظاماً مكتوباً بل هو أطار يساعد على تحليل شكل العلاقات الدول ومعرفة الأطراف الأكثر قوة والأكثر نفوذاً مقارنة بغيرها، وهناك ثلاث أنظمة سياسية دولية هو النظام متعدد الأقطاب يتكون من العديد من الدول المتقاربة في القوة...
ننطلق في هذا الشأن من نظرية ابن خلدون للدولة، إذ نظر ابن خلدون للدولة على أنها كائن بشري يمر بمرحلة الولادة والنمو والهرم ليفنى، وهو نفس الحال للنظام الدولي إذ لا يمكن استمرار نظام سياسي دولي لمدة طويلة جداً دون أن يمر بهذه المراحل، لاسيما هناك تحولات جيوسياسية كبيرة تطرأ الأن على النظام السياسي الدولي.
علماً أن النظام السياسي الدولي يتكون من الدول والتحالفات والمنظمات الدولية والإقليمية، وهو ليس نظاماً مكتوباً بل هو أطار يساعد على تحليل شكل العلاقات الدول ومعرفة الأطراف الأكثر قوة والأكثر نفوذاً مقارنة بغيرها، وهناك ثلاث أنظمة سياسية دولية هو النظام متعدد الأقطاب يتكون من العديد من الدول المتقاربة في القوة كما هو النظام السياسي الدولي قبل الحرب العالمية الثانية، والنظام ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، ونظام أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وعندما نتحدث عن بوادر هذا التحول في النظام السياسي الدولي ننطلق من جملة من النقاط وهي كما يلي.
1- الدور الروسي الكبير في النظام السياسي الدولي/
يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صانع روسيا الجديدة ومستعيد قوتها ودورها على الساحة الدولية منذ وصوله الى الحكم عام 2000، فقد بدأت بوادر هذا التحول المهمة أولاً منذ الحرب الروسية الجورجية عام 2008، فقد استطاعت روسيا احتلال العديد من المناطق الجورجية والاحتفاظ بها، لاسيما استقلال (أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا) عن جورجيا، وثانياً الدور الروسي الكبير والمنافس للولايات المتحدة الامريكية في سوريا، فقد استطاعت روسيا مع حلفائها الحفاظ على النظام السوري ومنع انهياره، علماً أن سوريا هي أخر معقل لروسيا الاتحادية في الشرق الأوسط من خلال تواجد أسطولها البحري في ميناء طرطوس السوري، ولم تتخلى روسيا عن هذا التواجد المهم لصالح الولايات المتحدة الامريكية.
وثالثاً الحرب الروسية الأوكرانية عام 2014، والتي نتج عنها سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم بشكل كامل، كذلك الحرب الروسية الأوكرانية والتي بدأت عام 2022 والتي لاتزال مستمرة شنتها القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية، وحدثت هذه الحرب لكثير من الأسباب وأهمها سعي أوكرانيا للانضمام الى حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، علماً أن المنفذ البري الوحيد الممكن من خلاله الوصول الى الأراضي الروسية هو من خلال أوكرانيا وبذلك لن تسمح روسيا الاتحادية بانضمام أوكرانيا للناتو ويصبح عدوها على خط التماس المباشر لها، والذي من خلال أوكرانيا تم وصول جيشين مسبقاً الى الأراضي الروسية هما الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت عام 1812، والجيش الألماني بقيادة أدولف هتلر عام 1941.
نستنتج مما سبق أن الدور الروسي كبير وفي تصاعد على مستوى النظام السياسي الدولي وأصبح منافس مباشر للولايات المتحدة الامريكية، بعد أن كان دوره ضعيف جداً في مرحلة توهج القوة الامريكية وتفردها بزعامة النظام السياسي الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والحروب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية في مطلع القرن الواحد والعشرين ضد أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003.
2- الصعود الاقتصادي الصيني الكبير والمستمر/
صاحب القرار السياسي الصيني لا يطرح نفسه بأنه قوة منافسة للولايات المتحدة الامريكية بشكل مباشر حتى لا يستفز الإدارة الامريكية ويضع نفسه نداً مباشر لها، بل أن الرئيس الصيني الحالي ذات يوم قال بأن الصين لاتزال من دول العالم الثالث، وبذلك يسمى الدور الصيني في النظام السياسي الدولي بــ (الصعود السلمي)، وقال الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في اجتماع الأمم المتحدة مؤخراً "أن الصين ليس لها نية خوض حرب باردة أو ساخنة ضد أي دولة"، وبذلك يعد الاقتصاد قاطرة الصعود الصيني ودعامته في المنافسة الدولية، يتوقع خبراء أن يحتل الاقتصاد الصيني المركز الأول عالميًا عام قريباً، بعد أن أزاح ألمانيا الاتحادية واليابان من طريقه، ويستعد لإزاحة الاقتصاد الأمريكي أيضا، وللتدليل على ذلك فإن الصين أكبر مصدر للولايات المتحدة الامريكية، وثاني مدين لها، وصاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم وأكبر مصدر للبضائع وثاني أكبر مستورد، بالمقابل أن الولايات المتحدة الامريكية هي أكثر دولة من دول العالم مديونية بحجم دين خارجي يتجاوز (20) تريليون دولار.
3- ظهور منظمات اقتصادية جديدة/
في الوقت الذي تسعى فيه الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على الاقتصاديات النامية، ظهرت مجموعة (بريكس) عام 2009 وهي مجموعة للدول الأسرع نمو اقتصادي في العالم (روسيا الاتحادية، الصين، الهند، جنوب افريقيا، البرازيل) لتعطي أملاً لدول العالم في أن عالم القطب الواحد اقتصادياً لن يستمر طويلاً، وأن هناك من يفكر في تغيير كبير، وكشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة (بريكس) لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدماً في العالم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وذلك بعد أن وصل مساهمة هذه المنظمة الى 31% من الاقتصاد العالمي مقابل 30% للقوى السبع الصناعية.
كل المؤشرات السابقة الذكر تبين صعود قوى جديدة على مسرح السياسة الدولية، دول ومؤسسات، ولن تستمر الولايات المتحدة الامريكية هي الدولة والقوة المسيطرة الأولى على النظام السياسي الدولي في المستقبل القريب.
اضف تعليق