الصين تعدّ العالم العربي شريكا محوريا واستراتيجيا في مشروع الطريق والحزام الجديد، حيث تقدمه كقناة لتسهيل التبادل التجاري والدفع نحو تنمية اقتصادية مشتركة، لذا فلاعجب ان تنتهز الصين حالة النكوص الامريكي واخطاء الادارة الامريكية وتحاول ان تملأ الفراغ وتقفز الى الواجهة كبديل موضوعي (قطب) فقد تبنت تشكيل منظمة...
لم يكن العنوان ترويجا لماركة صينية او تسويقا للسياسة الصينية الفعالة في ظل النكوص الامريكي والاوربي عن تخوم الشرق الاوسط، بل الحديث حول الاصطفافات الجيوسياسية المتناغمة تحت العباءة الصينية وبما يتوافق موضوعيا بين امن الدول القومي ومصالحها الجيوستراتيجية من جهة، وبين المصالح والاطماع الصينية من جهة اخرى، والصين ليست جمعية خيرية كما انها ليست وحشا امبرياليا، بعد فشل القطب الاوحد في عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية وكما افترض المفكر الامريكي (فوكوياما) بأن هذا هو العصر الامريكي (امركة العالم) والليبرالية هي نهاية عصر العالم.
نظرية لا مصالح دائمة ولا عداوات دائمة تسير العلاقات الدولية يمكن ان تنطبق على جميع تلك العلاقات ويمكن ان يضاف اليها لا "اقطاب" دائمة ايضا، فالغرور الامبريالي والتوحش الاستعماري الذي ساد توجهات السياسة الامريكية اضافة الى اخطائها، الاستراتيجية "القاتلة" كغزو العراق بالاعتماد على تقارير استخباراتية مضللة او لنقص في كفاءة الادارة المشوبة بمزاجوية لاينبغي لأقوى دولة في العالم ان تتصف بها وهي راعية "الديمقراطية الليبرالية" كما تدعي.
فبعد انزلاقها في حرب فيتنام (1955 ـ 1975) التي اركست امريكا في الحضيض لم تستفد من اخطائها الباهظة وراحت تنزلق مرة اخرى وهذه المرة في مستنقع الشرق الاوسط وتحديدا في العراق ولأسباب لم تستطع اقناع الراي العام العالمي فضلا عن الامريكي بها، فجاء التغيير النيساني المزلزل ولحقت به اخطاؤه التي دفع العراقيون ثمنها غاليا من دماء ابنائهم ومن فرص تقدمهم ومن بناهم التحتية وشواخصهم المعمارية، عكس ما وعد به الرئيس (بوش) الابن العراقيين بان يحوّل العراق الى "واحة" للديمقراطية، أي ان دعوى الغزو كانت قائمة على اباطيل واضاليل، يضاف اليها التجربة الديمقراطية غير الناضجة والتي ارساها الحاكم المدني (بول بريمر) والتي ابتدأها بما يسمى ب (مجلس الحكم) والتي اسست لجميع المصائب المحاصصاتية التي مر بها العراق لحد الان وتكررت المأساة في افغانستان والصومال ومناطق اخرى.
الصين تعدّ العالم العربي شريكا محوريا واستراتيجيا في مشروع الطريق والحزام الجديد، حيث تقدمه كقناة لتسهيل التبادل التجاري والدفع نحو تنمية اقتصادية مشتركة، لذا فلاعجب ان تنتهز الصين حالة النكوص الامريكي واخطاء الادارة الامريكية وتحاول ان تملأ الفراغ وتقفز الى الواجهة كبديل موضوعي (قطب) فقد تبنت تشكيل منظمة (شنغهاي) للتجارة كما رعت منظمة (البريكس) بالتعاون مع روسيا والهند وجنوب افريقيا (والبرازيل بالعملة الوطنية وليس بالدولار).
ماليا فقد أقرضت الصين مئات المليارات من الدولارات لتشييد البنية التحتية في بلدان نامية بهدف تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وافريقيا اضافة الى بناء موانئ وسكك حديد ومطارات ومجمّعات صناعية بما يتيح للصين الوصول إلى المزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاتها، ومن منجزات الصين بناء أكثر من 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وجذبت هذه المناطق مئات الشركات باستثمارات إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، كما بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا نحو 254 مليار دولار في عام 2021.
ورغم ذلك فإن دخول الصين بثقلها الجيوبولوتيكي في منطقة الخليج العربي قد حظي بالاهتمام العالمي الأكبر بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كمورد عالمي للطاقة، الصين عملاقٌ سكانيٌّ واقتصاديٌّ وعسكريٌّ تتحرك على الساحة الدولية اعتماداً على قوة ناعمة هائلة ترتكز على مبادرة "الحزام والطريق"، حيث تمتد استثماراتها وأنشطتها من شرق آسيا حتى أوروبا، وتشمل أيضاً القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وقد انضم الى هذا المشروع أكثر من 150 دولة..
وما الاتفاق المبرم بين السعودية وايران الاّ مظهر من مظاهر الفاعلية الصينية بعد ان اعلن الاتحاد الأوروبي الصين منافساً استراتيجياً..
انه عصر الصين ذي القوة الناعمة وليست الليبرالية المتوحشة ذات الارشيف الاستعماري غير الانساني.
اضف تعليق