عشرون عاماً بالتمام والكمال قضيناها بين نيسان عام 2003 تحت حكم صدام حسين، ونيسان 2023 تحت حكم محمد شياع السوداني إذا صح التعبير أننا تحت حكم السوداني وحده، هل اختلف الوضع بين التاريخين؟ وما الذي يجعل العراق يطمح ليكون أفضل أو أن يعود إلى الماضي؟...
عشرون عاماً بالتمام والكمال قضيناها بين نيسان عام 2003 تحت حكم صدام حسين، ونيسان 2023 تحت حكم محمد شياع السوداني إذا صح التعبير أننا تحت حكم السوداني وحده، هل اختلف الوضع بين التاريخين؟ وما الذي يجعل العراق يطمح ليكون أفضل أو أن يعود إلى الماضي؟ ولماذا ما زلنا نسمع عن دعوات لاستعادة أيام حكم حزب البعث ورجال صدام حسين؟
سؤال المقارنة بين الوضع السابق والحالي طرحه مركز غالوب الدولي على شكل استطلاع رأي على عينة من 2024 بالغاً في العراق، وتوصل إلى جملة من النتائج أبرزها أن الكثير من العراقيين، يرون أن الحياة كانت أفضل قبل سقوط نظام صدام حسين وأن ٪51 من المستطلعين يعتقدون أن الولايات المتحدة غزت العراق للسيطرة على موارده.
يرد لؤي الخطيب وهو باحث وشغل منصباً وزارياً في النظام الديمقراطي الجديد، استطلاع مؤسسة غالوب الدولية الأخير يتحدث عن حال أفضل للعراقيين في ظل نظام الدكتاتورية عندما كانت هواية الحاكم حينها حفلات الإعدام والتعذيب والمقابر الجماعية، وراتب الموظف الشهري لا يتجاوز دولاراً واحداً وخدمات الكهرباء ساعتين في اليوم وحرية التعبير مصيرها الإعدام صبراً، والخدمات الصحية لأزلام النظام حصراً، ومهمة الإعلام المحلي لتلميع صورة القائد "الضرورة"، ومهمة الجيش غزو دول الجوار، وواجبات الأجهزة الأمنية قمع الشعب بالكيمياوي، وكوبونات النفط مخصصة لشراء ذمم الشخصيات العامة (محلية وعالمية) وصولاً إلى أفراد متنفذة في الأمم المتحدة.
أنا اتفق مع لؤي الخطيب في رده على غالوب فالوضع مختلف بشكل غير قابل للمقارنة، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب، وهذا لا يحتاج إلى كثير من الشرح، فالنظام السابق قليل وربما عديم الرحمة، فاقد للعدالة، لا شرعية له، لا رأي للشعب في الحكم، قراراته سيئة حد التدمير، الأرامل والأيام كونوا جيوشاً، والفقراء عاشوا على الخبز اليابس والماء غير الصالح للاستخدام البشري.
لكن حجم الخراب رفع سقف الطموحات عالياً من اجل إحداث تغيير جذري نحو الأفضل، والقوى السياسية التي حكمت بعد سقوط صدام قبضت على الحكم وأعلنت نفسها بديلاً مضاداً للوضع السابق.
مشكلة القوى الجديدة عدم وجود خطة للعمل، كل ما كانوا يملكونه هو رصيد هائل من الكراهية ضد حكم البعث وصدام.
الآن نحن في التاسع من نيسان 2003، وهذه لحظة قيادة المرحلة القادمة، ما الذي نفعله لنكون بديلاً لصدام؟
لا شيء، تجيب الأحزاب السياسية، نحن نكره صدام حسين، ولا نريد أن نكون مثله.
التحدي كبير جداً والتركة ثقيلة، بلد مفكك وشعب جائع يعادي كل ما هو حكومي، بالنسبة له كل مؤسسات الدولة تمثل مصالح حزب البعث المجرم، والنتيجة حدوث عمليات النهب والسلب ليس لأن الشعب العراقي عبارة عن مجموعة لصوص، لكن لأن الحزب الذي سيطر على كل مفاصل الدولة جعل الشعب يشعر وكأن مؤسسات الدولة كلها تمثل مصالح الحزب، ومن ثم فإن الاستيلاء عليها أقل ما يمكن القيام به لمعاقبته.
النظام كان فاقداً للشرعية لأنه لم يأخذ رأي الشعب بنظر الاعتبار، كان الانتخابات شكلية وتجري بشكل اجباري، ونتيجتها 99% لصالح "الرئيس القائد صدام حسين"، كما نسمع في الإعلام الحكومي الرسمي.
أما الشعب فلا يحب نظاماً أدخله حربين مدمرتين نقلت البلد من أحد أفضل الدول العربية على مختلف المستويات إلى دولة فقيرة ومحاصرة وغير قادرة على توفير رغيف الخبز.
لا شرعية للنظام طوال فترة حكم البعث، لذلك تكون كل قراراته مقرونة بالقوة، ليعوض نقص الشرعية.
وفي ذلك الوقت كان المواطن الذي يريد الإعلان عن رغبته بتغيير النظام يعلن تأييده للأحزاب الإسلامية المعارضة في ذلك الوقت، ليس إيماناً بهذه الأحزاب بل نكاية بالحزب الحاكم، لان هذا الحزب عانى من فائض هائل بالقوة، ونقص شديد بالشرعية.
على العكس نعيش أوضاعاً مختلفة في جوانب عدة، لكنها تتفق مع النظام السابق في أمور أخرى، فالنظام الحالي لديه اكتفاء ذاتي وربما فائض في منسوب حرية الكلام، ولو انها تجري تحت سقف معين، لكن إذا تمت مقارنتها مع العهد السابق فالوضع مختلف تماماً.
لكن النظام الحالي يعاني من نقص شديد في مسألة الشرعية تكاد تقارب في مستواها نفس مستوى غياب الثقة والشرعية لدى نظام حزب البعث، فالمشاركة في الانتخابات تكاد تكون محصورة لدى جمهور الأحزاب المسيطرة على الحكم.
أي أن الشعب لم يتم إجباره على الذهاب لانتخاب القائد الضرورة كما كان يجري الوضع سابقاً، بل ترك ليشتم الحكومة في مواقع التواصل الاجتماعي بدون أن يسمعه أحد، وكأن المنظومة المهيمنة تقول للشعب، لك النقد والشتائم ولنا السلطة والسيطرة.
الحصيلة النهائية أن أوضاع العراقيين لم تتغير بحسب طموحاتهم، ومشكلة شرعية النظام ما تزال مطروحة منذ عام 2003 وحتى عام 2023.
إذا السؤال المركزي هو سؤال الشرعية الذي ما يزال قائماً، فهل تستطيع القوى الحاكمة فهم هذا السؤال؟
اضف تعليق