هل نحن دولة ديمقراطية كما هو مكتوب في الدستور العراقي؟ أم دولة متخلفة لا تقر بالتنظيم الحديث إلا في نصوصها المكتوبة؟ وما مدى مبالغتنا إذا قلنا إننا لسنا دولة حديثة، في مقابل من يبالغ بمديح الدولة العراقية ويعتبر أزماتها مجرد عارض سوف ينتهي؟ الجواب ببساطة، نحن دولة، ولا دولة أيضاً...
هل نحن دولة ديمقراطية كما هو مكتوب في الدستور العراقي؟ أم دولة متخلفة لا تقر بالتنظيم الحديث إلا في نصوصها المكتوبة؟ وما مدى مبالغتنا إذا قلنا إننا لسنا دولة حديثة، في مقابل من يبالغ بمديح الدولة العراقية ويعتبر أزماتها مجرد عارض سوف ينتهي؟
الجواب ببساطة، نحن دولة، ولا دولة أيضاً، نحن مجتمع منظم، لكننا شعب غير منظم، وقد يكون من المفيد هنا استحضار ما قاله الملك فيصل الأول في وصف العراق وشعبه: "أقول وقلبي مليء بالأسى، في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء، ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت".
قد تكون هذه رؤية السلطة من أعلى للدولة العراقية، ونظرتها للشعب كركن رئيسي من أركان الدولة، وتعتقد السلطة الحاكمة أن هذا الشعب هو جزء من مشكلات كبيرة تحدث للدولة العراقية وتتسبب بتهديم التنظيم المتقدم فيها، أليست هذه هي الحقيقة؟ فالشعب هو مصدر السلطات وهذه الاخيرة تأتي إما بقرار من الشعب أو نتيجة لطبيعة التفاعل الاجتماعي وصعود بعض الجماعات لحكم البلد.
لكن السلطة التي تمثل التنظيم القانوني والكيان السياسي للدولة لا تتكون نتيجة تفاعلات اجتماعية في أغلب الأحيان.
على هذا الأساس نحن أمام سلطة يصنعها الشعب بطريقة أو أخرى، فهل جاءت سلطة الملك فيصل (القائل بعدم وجود شيء اسمه الشعب العراقي) هل جاءت سلطته من الشعب أم من قوى اخرى خارجية؟
أليست بريطانيا هي صاحبة القرار الأقوى في جعل الملك فيصل ملكاً على العراق؟
هل نسي الملك فيصل الأول الباخرة نورث بروك التي نقلته بحراً إلى العراق؟
في المقابل، ألا يعد الملك فيصل نفسه محبوب العراقيين والشخص الذي يتفاخرون بفترة حكمه؟ وإذا ما أرادوا استحضار الزمن الجميل تبرز صورة النظام الملكي.
نحن إذا أمام نصف سلطة، ونصف قرار شعبي، ونصف قرار خارجي، سلطة الدولة جاءت مناصفة بين الخارج والداخل، والحاكم هو نصف حاكم وليس حاكم كامل.
نعم هو ذلك الحاكم الذي يقع تحت ضغط قوتين كبيرتين، قوة الرغبات الاجتماعية الداخلية من جهة، ونفوذ الدول الخارجية من جهة أخرى، وتناقض مثل هذا دفع شخصية مثل رئيس الوزراء الراحل عبد المحسن السعدون إلى الانتحار، وقد أعلن في رسالته المكتوبة أنه كان تحت هذا الضغط المسلط عليه داخلياً وخارجياً.
السعدون يقر صراحة أنه نصف حاكم أيضاً، نصف منه لبريطانيا ونصفه الآخر للشعب العراقي.
وفيما يتعلق بالشعب نفسه فقد يكون واقعاً تحت ذات الضغط الذي عانى منه عبد المحسن السعدون لكن مصادر الضغط تختلف باختلاف الموقع والمكانة، فهناك تطلعات الجماعة وقيمها وعاداتها التي تفرض على أفرادها أن يمارسوا بعض السلوكيات حتى وإن كانت غير موزونة من وجهة نظر منطقية أو مصلحية إذا تحدثنا في الجانب السياسي، وفي الجانب الآخر هناك الضغط الحكومي الذي يفشل دائماً في فهم طبيعة العلاقات الاجتماعية فيذهب بعيداً في محاولة تفكيك العلاقات الاجتماعية أو العكس عبر تعزيزها والذوبان فيها، فيتولد لدينا نصف مجتمع، فلا هو المجتمع القوي القادر على اختيار السلطة التي تحكمه، ولا هو منصاع تماماً للسلطة القائمة في الوضع الراهن.
قد يكون قول الملك فيصل عن غياب شيء اسمه الشعب العراقي صحيحياً من جهة مخاوفه على سلطته، وربما هو تبرير لعجزه عن فهم طبيعة التفاعلات في المجتمع العراقي، فالشعب العراقي ميال للفوضى كما هو ميال للخضوع أيضاً، حاله حال أي شعب آخر، إنما مشكلتنا الأزلية أننا نعيش مع نصف سلطة، ونصف مجتمع، والنتيجة المنطقية نصف دولة.
تجدنا نملك مؤسسات للدولة، نطيعها بنصف طاقتها، ونطيع الكيانات الأخرى بنصف طاقتها أيضاً، ليس لأننا شعب ازدواجي كما قال علماء الاجتماع، بل لأن السلطة لم تستقر على حال واحد، بسبب استمرار الوضع الذي تتوزع فيه القوة ولم نصل بعد إلى حالة من تراتبية القوة، وهذه التراتبية التي نبحث عنها يفترض أن يكون نموذجها التنظيم القانوني والإداري الحديث.
لم نصل إلى ذلك النظام الإداري الحديث، والمسار غير واضح حتى الآن.
اضف تعليق