q
صدع شرق الأناضول هو خط زلزالي عبارة عن كسر في الصخور يؤدي إلى انزلاقات زلزالية تتدافع بموجبها ألواح صخرية صلبة على امتداد خط الصدع الرأسي، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط حتى تنزلق إحداها في النهاية في حركة تفضي إلى إطلاق قدر هائل من الطاقة التي يمكن...

قال علماء الزلازل إن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الاثنين بقوة 7.8 درجة قد يكون أحد أكثر الزلازل تسببا في وقوع ضحايا خلال السنوات العشر الماضية، حيث تسبب في صدع يمتد طوله لما يزيد على 100 كيلومتر بين الصفيحة الأناضولية والصفيحة العربية.

كان مركز الزلزال على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة نورداي التركية وعلى عمق نحو 18 كيلومترا عند فالق شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا.

وخلال القرن العشرين، لم يتسبب فالق شرق الأناضول في نشاط زلزالي كبير. وقال روجر موسون، وهو باحث فخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية “إذا تتبعنا الزلازل (الكبيرة) التي سجلتها مقاييس الزلازل، فلن نجد شيئا يذكر”.

ولم تسجل المنطقة سوى ثلاثة زلازل فقط بقوة ست درجات منذ عام 1970، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. لكن في عام 1822، تعرضت المنطقة لزلزال بقوة سبع درجات، مما أدى إلى مقتل نحو 20 ألف شخص.

وبلغ متوسط الزلازل التي تتجاوز قوتها سبع درجات أقل من 20 زلزالا على مر التاريخ، مما يجعل زلزال يوم الاثنين حدثا خطيرا.

وبالمقارنة مع الزلزال الذي ضرب وسط إيطاليا في عام 2016 بقوة 6.2 درجة وأودى بحياة نحو 300 شخص، فإن الطاقة المنبعثة عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الاثنين تزيد بمقدار 250 مرة عن زلزال إيطاليا، وفقا لجوانا فور والكر رئيسة كلية لندن الجامعية للحد من المخاطر والكوارث.

ولم يسجل نفس قوة زلزال يوم الاثنين سوى زلزالين فقط من أكثر الزلازل فتكا في الفترة من 2013 إلى 2022.

لماذا كان الأمر شديد الخطورة؟

‭ ‬صدع شرق الأناضول هو خط زلزالي عبارة عن كسر في الصخور يؤدي إلى انزلاقات زلزالية تتدافع بموجبها ألواح صخرية صلبة على امتداد خط الصدع الرأسي، مما يؤدي إلى زيادة الضغوط حتى تنزلق إحداها في النهاية في حركة تفضي إلى إطلاق قدر هائل من الطاقة التي يمكن أن تتسبب في حدوث زلزال.

ربما يكون صدع سان أندرياس في كاليفورنيا أشهر هذه الصدوع في العالم، ويحذر العلماء منذ وقت طويل من احتمال وقوع زلزال كارثي هناك.

وبدأ وقوع الزلزال التركي السوري على عمق ضحل نسبيا.

وقال ديفيد روثيري عالم جيولوجيا الكواكب في الجامعة المفتوحة في بريطانيا “ربما كان الاهتزاز على سطح الأرض أشد من تأثير زلزال على مستوى أعمق بنفس القوة عند المصدر”.

بعد 11 دقيقة من الزلزال الأول، تعرضت المنطقة لهزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة. ووقع زلزال بقوة 7.5 درجة بعد ساعات، تلاه هزة أخرى بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر.

قال موسون “ما نراه الآن هو أن النشاط يمتد إلى فجوات مجاورة… نتوقع استمرار الزلازل لبعض الوقت”.

مبان مشيدة بصورة سيئة

وتحدث خبراء دوليون عن عوامل أخرى مثل توقيت الزلزال وبنية المساكن في المناطق المتضررة، ما يسمح بفهم حجم الخسائر البشرية التي تجاوزت خمسة آلاف قتيل حتى الآن.

يجيب بعض الخبراء الدوليين على هذا التساؤل بشكل واضح وبسيط، من خلال تحليل يقوم على تداخل وتشابك مجموعة من العوامل تتمثل في توقيت الزلزال وموقعه وخط صدع هادئ نسبيا منذ قرنين، فضلا عن مبان مشيدة بصورة سيئة.

تقع تركيا على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم. بالتالي، فإن بنية المساكن "لا تتوافق بالفعل مع منطقة معرضة لخطر الزلازل العنيفة"، على ما أوضح الباحث. ويمكن تفسير ذلك بأن الصدع الزلزالي، حيث تقع هذه المساكن، كان هادئا نسبيا في الماضي.

ففي 1999، تسبب زلزال في إزميد على بعد حوالى 100 كلم جنوب شرق إسطنبول بمقتل 17 ألف شخص. زلزال الاثنين وقع على الطرف الآخر من البلاد، قرب الحدود السورية، على امتداد خط الصدع الشرقي للأناضول.

تكرار لما حدث عام 1822 عندما قضى عشرات الآلاف...

يُؤكد روجيه موسون أن هذا الخط لم يشهد أي زلزال تفوق قوته 7 درجات منذ أكثر من قرنين، مما حدا بالسكان إلى "الاستخفاف بخطورته". وتشير هذه المدة أيضا إلى "أن كمية كبيرة نسبيا من الطاقة تراكمت" على طول الصدع. وما يؤكد ذلك، بحسب الباحث، حدوث هزة ارتدادية عنيفة بعد الزلزال الرئيسي.

زلزال الإثنين هو "تقريبا تكرار" للزلزال الذي ضرب المنطقة في 13 آب/أغسطس 1822 والذي قُدرت قوته بنحو 7,4 درجات. وأوضح موسون أنه تسبب حينها في "دمار هائل وتهدمت مدن بأكملها وقضى جراءه عشرات الآلاف".

وقع زلزال الإثنين، والذي ضرب على عمق نحو 17,9 كيلومترا بالقرب من مدينة غازي عنتاب البالغ عدد سكانها مليوني نسمة، نتيجة تحرك الصفيحة التكتونية العربية التي "تتقدم نحو تركيا" باتجاه الشمال، على ما أوضح عالم الزلازل. وأضاف أنه عندما تنشط الحركة، يتقدم اللوح فجأة و"ينتج من هذه الحركة زلزال كبير".

وفيما شدد العالم على أن مدى الدمار يتعلق أيضا بطول الصدع الأرضي على امتداد خط الصدع الزلزالي (مئة كيلومتر بالنسبة لزلزال الإثنين)، أوردت كارمن سولانا، وهي عالمة البراكين في جامعة بورتسموث البريطانية، أن تشييد المباني يشكل عاملا رئيسيا عند حدوث الزلازل.

وأوضحت أن "مقاومة البنية التحتية متفاوتة في جنوب تركيا (رغم أن زلزال عام 1999 أدى إلى إصدار تشريع في عام 2004 يلزم جميع المباني الجديدة بالامتثال لمعايير مقاومة الزلازل) وخصوصا في سوريا. لذلك، فإن إنقاذ الأرواح يعتمد الآن على سرعة الإغاثة".

كما أشار عالم البراكين بيل ماكغواير، من جامعة كلية لندن البريطانية، إلى أن العديد من المباني "انهارت على شكل طبقات"، موضحا أن "ذلك يحدث عندما لا تكون الجدران والأرضيات متصلة بشكل كاف، فينهار كل طابق عموديا على الطابق السفلي"، الأمر الذي يترك للسكان فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة.

وقال محمد كاشاني أستاذ هندسة الإنشاءات والزلازل المساعد بجامعة ساوثهامبتون “الجمع بين قوة كبيرة وعمق ضحل جعل هذا الزلزال مدمرا للغاية”.

ماذا قد تكون الحصيلة النهائية للقتلى؟

تسببت الزلازل ذات الحجم المماثل في المناطق المأهولة بالسكان في مقتل الآلاف. وأودى زلزال نيبال الذي بلغت قوته 7.8 درجة في عام 2015 بحياة ما يقرب من تسعة آلاف شخص.

قال موسون “لن تكون الأمور جيدة… سيكون (الضحايا) بالآلاف وربما يصل عددهم إلى عشرات الألوف”.

وأضاف أن طقس الشتاء البارد يعني أن المحاصرين تحت الأنقاض لديهم فرص أقل في البقاء على قيد الحياة.

قتل أكثر من 5000 شخص في جنوب تركيا وشمالي سوريا المجاورة حيث ضرب زلزال قوي بلغت قوته 7,8 درجة تلاه بعد ساعات قليلة زلزال آخر بلغت قوته 7,5 درجات وقد شعر بهما سكان غرينلاند والدنمارك.

وفي تركيا، أسفر الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا وجنوب شرقها الإثنين عن 3549 قتيلًا و20 ألفًا و483 جريحًا على الأقل، بحسب حصيلة جديدة أعلنتها إدارة الطوارئ والكوارث التركية ليل الاثنين الثلاثاء

تُعدّ هذه الهزّة الأشدّ في تركيا منذ زلزال 17 آب/أغسطس 1999 الذي تسبّب في مقتل 17 ألف شخص، بينهم ألف في إسطنبول.

وفي أنحاء سوريا، قتل 1602 شخص على الأقل في حصيلة جديدة غير نهائية وأصيب أكثر من 3500، وفق ما أعلنت وزارة الصحة السورية وفرق إغاثة.

وأعلنت وزارة الصحة السورية ارتفاع عدد القتلى إلى 812 وإصابة 1449 آخرين في حصيلة غير نهائية في مناطق سيطرة الحكومة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس. كما أفادت منظمة الخوذ البيضاء العاملة في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة دمشق بمقتل 900 شخصًا وإصابة أكثر من 2200 آخرين.

ومع اتضاح هول الكارثة على نحو أكبر فإن عدد القتلى سيرتفع كثيرا على الأرجح. وقال مسؤول بالأمم المتحدة إن هناك مخاوف من مقتل آلاف الأطفال.

وسوى الزلزال آلاف المباني والمستشفيات والمدارس بالأرض وجعل عشرات الآلاف بين مشرد ومصاب في العديد من المدن التركية والسورية. وبلغت قوة الزلزال 7.8 درجة وهو الأكثر دموية في تركيا منذ عام 1999 وأعقبه زلزال ثان بعد بساعات.

وأعاق الطقس الشتوي القارس جهود البحث وتوصيل المساعدات وفاقم محنة المشردين. وتعيش بعض المناطق بلا وقود ولا كهرباء.

تقول السلطات التركية إن نحو 13.5 مليون شخص تضرروا في منطقة مساحتها نحو 450 كيلومترا من أضنة في الغرب إلى ديار بكر في الشرق وفي 300 كيلومتر من ملاطية في الشمال إلى خطاي في الجنوب. وأعلنت السلطات السورية عن وقوع قتلى وصولا إلى حماة التي تقع على بعد نحو مئة كيلومتر عن مركز الزلزال.

وقالت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء إن عدد المتضرّرين بالزلزال المدمّر قد يصل إلى 23 مليونا.

وأوضحت المسؤولة في منظمة الصحة العالمية اديلهايد مارشانغ أمام اللجنة التنفيذية للوكالة التابعة للأمم المتحدة "تُظهر خريطة الأحداث أن عدد الذين يحتمل أن يكونوا تأثروا (بالزلزال) يبلغ 23 مليونا، بينهم نحو خمسة ملايين في وضع ضعف".

وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس "إنه سباق مع الزمن الآن... كل دقيقة، كل ساعة تمر، تتلاشى فرص العثور على ناجين".

وواصل عمال الإنقاذ العمل خلال الليل وحتى الصباح بحثا عن ناجين فيما انتظر الناس بجوار أكوام الأنقاض في لهفة أملا في العثور على أصدقائهم وأقاربهم أحياء.

وسُمع صوت امرأة تطلب المساعدة تحت كومة من الأنقاض في مدينة أنطاكية عاصمة إقليم خطاي. ورأى صحفيون من رويترز جثة هامدة لطفل في مكان قريب.

وفي يأس بكى تحت المطر ساكن قال إن اسمه دينيز.

ولا يزال هناك حريق كبير في ميناء إسكندرون الجنوبي. وأظهرت لقطات لطائرة مُسيرة في خطاي عشرات المجمعات السكنية المنهارة مما يشير إلى أن عدد القتلى أكبر بكثير على الأرجح من الحصيلة الحالية.

وفي جنيف، قال جيمس إلدر المتحدث باسم صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) "الزلازل... ربما أودت بحياة آلاف الأطفال".

وأضاف أن عشرات المدارس والمستشفيات والمنشآت الطبية والتعليمية تضررت أو دُمرت.

مشهد مرعب

في مدينة حماة السورية، قال عبد الله الدهان إن جنازات العديد من الأُسر ستُقام يوم الثلاثاء.

وأضاف عبر الهاتف "إنه مشهد مرعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

"لم أر شيئا كهذا في حياتي رغم كل ما حدث لنا".

وفتحت المساجد أبوابها للأُسر التي تضررت منازلها.

وأضاف أن الوقت ينفد لإنقاذ مئات الأسر المحاصرة تحت الأنقاض وأن هناك حاجة عاجلة للحصول على مساعدات من المنظمات الدولية.

وذكر مسؤول بالشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة في سوريا أن نقص الوقود والطقس القارس يتسببان في عقبات.

وقال المصطفى بنلمليح منسق الشؤون الإنسانية المقيم التابع للأمم المتحدة لرويترز في مقابلة عبر الفيديو من دمشق إن البنية التحتية متضررة والطرق التي كانت تُستخدم في الأعمال الإنسانية متضررة.

وقالت امرأة أصيبت بكسر في الذراع وجروح في وجهها وهي في سيارة إسعاف قرب حطام بناية مؤلفة من سبعة طوابق كانت تعيش فيها في ديار بكر في جنوب شرق تركيا “كنا نهتز كما يهتز مهد طفل رضيع. كان هناك تسعة منا في المنزل، اثنان من أولادي لا يزالان تحت الأنقاض… أنا في انتظارهما”.

ومن المتوقع أن تنخفض درجات الحرارة في بعض المناطق إلى ما يقرب من درجة التجمد خلال الليل، مما يؤدي إلى تدهور ظروف المحاصرين تحت الأنقاض أو الذين تُركوا بلا مأوى. وكانت الأمطار تسقط يوم الاثنين بعد أن اجتاحت العواصف الثلجية البلاد في مطلع الأسبوع.

وأظهرت لقطات حية بثتها محطة تي.آر.تي التركية الرسمية مبنى وهو ينهار في إقليم أضنة جنوب البلاد بعد الزلزال الثاني ولم يتضح بعد إن كان قد تم إخلاؤه قبلها.

وشاهد صحفيون من رويترز العشرات من رجال الإنقاذ في ديار بكر وهم يفتشون في كومة كبيرة من الحطام والأنقاض هي كل ما تبقى من بناية ضخمة ويسحبون كتلا من الحطام بحثا عن ناجين ويرفعون أياديهم من حين لآخر طلبا للهدوء كي يتسنى لهم أن يسمعوا أصوات الاستغاثة.

وحمل رجال فتاة ملفوفة في بطاطين من بناية منهارة في المدينة.

وفي أزمير أظهرت لقطات لطائرات مسيرة عمال إنقاذ يقفون أعلى كومة من الأنقاض حيث كان أحد المباني قائما في يوم من الأيام ويرفعون كتل الأنقاض.

وأظهرت لقطات جرى تداولها على تويتر بنايتين متجاورتين تنهاران واحدة تلو الأخرى في حلب السورية مما ملأ الشارع بالغبار والأتربة.

وقال اثنان من السكان في المدينة، التي مزقتها الحرب، إن البنايتين انهارتا في الساعات التالية للزلزال، الذي شعر به أيضا السكان في قبرص ولبنان.

كأنها نهاية العالم

في مدينة جنديرس الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة بمحافظة حلب السورية، تحولت بناية متعددة الطوابق إلى كومة من الخرسانة وقضبان الحديد والملابس المتناثرة في كل مكان.

وقال شاب نحيل عيناه شاخصتان من الصدمة ويده مربوطة بضمادة “كانت هناك 12 أسرة تحتها. لم يخرج أي منهم.. ولا واحد”.

وقال السوري عبد السلام المحمود من بلدة الأتارب في حلب إنه شعر وكأنها “نهاية العالم”.

وقالت المتحدثة ماديفي سون سوون “تعاملنا مع ظواهر جوية وعواصف ثلجية لكن لا شيء بحجم زلزال بهذه القوة. ما هو إلا إضافة إلى كل أشكال المعاناة”.

وأذاعت إدارة الكوارث والطوارئ التركية لقطات تظهر أحد رجال الإنقاذ وهو يزحف داخل مبنى منهار في مدينة ملاطية في محاولة لرصد مكان أحد الناجين المحاصرين تحت الأنقاض.

وسُمع رجل الإنقاذ وهو يقول “ما هو اللون الذي ترتديه؟ هل ترتدي اللون الوردي؟ من فضلك اعتني بنفسك في الوقت الحالي، لا أستطيع رؤية أي شيء آخر”.

وعُثر على اللاعب الدولي الغاني السابق كريستيان أتسو البالغ 31 عامًا والذي انتقل مؤخرًا من الرائد السعودي إلى هاتاي سبور التركي، على قيد الحياة وسط الأنقاض في هاتاي، حسبما قالت سفيرة غانا لدى تركيا.

لحظات الرعب: أصعب من القذائف

داخل مستشفى في شمال غرب سوريا، لا يقوى أسامة عبد الحميد على حبس دموعه بينما تعلو جروح جبينه، جراء تهدّم المبنى الذي يقطن فيه مع عائلته فوق رؤوسهم إثر زلزال عنيف ضرب سوريا، مركزه تركيا، نجوا منه بأعجوبة.

ويقول الرجل المقيم في بلدة حدودية مع تركيا بينما يرتدي عباءة شتوية بنيّة اللون بتأثر شديد لوكالة فرانس برس "كنا ننام بأمان وإذ شعرنا بهزة أرضية قوية جداً".

ويضيف من مستشفى الرحمة في بلدة دركوش في محافظة إدلب حيث يتلقى العلاج "أيقظت زوجتي واصطحبنا أولادنا وركضنا باتجاه باب المنزل في الطابق الثالث، وما أن فتحنا الباب حتى سقطت البناية كلها".

خلال لحظات، وجد عبد الحميد نفسه تحت ركام المبنى المؤلف من أربع طبقات في قريته عزمارين الحدودية، لكنّ "الله الحامي" أنقذ حياته وعائلته بأعجوبة.

ويضيف بتأثر شديد "سقطت الجدران علينا، لكنّ ابني تمكّن من الخروج وبدأ الصراخ، تجمّع الناس حينها لمعرفتهم أن ثمة أحياء وأخرجونا من تحت الأنقاض".

وبينما نجا عبد الحميد مع عائلته، قتل جميع جيرانه في المبنى.

ويقول طبيب الجراحة العامة في المستشفى مجيد إبراهيم لفرانس برس "الوضع سيء للغاية مع وجود أشخاص كثيرين تحت أنقاض المباني السكنية".

في مستشفى الرحمة، يتلقى محمّد بركات (24 عاماً) وهو أب لأربعة أطفال العلاج بعد إصابته بكسر في رجله.

ويقول لفرانس برس بينما يتمدد على السرير وجروح تغطي وجنته وأنفه "سحبت أولادي وخرجنا من المنزل لأنه منزل أرضي وقديم، وإذ بجدران الأبنية المجاورة بدأت تسقط علينا ونحن نقف في الشارع".

وأصيب بركات بكسر في رجله جراء سقوط جدار عليه بينما نجا أفراد عائلته.

في مدينة سرمدا في ريف إدلب الشمالي، دُمّرت كتلة أبنية متلاصقة وسُويت بالأرض، بينما بقيت ألواح الطاقة الشمسية وخزانات المياه صامدة فوقها. وتناثرت الفرش والأغطية.

وشاهد مصور فرانس برس عمال إنقاذ يحاولون رفع الركام ويعملون على استحداث فتحات عبر استخدام المعاول والمطارق، بحثاً عن ناجين، بينما تعمل آليات وجرافة على رفع الأسطح والجدران.

"كأنه يوم القيامة"

عند شعوره بالهزة الأرضية، حمل أنس حبش (37 عاماً) طفله وطلب من زوجته الحامل أن تجاريه في الركض الى مدخل شقتهما الواقعة في الطابق الثالث والأخير في مبنى في مدينة حلب (شمال)، التي صدعت سنوات الحرب مئات الأبنية فيها.

ويقول "نزلنا الدرج كالمجانين بعدما غطيت وجه طفلي بوشاح لحمايته، وما أن وصلنا إلى الشارع حتى رأينا عشرات العائلات وهي في حالة خوف ورعب".

ويضيف "ثمة من ركع على الأرض وبدأ الصلاة، وثمة من كان يبكي، كما لو أنه يوم القيامة".

ويقول حبش بتأثر شديد "لم أشعر بهذا الإحساس طيلة سنوات الحرب، كان الوضع أصعب بكثير من القذائف والرصاص".

لم يبق إلا الدمار والبرد

تتوجّه مواكب من السيارات شمالا للخروج من مدينة شانلي أورفا المدمّرة، لإبعاد السكان المصدومين قليلا عن مسرح أقوى زلزال يضرب تركيا منذ عقود.

على الجانب الآخر من الطريق، تسير عائلة تحت المطر المتجمد تجر متعلقاتها في عربة أطفال، بحثا عن مأوى لتمضية الليل البارد.

كانت شانلي أورفا، وهي واحدة من كبرى مدن جنوب شرق تركيا، من أكثر المناطق المتضررة بالزلزال الهائل الذي أودى بحياة أكثر من أربعة آلاف شخص في كل أنحاء المنطقة ذات الغالبية الكردية وسوريا المجاورة.

دمّر الزلزال حوالى 3500 مبنى في 10 محافظات ما أدى إلى إصابة أكثر من 11 ألف شخص وترك عدد آخر غير معروف تحت الأنقاض.

في شانلي أورفا، كان عشرات المسعفين يحاولون سحب ناجين من مبنى مؤلف من سبعة طوابق تحول إلى أكوام من التراب والحطام.

لقي 30 شخصا على الأقل حتفهم في هذه المحافظة حيث انهار 200 مبنى بسبب الزلزال الذي بلغت قوته 7,8 درجات.

يبحث عمر الجنيد عن معارف له محاصرين تحت الأنقاض.

ويقول هذا الطالب السوري البالغ 20 عاما والذي يعيش على مقربة من المكان "هناك عائلة أعرفها تحت الأنقاض".

ويضيف "حتى الساعة 11,00 صباحا أو قرابة الظهر، كانت صديقتي لا تزال ترد على الهاتف. لكنها لم تعد تجيب. إنها موجودة تحت الأنقاض. أعتقد أن بطارية هاتفها نفدت".

لكن عملية البحث ليست بسيطة. أمامه، بقايا أريكة مدمرة وكرسي بأرجل معدنية مكسّرة وبعض الستائر الممزقة، وكلها تدل على الهدوء والحياة البسيطة التي كانت سائدة قبل الكارثة.

يحاول عشرات الأشخاص رفع قطع ضخمة من الحطام الإسمنتي علّهم يحصلون على أي مؤشر للحياة تحته.

يستريحون صامتين بينما يحدّقون في الأنقاض، فيما ينتابهم مزيج من المشاعر، من إرهاق وألم وأمل.

على مقربة من هذا الموقع، يجلس أمين كاتشماز حول موقد برفقة موظفيه الثلاثة خارج متجر بيع المفروشات الخاص به، فيما يحرسون المتجر المحطّم من اللصوص.

فقد تحطّمت نوافذ المتجر الضخمة وتصدّعت أعمدته الضخمة، وأصبح بالكاد قادرا على دعم الطوابق السبعة للمبنى المتضرر المتهالك الذي قد ينهار في أي لحظة.

يقول الرجل البالغ 30 عاما "المبنى ليس آمنا" لكن "سنبقى هنا طوال الليل. هذا مصدر رزقنا".

على مسافة مئات الامتار، يجلس مصطفى كويونجو البالغ 55 عاما في سيارة العائلة مع زوجته وأطفالهما الخمسة.

ويقول "نحن ننتظر هنا لأننا لا نستطيع العودة إلى منزلنا. في الوقت الحالي، إنها ممنوعة" في إشارة إلى أمر حكومي يطلب من الجميع البقاء في الشارع حفاظا على سلامتهم.

وإذا لم يتمكّن من العودة، سيتوجه مع عائلته إلى مسجد قريب تحول مثل الكثير من المساجد الأخرى إلى مركز استقبال.

ويصر كويونجو على أن "المبنى الذي نعيش فيه آمن" إلا أن ابنته الكبرى لا تؤيده قائلة "لا، هو ليس متأكدا من ذلك!"

وبنبرة مختلفة يختم الوالد "من لا يخاف؟ الجميع يخاف!"

ولادة وموت تحت الركام

في بلدة جنديرس في شمال سوريا، انتشل سكان وعمال إنقاذ رضيعة ولدت بأعجوبة تحت الركام، وبقيت متصلة عبر حبل الصرة بوالدتها التي قتلت بعدما دمر الزلزال منزل العائلة.

أبصرت الصغيرة النور يتيمة، بينما قتل أفراد أسرتها جميعاً: والدها عبدالله المليحان ووالدتها عفراء مع أشقائها الأربعة، إضافة الى عمتها.

لا تسعف الكلمات خليل السوادي، قريب العائلة. يقول بتأثر شديد لوكالة فرانس برس الثلاثاء "كنا نبحث عن أبو ردينة (خليل) وعائلته، وجدنا أولاً شقيقته ثم عثرنا على أم ردينة وكان هو قربها".

ويضيف "سمعنا صوتاً عندما كنّا نحفر، سبحان الله (..) نظفنا التراب لنجد الطفلة مع حبل الصرة، قطعناه وأخذها ابن عمي الى المستشفى".

في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر مجموعة من الرجال فوق ركام مبنى مدمّر بينما يهرول رجل من خلف جرافة صفراء وهو يحمل الرضيعة عارية إلا من طبقة من الغبار الممزوج بالدماء غطت جسدها الهزيل الذي تدلى منه حبل الصرة.

وسط درجات حرارة متدنية، يعلو صوت رجل في خلفية الفيديو يطلب إحضار سيارة لنقلها الى المستشفى بينما يركض رجل آخر فوق الركام ويرمي بطانية ملونة للفّها وسط تدني درجات الحرارة التي لامست الصفر.

وتمكن عناصر الإنقاذ وسكان من إخراج جثث العائلة بعد ساعات من البحث والعمل المضني بإمكانيات ضئيلة، فيما تتلقى الرضيعة العناية الطبية في حاضنة داخل مستشفى جيهان في مدينة عفرين في أقصى شمال محافظة حلب.

عند وصولها الى المستشفى، عانت الطفلة من برودة شديدة في أطرافها وحرارة داخلية منخفضة، بعدما أمضت ساعات تحت الأنقاض بعد ولادتها، وفق تقدير الطبيب المعالج.

ويقول أخصائي الأطفال هاني معروف الذي يتابع وضعها الصحي لوكالة فرانس برس "أجرينا لها إسعافات أولية وأعطيناها الكالسيوم عبر الحقن الوريدي كونها بقيت لساعات من دون رضاعة".

ويضيف "حالتها العامة مستقرة لكن ثمة كدمات شديدة على جسمها" مرجحاً أن تكون تلقتها وهي في رحم والدتها. ويتوقع أن تكون الولادة قد تمّت بعد قرابة سبع ساعات من حصول الزلزال.

ويوضح معروف أن وزنها يتجاوز الثلاث كيلوغرامات، وهو الوزن الطبيعي لطفل حديث الولادة، ما يعني أن أمها كانت اقتربت من موعد ولادتها.

وبينما الصغيرة قيد المراقبة الطبية، تم بعد ظهر الثلاثاء تشييع باقي أفراد أسرتها في جنديرس، وفق ما أفاد مراسل لفرانس برس في البلدة.

وكانت الجثث قد نقلت بعد انتشالها الى منزل مجاور للمبنى المدمر، حيث وضعت داخل غرفة خافتة الإضاءة.

على غطاء أخضر اللون، جثث الأطفال الأربعة مغطاة. ويظهر وجه فتاة مهشماً ومكسوا بالغبار الذي خلفه الركام. وفي ناحية من الغرفة جثث الرجل وشقيقته وزوجته مغطاة أيضاً.

ويقول السوادي بحزن "هذه عائلة الطفلة التي ولدت تحت الأنقاض"، معدداً أسماءهم واحداً تلو الآخر.

اضف تعليق