q
من الحلول الاستراتيجية الأخرى غلق منافذ تهريب العملة الى الخارج بصورة غير منطقية، اذ تبلغ قيمة التبادل التجاري العراقي اليومي في الشهر الماضي أكثر من مئتين وخمسين مليون دولار، تخرج على أساس انها مقابل سلع وخدمات تدخل البلد، بينما في الواقع وبحسب خبراء الاقتصاد فان الحاجة الى نصف هذا المبلغ لسد الحاجة التجارية للبلد...

تحدثنا في المقال السابق عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وعن ارتفاع أسعار السلع الى أكثر من ضعف، وتطرقنا الى بعض الحلول الآنية التي تحدث تغيير على المدى القصير لإيقاف التراجع، ومع الوعود من قبل رئيس الوزراء باتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحقق الاستقرار في الأسعار، تبقى الأمور مضطربة ولا تصب بمصلحة المواطن.

رئيس الحكومة الحالي يعرف مدى المخاطر التي تواجه حكومته وتمنعه من تحقيق برنامجه الحكومي، ويعرف أيضا ان تراجع قيمة الدينار العراقي مرتبطة بالسياسة الخارجية للبلد، وهو ما دعا العديد من القادة السياسيين الى التصريح بضرورة تحسين العلاقات مع امريكا المتحكمة في الاقتصاد العالمي.

بتاريخ 22_ 12_2021 أعلن البنك المركزي العراقي تسديد كافة الديون المترتبة على العراق نتيجة عزوة الكويت عام 1990، والبالغ قيمتها بحسب البنك 52.4 مليار دولار أميركي.

من التاريخ أعلاه يمكن للعراق ان ينقل سنداته من البنك الفيدرالي الأمريكي، الى غيره من البنوك العالمية، لكن الشيء الذي يخشاه قادة الرأي العراقي هو عدم معرفة الخطوة التي ستأتي بعد ان يقرر العراق ان يسلك هذا الطريق الوعر، والمحفوف بالمخاطر، فالاقتصاد العراقي لا يزال من الاقتصاديات الهشة التي لا تتحمل الصدمات والتحديات لذلك لا يمكن ان تتبع هذه الخطوة على الأقل في المرحلة الحالية.

وعدم إمكانية النقل على الرغم من قدر العراق على هذه المسألة نتيجة فقدان القيود القانونية التي تمنعه من ذلك، يتحتم على الساسة العراقيين اتباع الطرق الدبلوماسية والأساليب التفاهمية مع أصحاب الكلمة العليا فيما يخص الاقتصاد العالمي، ذلك لان أي معركة في هذا الاتجاه تكون غير متكافئة الأطراف والخاسر الأكيد فيه العراق.

وينسى العراق ان فيه ما يجعله صاحب الكفة الأقوى بين طرفي المعادلة، لكنه لا يريد الاستفادة من كمية انتاجه المتضاعفة في السنوات الأخيرة، وقد يكون هذا السلاح هو الأقل تأثيرا بالنسبة للأحزاب التي الا تريد المجازفة في التصدي للإدارة الامريكية وخسارة المكاسب السياسية القادمة من تواجدها في السلطة.

ونستحضر في هذا الخصوص قول العالم ألبرت اينشتاين، "الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة"، وهنا قد تنطبق هذه المقولة على الإجراءات التي تتخذها الحكومة العراقية في إدارة الشؤون الاقتصادية، فهي تتبع ذات الخطوات بالتشديد على المضاربين في العملة والدعوة الى شراء السلع والخدمات بالدينار العراقي وترك أساس المشكلة.

العراق بحاجة الى آلية طويلة الأمد لإصلاح نظامه الاقتصادي، كونه في الوضع الحالي يكون معرض لأي صعقة تعيده الى المربع الأول من الازمة وقد تكون آثارها اشد من المرات الماضية، وحينها تصبح جميع الحلول غير قابلة للتطبيق.

ولكي يتحول الاقتصاد العراقي على الأمد البعيد الى اقتصاد نام وتحقيق قفزات في ذلك، نعرض بعض الحلول التي تجعل الثقافة الاقتصادية واحدة من الثقافات السائدة في المجتمع، اذ يأتي من بين هذه الحلول هو تأهيل الشباب وادخالهم سوق العمل وبالتالي تتكون قوة اقتصادية كبيرة من الايدي العاملة تعتبر أحد رؤوس الأموال الفاعلة.

أضف الى ذلك إطلاق عملية الدعم والتمويل المطلق من قبل الحكومة للمشروعات الخاصة، واتباع آلية التنفيذ السريع لهذه المرافق الاقتصادية، وبالتالي يخلق نشاط اقتصادي وصناعي استثماري، وعلى الرغم من ان هذا الهدف يعتبر من الأهداف التي يسهل الحديث فيها، لكنه غاية في التعقيد ويتطلب استراتيجية ليست هينة أو مشابهة للتي يكتبها الباحثون ومحترفو الصياغة، لكن يمكن اللجوء اليه وتحقيقه على شكل مراحل.

ومن الحلول الاستراتيجية الأخرى غلق منافذ تهريب العملة الى الخارج بصورة غير منطقية، اذ تبلغ قيمة التبادل التجاري العراقي اليومي في الشهر الماضي أكثر من مئتين وخمسين مليون دولار، تخرج على أساس انها مقابل سلع وخدمات تدخل البلد، بينما في الواقع وبحسب خبراء الاقتصاد فان الحاجة الى نصف هذا المبلغ لسد الحاجة التجارية للبلد.

القلق خيم على المواطنين، وأصبحوا لا يجيدون القراءة الصحيحة للوضع الاقتصادي الحالي، فهناك من يبسط الأمور وآخر من يعقدها ويقول اننا في بدايات الازمة وربما ستمر علينا أوقات عصيبة في قادم الأيام، وبين الروايتين تبقى الرواية الحكومية هي الأكثر تصديقا بالنسبة للمواطنين، مبتعدة عن سيناريوهات الخراب الكلي للاقتصاد المحلي.

لا يوجد مشكلة في مجال ما منغلقة على نفسها، والمشكلة الاقتصادية في العراق كما غيرها يمكن حلها بشقين من الحلول على المدى القريب والبعيد، لكن هذا وحده لا يكفي ما لم يضع المعنيين عن هذا الملف ضمن اولوياتهم مراجعة السياسيات الاقتصادية وإدخال الجديد النافع وابعاد القديم الضار، لعدم تكرار هذه الحالة في المستقبل والذي تشير في الدرجة الأولى الى عدم وعي الحكومة قبل المساس بحياة المواطن واستقراره.

اضف تعليق