اضطر "توني بلير" في أواخر مايو/أيار الماضي، إلى الاستقالة من منصبه كممثل للرباعية الدولية، التي تأسست في العام 2002، من خلال مبادرة رئيس الوزراء الإسباني "خوسيه ماريا أثنار"، والتي تضم (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة)، بغية لعب دور الوسيط في عملية السلام على المسار الاسرائيلي- الفلسطيني، إضافة إلى مهمة التنظيم والاشراف على المبادرات الرّامية إلى دعم الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية تمهيدا لقيام الدولة الفلسطينية، نتيجة الإحباط الذي كان يلازمه على مدار زمن قيادته لها، منذ تولّيه المنصب في العام 2007، إضافة إلى شعوره بأن مهمّته السياسية باتت لا قيمة لها.
وربما كانت إعادة النظر في دوره كموفد للرباعية – برغم النفي الأمريكي- هي السبب الأمثل، بعدما تكشفت نوايا أمريكية بأنها ليست معنية بتفعيل توجهاته كممثلٍ له اليد العليا في مقررات اللجنة، وبالتلاقي مع علاقاته السيئة بالسلطة الفلسطينية، التي تمنّت غيابه عن نظرها، باعتباره لم يقدم أي شيء للقضية الفلسطينيّة على مدى فترة تواجده، إضافةً إلى ما أخذت عليه من تماهيه الواضح مع المواقف الأميركية أو الإسرائيلية، وكانت كشفت واشنطن عن ترحيبها لأفكاره ووجهات نظره في أوقات كثيرة سابقة، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" أكثر من مرّة، عن أن مواقفه متطابقة إلى حدٍ بعيدٍ مع المواقف الإسرائيلية.
دائما اشتكى الفلسطينيون من نقص أنشطته كممثل للرباعية باتجاههم، ومن تحميلهم أوزاراً ثقيلة، بناءً على مبادئهم المتبقية لهم، وكانت جملة العلاقات الرابطة معه هي مجرد أعراض لواقع سيّئ ومُقزز في ذات الوقت، وهو الأمر الذي كما يبدو أدّى إلى ارتفاع الشعور لديه، بأنه بات غير مرغوباً به فلسطينياً، وأن مستقبله في المنصب لن يكون مرضيّاً عنه، ولا مُحفزاً بشأن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
كان من أبرز ما تدلّ عليه توجّهاته، هو الأهمية التي يُوليها، باتجاه استئناف المسيرة السياسية، باعتبارها تساعد كل من الفلسطينيين والإسرائيليين ، في العودة إلى المفاوضات المباشرة، ليس لضرورة الوصول إلى حلول للقضايا العالقة، وإنما لمساعدة الإسرائيليين في تخفيف حدة الانتقادات الدوليّة باتجاههم، وعلى أن يواصل الرئيس الفلسطيني "أبومازن" تمتعه ببعضٍ من الاستقرار الفلسطيني الداخلي، خاصةً خلال الفترة القاسية والتي ما فتئت تجُمّ بالأحداث والتوترات، الناجمة عن تأزّم الصراع، ونظراً إلى المآزق السياسية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة الشرق أوسطية بشكلٍ عام.
سارعت السلطة الفلسطينية إلى الإعلان عن ترحيبها بالاستقالة، وبالمقابل ادّعت الرباعية بأنه لن يحصل أي تغيير على الدور المناط بها كـ (مكتب الرباعية)، الذي أصبح بديلاً عن (مكتب ممثل اللجنة الرباعية)، وأكّدت على أن التركيز سيظل قائماً على المحافظة على إمكانية حل الدولتين، وعلى التطوير الاقتصادي والمؤسساتي في الأراضي الفلسطينية.
من نواحٍ عديدة، لا يمكن الادعاء بأن "بلير" هو من أساء عمله بمفرده، برغم ثبوت غرامه بإسرائيل وولائه لها، لكن يمكن الادعاء بأن الرباعية (ككل)، هي المؤسسة التي جرى تهميشها على يد الولايات المتحدة تحديداً، بعد أن استُخلصت الغرض منها، وهو التغطية على القرارات الدولية، وعدم اعتبارها كمرجعية لأيّة حلول محتملة.
كان وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الذي ربما انتهز فرصة استقالة "بلير" أو لوصوله إلى مرحلة يائسة بشأن إمكانية أن تتقدّم الرباعية سنتمترا واحداً فيما أوكل لها، حين اقترح صناعة رباعية أخرى (هيئة دوليّة للمواكبة) تضم دولاً عربية، يكون هدفها المساهمة في (تسهيل) وليس فرض مفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
ويدور الحديث الآن حول ضرورة الشروع في ترميمها، وإلباسها حُلّة جديدة، كي تكون قادرة على القيام بالدور الذي هي منوطة به، وذلك من خلال إدخال تعديلات على صيغتها الفائتة، وبضرورة تمكين روسيا – كما الرغبة الفلسطينية- في زيادة دورها في هذا المجال، باعتبارها نجحت أمام الولايات المتحدة والغرب عموماً، بشأن دورها القوي باتجاه الأزمتين السورية والإيرانية.
على أي حال، وسواء في غياب "بلير" أو في حضوره، باعتباره – صديقاً لإسرائيل- فإن من السابق لأونه أن يتم تحقيق اقتراح "فابيوس" القاضي بإدخال دولٍ عربية في إطار الرباعية الجديدة، أو أن تقوم روسيا بوضع رجلها في ركاب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بشكلٍ أقوى مما هو عليه، وذلك بسبب الممانعة الأمريكية- الإسرائيلية، باعتبار أن أي تغيير سيطرأ علبها، سيكون له الأثر الكبير في تعقيد الأمور وليس تسهيلها، وحتى لو سمحت الظروف بحصول أحدهما أو كلاهما معاً، فإن الرباعية أصبحت ذات صوفة مصبوغة، بحيث لا تُمكّنها من المساعدة في الشق السياسي تحديداً، وخاصة ما دام الأمريكيون يقبضون على أنفاسها، وما دام الإسرائيليون لم يقرروا فيما إذا كانوا يريدون السلام أم لا؟
اضف تعليق