المتابع للتغطية الإعلامية لبطولة خليجي25 في البصرة يلاحظ نقطة تحول محورية جديرة بالمناقشة والتحليل، فالإعلام الذي كان يبحث عن الشيطان في أي مكان اختفى الآن، الكاميرات اليوم لا تصور إلا الأجواء الملائكية،، ما أسباب هذا التحول؟ وكيف يمكن للعراق أن يجعل منه نقطة تحول كبرى لخدمة بلاد الرافدين أولاً والمنطقة ثانياً؟ ...
المتابع للتغطية الإعلامية لبطولة خليجي25 في البصرة يلاحظ نقطة تحول محورية جديرة بالمناقشة والتحليل، فالإعلام الذي كان يبحث عن الشيطان في أي مكان اختفى الآن، الكاميرات اليوم لا تصور إلا الأجواء الملائكية.
ما أسباب هذا التحول؟ وكيف يمكن للعراق أن يجعل منه نقطة تحول كبرى لخدمة بلاد الرافدين أولاً والمنطقة ثانياً؟
قبل الإجابة عن التساؤلين لا بد من الإشارة إلى مكاسب التغطية الإعلامية لخليجي25 في البصرة:
المكسب الأول للمُرْسِل: للصحفي نفسه حيث يحصل على جمهور واسع، وللقناة الفضائية الحاضنة للصحفي إذ ستجد من يتابعها، والدولة التي تقف خلف القناة الفضائية، سوف تتحسن صورتها في عيون الجمهور العراقي.
المكسب الثاني للعراق صاحب الضيافة، فقد أبرزت التغطية الإعلامية الجوانب المنيرة للشعب العراقي، وكأنها نفضت غبار الحرب الإعلامية الطاحنة التي كانت جارية لسنوات طويلة وضحيتها الأولى الشعب العراقي، إذ استعاد العراق موقعه كدولة لها مكانتها وشعب يحب الحياة، والأهم أنه يحب الآخرين بكافة ألوانهم وأشكالهم وجنسياتهم ودياناتهم.
لماذا هذا التحول في التغطية الإعلامية؟ أليس العراقي هو المتهم بالولاء لهذه الدولة أو تلك؟ ألم يكن العراقي متهم بالعداء لهذا الشعب أو ذاك؟ ما الذي تغير؟ هل الشعب تغير أم التغطية الإعلامية؟
الشعب العراقي هو ذاته، لم يتغير، هو الشعب المحب للحياة وللآخرين من أي مكان وأي جنسية، وجدت الدول التي تطمح بموطيء قدم لها بالعراق أن سياستها الإعلامية العدوانية تجاه العراق وحلفائه غير فاعلة، وأن تصيد الأخطاء ضد هذا البلد لا يجدي نفعاً للطرفين.
كان الخطاب الإعلامي يعتمد على نموذج الصراع السياسي الصفري، يقوم هذا النموذج على شيطنة الآخر المختلف بكل الوسائل الممكنة، مع تعظيم غير منطقي للذات، والهدف النهائي هو إلغاء الآخر والتسويق لنموذج جديد يحل محله، بمعنى آخر افتقد الإعلام إلى عنصر التواصل، وركز على حرب الوجود بين طرفين يجد كل منهما أن ضمان حياته مرهون بقتل ونفي الآخر من الوجود.
في النهاية لم يُقتل أحد من أطراف الصراع بشكل نهائي، ولم يُنفى من الوجود، المؤلم في قصة الصراع الإعلامي السابق أن جميع الأطراف المتصارعة خسرت الموارد المالية والبشرية والكثير من السمعة، ولم تربح سوى تشويه السمعة وفقدان المكانة المحلية والإقليمية والدولية، الجميع شعر بخطر الاستمرار في تسويق الخطاب العدائي الصفري.
نقطة تحول
الخطاب الإعلامي الجديد لدول الخليج مشجع جداً، ليس لأنهم يمدحون العراقيين وينشرون روح المحبة والسلام فقط، بل إن طريقة الخطاب مختلفة تماماً، فلم يعد الخطاب قائم على شتم هذا العدو أو ذاك، لقد اختفت اللغة العدائية تماماً خلال أيام البطولة الخليجية.
وبما أن الإعلام الخليجي هو انعكاس للاستيراتيجية السياسية للسلطة الحاكمة، نستنتج أن هناك توجهاً سياسياً خليجياً بالانتقال إلى نموذج التنافس في المجال العراق، ولشرح الفرق بين نموذج الصراع والتنافس نذكر النقطة المحورية في كل نموذج:
نموذج الصراع يسعى إلى إلغاء الخصم تماماً أو شل قدرته على الحركة، وينعكس ذلك على الخطاب الإعلامي من خلال بث أكبر قدر من الكراهية ضد الخصم، عبر البحث في سلبياته وطرح نموذج مغاير تماماً له.
نموذج التنافس لا يسعى إلى إلغاء الآخر بل يتعايش معه، وهنا جوهر الفرق، ففي المنافسة تبقى الطموحات موجودة في مد النفوذ لكن ليس بالضرورة عبر إلغاء الآخر، إنما عن طريق تجنب إثارته من جهة والبحث عن المشتركاترمن جهة أخرى.
وإذا استمرت الحالة الإعلامية نفسها التي نراها في خليجي25، سيكون من واجب العراق فهم المعادلة الجديدة، لأن التيار الجديد جارف وهائل، ومن يبقى على خطاب الصراع سوف يخسر جمهوره تدريجياً ويتنحى جانباً لأن الشعوب تحب التعايش والتقارب لا سيما وأن شعوب المنطقة قد سئمت الصراعات وفهمت كل وسائل الخطاب الإعلامي المعتمد على الكراهية وشيطنة الآخر.
وعلى بعض الدول التي ما تزال تبحث عن شيطان التفاصيل الصغيرة أن تعرف بأن السوق الإعلامي الجديد لا يحتمل الصراع الصفري، بل تصفير الأزمات أو تقليصها إلى أقصى قدر ممكن.
أرى أن العراق والمنطقة أمام فرصة تاريخية لو تم الانتباه لها، فالحرب تحدث بسبب شرارة بسيطة، لكنها قد تنتهي بمبادرة بسيطة أيضاً، دعونا نجعل من الخطاب الإعلامي الإيجابي في خليجي25 نقطة تحول لصالح العراق ودول المنطقة.
لننسى بعض الصراعات فهي لا تنتهي، لنتعلم العفو من نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله الذي أصدر العفو المشهور عند فتح مكة المكرمة، وعلى إثر ذلك تأسست أعظم دولة إسلامية.
ولنتعلم من دول الغرب التي تجاوزت حروبها العالمية المدمرة وتآلفت معاً لتؤسس قاعدة سياسية واقتصادية وصناعية هائلة ما تزال تسيطر على السوق العالمي.
بقدر تعقيدات المسألة فهي بسيطة، بدل شتم الآخر، لنبحث عن المشترك، وبدل إلغائه وشيطنته لنعترف بانسانيته وتميزه، لنترك الصراع ونتنافس كما يتنافس أبطال الرياضة، حيث يفوز الجميع ولا يخسر أحد. خليجي25 فرصة قد لا تتكرر.
اضف تعليق