ان رصانة العلم تتحقق عند مواكبة التطورات التقنية المتسارعة، وتحديث المناهج التعليمية باستمرار يضمن الرصانة العلمية، لأن الاعتماد على المنهج القديم لا يفيد سوى الأستاذ الذي يستطيع إعادة شرح نفس المادة التي شرحها قبل عشر سنوات ليبدو وكانه خبير زمانه في الحفظ والتلقين...
أنت تدرس في إحدى الجامعات العراقية، فهذا يعني أنك متأخر عن منجزات التقدم العلمي، الحواسيب وبرامجها إحدى أهم منتجات التقدم العلم، وهي في الوقت نفسه أداة من أدوات المؤسسات التعليمية التي تهدف إلى مواكبة المسيرة الحضارية.
وكقاعدة عامة، من يريد اللحاق بآخر ما وصل إليه العلم، يستطيع تحقيق هدفه عبر توظيف أحدث التقنيات والأدوات في الصف الدراسي، والجامعة بيئة مناسبة للتطوير، فالطلبة فيها من الشباب، يستطيعون فهم تقنيات العصر، ومواكبة التقدم بسهولة، ورفقتهم للتقنيات الحديثة تجعلهم خامات مهمة للإسهام في تطوير البلاد بشكل العام.
طالب اليوم الذي يتعلم وفق أحدث نظم التعليم هو موظف الغد الذي يجعل من مؤسسات العراق الحكومية والخاصة معتمدة على التكنلوجيا الحديثة، وما أحوجنا إلى مثل هكذا خريجين تقوم على أيديهم نهضة العراق مرة أخرى.
وطالب الجامعة نفسه الذي يتعلم وفق نظم تعليمية متأخرة بعدة سنوات عن ما وصلت إليه النظم الحديثة، يعني موظفاً أو مواطناً متأخراً عن الركب، يركض خلف الآخرين ويفشل في اللحاق بهم كما هو حال جامعته عتيقة المناهج.
في العراق، الجامعة متأخرة عن آخر صرخات العلم، المنهج الدراسي والتدريبي يعيش في الماضي، وزارة التعليم تنادي بالرصانة العلمية، تتفاخر بصعود بعض جامعاتها في التصنيفات العالمية السنوية، لكن إذا كنت مهتماً بحقيقة الرصانة العلمية في العراق ما عليك سوى الذهاب لأحد الصفوف الدراسية ومعرفة طبيعة المنهج الدريسي.
أتحدث لكم عن تجربتي الشخصية، كان أستاذ التصوير الذي يعتبر عبقري زمانه في جامعة بغداد عام 2009 يدربنا على برنامج أدوبي فوتوشوب لمعالجة الصور بنسخة متأخرة خمس سنوات عن أحدث نسخة.
وأستاذة مادة الحاسوب تدرسنا على برنامج ميكروسوفت أوفيس بنسخة متأخر عن أحدث نسخة بأربع سنوات.
مرت السنوات أكملت فيها الماجستير والدكتوراه، وإذا بأحد طلبة الجامعة يطلب مني أن أساعده في فهم ميكروسوفت أوفيس وورد لأن المادة التي يدرّسها الأستاذ تختلف عن تلك الموجودة في نسخة أوفيس وورد المثبتة بجهاز الحاسوب.
صدمنتني المادة التي تعتمد على تدريس نسخة غير كاملة وقديمة تعود إلى عام 2007 بينما توجد نسخة العام 2020، ونسخ مخصصة للتعليم وغيرها مما يمكّن الطلبة من تطوير مهاراتهم في هذا البرنامج المهم للطلبة في حياتهم العلمية أثناء الدراسة ومسيرتهم المهنية والوظيفية بعد التخرج.
في كلية الهندسة بجامعة بغداد ما يزال الأستاذ يدرس الطلبة على برنامج الأوتوكاد بنسخة عام 2004 بينما ندخل الآن على العام 2023.
عدد كبير من الأساتذة يستسهل المادة التي تعود عليها خلال سنواته المهنية الأولى، ويبقى يدرسها حتى لو تقدم الزمن وأصبحت قديمة وغير مفيدة، وعندما تسأله عن السبب في لجوئه إلى مادة علمية قديمة، يقول إنه متعود على هذا النوع من التدريس، أو إن القديم أفضل من الجديد.
لا يمكن تحقيق أي فائدة من التعليم والجامعة تتاخر عن العالم، على العكس، يجب ان تقودنا هذه المؤسسات إلى الوقوف في أول السباق لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للبقاء على طريق المنافسة.
ما نريده في هذا المقال هو الإشارة إلى أن رصانة العلم تتحقق عند مواكبة التطورات التقنية المتسارعة، وتحديث المناهج التعليمية باستمرار يضمن الرصانة العلمية، لأن الاعتماد على المنهج القديم لا يفيد سوى الأستاذ الذي يستطيع إعادة شرح نفس المادة التي شرحها قبل عشر سنوات ليبدو وكانه خبير زمانه في الحفظ والتلقين.
ومتى ما استطاعت الجامعة الفوز بسباق التحديث سوف تكون الشهادة الجامعية مفيدة في الوظيفة، وسيكون طالب الجامعة اليوم هو الموظف المثالي غداً، وأي بلد يحوز أكبر عدد من الموظفين المثاليين يبقى على سكة المنافسة العالمية.
اضف تعليق