q
قد تستغل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني ومن خلفها طهران، التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية بعد قرار الاخيرة بتخفيض صادراتها النفطية، لصالحها في هذا الملف والمضي بإكمال المباحثات بين الطرفي، ولاسيما في ظل الضغوط الداخلية التي تتعرض لها إيران جراء حركة الاحتجاجات...

تستضيف العاصمة بغداد منذ أبريل/ نيسان 2021 مباحثات مباشرة على مستوى منخفض التمثيل بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، ضمن فرق ضمت ممثلين أمنيين ودبلوماسيين لكلا البلدين، وقد رعى رئيس الوزراء السابق السيد مصطفى الكاظمي (5) جولات منها، عقدت جميعها في بغداد، وكان آخرها في إبريل الماضي.

وكان من المؤمل ان تعقد في بغداد جولة سادسة على مستوى وزراء خارجية الدولتين بين وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وفقاً لما أعلن عنه وزير الخارجية العراقي السيد فؤاد حسين في 23 يوليو الماضي، لكنها تأجلت لأسباب متضاربة، بعضها متعلق بالجانب السعودي وآخر بالجانب الإيراني حول الملفات التي ستطرح فيها، ولاسيما الملفات الإقليمية التي تتعلق بدور إيران في بعض العواصم العربية وأبرزها الملف اليمني. فهل تنجح حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوادني في اكمال هذا الملف؟

على الرغم من التغيير الحكومي الذي حصل في العراق بعد تشكيل الحكومة العراقية الحالية برئاسة السيد السوداني وطبيعة القوى السياسية التي تبنت تشكيلها من الناحية السياسية والايديولوجية، والاختلاف السياسي بين حكومة رئيس الوزراء السابق السيد الكاظمي ورئيس الوزراء الحالي السيد السوداني، الا أن بقاء اثنين من عرّابي الوساطة العراقية بين الرياض وطهران، وهما وزير الخارجية السيد فؤاد حسين ومستشار الأمن القومي السيد قاسم الأعرجي، في منصبيهما، مع تسلم حكومة السيد السوداني زمام إدارة الدولة والسلطة التنفيذية، قد يدفع بهذا الملف إلى جولات قادمة من المفاوضات.

لكن هناك بعض الشكوك حيال مصير الوساطة والمباحثات التي تبنتها بغداد بين الجانبين، وهذه المخاوف قد تكون نابعة من الطبيعة الايديولوجية للقوى السياسية الشيعية التي رشحت السيد السوداني لرئاسة الحكومة ومواقفها السياسية السابقة من المملكة العربية السعودية وعلاقاتها السياسية والثيوقراطية بالنظام الإيراني، فضلاً عن ذلك، فإن المباحثات السابقة كانت تعتمد على رئيس الوزراء السابق، الذي يتمتع بعلاقات قوية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكانت هناك رغبة من الطرفين ان يضعا حداً للتوتر السعودي الإيراني في المنطقة وآثاره السلبية على العراق.

وقد ابتدأت تلك الرغبة بخطوات خجولة ومن ثم تم تبينها بشكل رسمي واكتسب الملف أهمية ودعم كبير على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولاسيما أن المحور الأمريكي–الغربي كان داعما لتوجهات رئيس الحكومة العراقية السابق في هذا الملف، فضلاً عن ذلك، هناك شكوك كبيرة من شانها أن تعقد ملف المفاوضات السعودية – الإيرانية، ولاسيما تلك التي تتعلق بمركزية وأدبيات النظام السياسي والثورة الإيرانيين وتصديرها إلى المنطقة، فالتواجد الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن تعد من ادبيات واهداف الثورة والنظام الإيرانيين، لذا فإن أي ادراج لدور إيران في المنطقة على لائحة المفاوضات بين الجانبين، لا يمكن القبول بها من قبل طهران، ولاسيما ان الجولات التفاوضية السابقة في بغداد لم تكن كافية لإزالة الخلافات حول القضايا الأساسية بين طهران والرياض.

بموازاة ذلك، قد تستغل حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني ومن خلفها طهران، التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية بعد قرار الاخيرة بتخفيض صادراتها النفطية، لصالحها في هذا الملف والمضي بإكمال المباحثات بين الطرفي، ولاسيما في ظل الضغوط الداخلية التي تتعرض لها إيران جراء حركة الاحتجاجات الشعبية القائمة في البلاد منذ أشهر، ووصول المفاوضات النووية حول برنامجها النووي إلى طريق شبه مسدود، الا ان السعودية بالتأكيد متفطنة لذلك، وهي تمتلك الرغبة السياسية ايضاً بان تملي شروطها التفاوضية على إيران ولها من الشروط ما لا ترغبه الإدارة الإيرانية.

كذلك تكمن صعوبة مواصلة استكمال هذا الملف بالنسبة لبغداد، لكون صانع القرار السعودي، فضلا عن الرأي الإقليمي والعربي والدولي، يعد العراق جزء من المحور الإيراني، وهو ايضاً جزء من المشكلة أو جزء من الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات؛ الأمر الذي يتعارض مع ما تريده الإدارة الإيرانية وما ترغب به، وهو في المجمل يتعارض مع أدبيات النظام السياسي الإيراني ومنطلقات الثورة الإيرانية.

وعلى الرغم من كل الشكوك والتحديات التي تقف أمام الوساطة العراقية في اكمال ملف المباحثات والتقريب بين السعودية وإيران، يبقى الموقف والدعم الدولي والإقليمي، الذي تحصلت عليه حكومة الإطار التنسيقي بعد تشكيلها، ومآرب ودوافع ذلك الدعم، فرضية قائمة من الممكن لحكومة السيد السوداني استغلالها لصالحه في المضي بعلاقاته الخارجية ومنها ملف التقارب بين الرياض وطهران، ولاسيما في حال نجح في تحييد القوى السياسية القريبة من طهران، او تلك القوى التي تمتلك فصائل مسلحة، من القرار السياسي، أو في حال استطاع ان يستثمر الهدوء السياسي النسبي الحالي، الذي تحصلت عليه حكومته جراء سيناريو تشكيلها بعد معارضة التيار الصدري، قبل ان تظهر بوادر الانقسام السياسي مرة أخرى بين قوى الإطار التنسيقي، ولاسيما في ظل المؤشرات التي تشير إلى الخلافات السياسية بين دولة القانون وعصائب أهل الحق، أو بين قوى الإطار التنسيقي بشكل عام؛ لان حالة الوئام والسلام ودفع الخلافات بين تلك القوى لا يمكنها ان تستمر طويلًا، أو الخلافات بين القوى السياسية بشكل عام.

ولاسيما ان ملف الوساطة العراقية بين الرياض وطهران، فاقد لكل مقومات الوسيط الناجح، ولم يرتقي إلى الوسيط الرسمي بعد، على غرار الوساطات والمساعي الحميدة التي يقوم بها بعض اللاعبين الدوليين بين الاطراف المتنازعة او المتخاصمة، فضلاً عن ذلك تبقى فرضية الرغبة الأمريكية وحلفائها في المنطقة لاعب كبير في انجاح هذا الملف من عدمه.

بالمجمل يحتاج هذا الملف وكل ملفات الانفتاح على العالم الخارجي إلى حكومة عراقية وطنية شاملة تجمع كل الاطراف المتنازعة على اسس صحيحة، ونظام سياسي مستقر، يتمتع بالشرعية الداخلية والرضا المجتمعي، قبل كل شيء؛ لأن السياسة الخارجية الناجحة، هي امتداد طبيعي للنجاح والاستقرار السياسي الداخلي، على كافة المستويات (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية)، فاذا ما كنت فاقد للمؤهلات والدعم الداخلي، ولا تمتلك الاهلية الكاملة على كامل القرارات السياسية والسيادية في البلد، لا يمكن ان تكون لاعب فاعل على المستوى الخارجي والإقليمي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق