إن المعيار الدقيق الذي نبحث عنه موجود في كلام الأم الحنونة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام حينما قالت: (من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عزّ وجل إليه أفضل مصلحته). فهي القاعدة الغيبية التي لا تضاهيها قاعدة بحيث لانحتاج بجانبها إلى قاعدة أخرى، وهو القول الفصل...
سؤال مهم يختلج في كل نفس بشرية خصوصاً المؤمنين وهو: هل الأحداث اليومية التي يواجهها الإنسان في حياته سواء سلبية أو إيجابية في منظوره الشخصي هي من باب المصلحة أو لا؟ وإذا كانت من باب المصلحة، فهل هي أفضل المصالح له؟.
فربما يبتلى بفقد عزيز، أو يتعرض لحادث فتتهشم سيارته، فهل سيظن أن هذا الحدث باباً من أبواب المصلحة له؟!! وهو لايرى أي بوادر من المصلحة إطلاقاً، بل يراه باباً من أبواب الحزن والخسارة، ودفع التعويضات المادية!!.
وأسئلة أخرى عديدة مشابهة يمكن اسقاطها على كل ما نتعرض إليه من أحداث ومواقف في حياتنا اليومية.
إن المعيار الدقيق الذي نبحث عنه موجود في كلام الأم الحنونة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام حينما قالت: (من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله عزّ وجل إليه أفضل مصلحته).
فهي القاعدة الغيبية التي لا تضاهيها قاعدة بحيث لانحتاج بجانبها إلى قاعدة أخرى، وهو القول الفصل الذي يضمن للمؤمن الارتقاء في حياته، والسعادة بعد مماته.
بهذه الكلمات المختصرة أوجدت السيدة الزهراء عليها السلام القاعدة الربانية التي يتوجب على المؤمن تطبيقها في كل لحظة وموقف يتعرض إليه في حياته، حينها يضمن أفضل مصلحته.
ولعل قائل يقول: إذا كانت أموري مقدرة لي في حياتي، فستجري في النهاية على النحو المقدر لي سواء كان خيراً أو شراً، حتى وإن بذلت جهدي وطاقاتي، لدفع أمر أو استجلاب آخر؟!!.
لكن السؤال الأهم الذي نردفه على هذا السؤال: هل ستضمن أو ستنال فيها أفضل مصلحتك في الدنيا فضلاً عن أفضل مصلحتك في الآخرة؟!!.
ولعل أهم صورة تحاكي هذا المفهوم الرباني التي أشارت إليه السيدة الزهراء عليها السلام هو صنائع الخضر عليه السلام، حينما استنكر موسى عليه السلام فعاله بالرغم أنها أفضل المصالح له، ولأصحاب السفينة، والوالدين واليتيم، حتى وإن كانت من أعقد الفعال وأقساها!!.
فإذا كان نبي من الأنبياء المعصومين استنكر فعال الخضر عليه السلام، ولم يدرك حكمتها وغايتها إلا حينما أخبره الخضر عليه السلام بذلك، فما هو حال الإنسان البسيط الذي لا يدرك أبسط مصالحه، فضلاً عن استيعاب أفضلها.
من هنا اهتم النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين بتربية الأجيال بجعل العلاقة مع الله عز وجل والحرص على متانتها أسمى غاية في الوجود سواء على مستوى العبادة أو المعاملات مع الناس، لذلك كانوا على يقين تام أن كل ما حدث لهم هو أفضل مصالحهم بحيث جعلتهم في قمة السمو البشري الذي لم يصل إلى ذروته أحد سواهم.
كذلك على المؤمن أن يضع في عين الاعتبار أن ثمة أمور وأحداث ومواقف تحدث له في حياته اليومية سعى لها أو لم يسع إليها تترتب عليها آثار ومصالح قد لا يستوعبها إلا بعد سنوات في عالم الدنيا، وقد لايدرك مصلحتها إلا في عالمه الأخروي، وإن كانت في ظاهرها تعطيل للمصالح وتعرض للهم والخسائر.
ومن ألطف ما قرأت في هذا المضمار عن الشيخ عباس القمي قدس الله نفسه الطاهرة حينما كان مسافراً في سيارة أجرة، فتعطلت بهم السيارة حينها اشتاط السائق في الشيخ عباس القمي غضباً، وقال: إني لا أحب أن أركب معمماً في سيارتي، لأنه تيقن أنه سبب تعطل السيارة!! فأنزل الشيخ القمي من السيارة جبراً.
لكن الشيخ القمي كان على يقين أن تعطله في ذلك الطريق الموحش لمصلحة لا يعرفها!!.
وبالفعل وقف الشيخ على قارعة الطريق إلى أن أركبه سائق شاحنة أرميني، والعجيب أنه سعد بركوب الشيخ معه، وكان متوجهاً لنفس الجهة التي يقصدها، حينها بدأ الشيخ القمي يحدثه عن الإسلام والنبي وأهل البيت عليهم السلام، وكان يسأله طوال الطريق عن العقيدة الصحيحة، يقول الشيخ القمي عليه الرحمة: كنت أرى دموع السائق تنهمر على خديه كسيل المطر من شدة أعجابه بحديثي، وقبل وصولنا لمقصدنا قال لي: أريد أن أكون من اليوم مسلماً موالياً لأهل البيت عليهم السلام، وأثناء إقامتي في تلك المدينة، جاء بأهله وأقاربه كي يكونوا على نفس التوجه، فمن تلك الحادثة إلى يومنا هذا كم شخصاً من سلالة السائق الأرميني وأهله يدينون بولائهم للنبي وأهل البيت عليهم السلام للشيخ القمي، وماهو مستوى الجزاء الذي سيناله على هذا العمل العظيم؟!!.
فهذه الحادثة تدل على أن تعطل الشيخ عباس القمي في ظاهرها تعطيل لمصلحته الدنيوية، بينما أراد الله به أفضل مصلحته.
كذلك ما نراه من العناية الإلهية التي حظي بها الشيخ عباس القمي قدس الله روحه الذي ألف كتاب مفاتيح الجنان بحيث لايخلو بيتاً منه، كونه الكتاب الذي نذره بإخلاص للسيدة الزهراء عليها السلام، فهل نستطيع إحصاء كم عمل وصلاة، ودعاء وزيارة من هذا الكتاب يرجع ثوابه للشيخ عباس القمي منذ ألفه حتى يومنا هذا؟!!.
فهذه التوفقيات الإلهية لم تأتي من فراغ بل من إخلاص الشيخ القمي قدس الله نفسه في القول والعمل؟!!. لأنه كان يصعد إلى الله أفضل عبادته، لذلك أنزل الله له أفضل مصلحته.
لقد أتحفتنا السيدة الزهراء عليها السلام بالقاعدة الربانية الفريدة التي يضمن بها المؤمن أن ينزل الله عليه أفضل مصلحته، بشرط تلازمي إن يصعد إليه خالص عبادته من الأقوال والأفعال والتعاملات على المستوى الشخصي والاجتماعي، وبعده عن الرياء والسمعة والعجب.
وهذا لا يُنال إلا بجهاد مستمر مع النفس مناط بالقلب الطاهر، والنية الخالصة، والعلاقة الروحية مع محمد وآل محمد، والتوسل الدائم إلى الله بهم صلوات الله عليهم أجمعين.
اضف تعليق